د. بسام الخالد
واهمٌ من يعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية تتخلى عن أطماعها في الشرق الأوسط ببساطة، وواهمٌ أيضا من يظن أن الأمر مرتبط بسياسة رؤسائها،ومصاب بقصر النظر السياسي من يفكر أن أمريكا أخلت الساحة للروس في المنطقة العربية، وعلى رأسها سورية، لأن الاستراتيجية الأمريكية لا تُبنى على هذه التوقعات أو تلك ولا على هذا الرئيس أو ذاك، بل تحددها مراكز قوى وضغط تعتبر أن الشرق الأوسط هو المدخل الطبيعي لتطبيق استراتيجية القرن الجديد، وستكون هذه المنطقة الأكثر أهمية في العالم، وهذه الأهمية متعددة الجوانب نظراً لما تمتلكه منطقتنا من موقع استراتيجي وثروات وطاقة وسوق تصريف ومخزون ديموغرافي كبير.
إن الهدف الاستراتيجي المعتمد في الولايات المتحدة الأمريكية منذ تسعينات القرن الماضي لم يطرأ عليه أي تعديل، وقد تم الإعلان عنه رسمياً بعد حرب الخليج الثانية عام 1991م التي أدت إلى فرض الوجود العسكري الأمريكي الفعلي في المنطقة، حيث تم تحديد هدف الاستراتيجية الأمريكية عبر خطةٍ عرفت باسم (القرن الأمريكي الجديد)، وقد وافقت عليها اللجان المختصة في الكونغرس في مناقشات سرية كأساس للسياسة الخارجية الأمريكية على أن يكون المدى الزمني لتطبيقها الأعوام العشرين الأولى من القرن الحادي والعشرين. في عام 1997م تم إجراء تطوير على تلك الخطة، وجاء في التعديل: ” إن الهدف الرئيس لكل مواطن أمريكي هو أن يعيش قوياً في هذا العالم المليء بالاضطرابات السياسية والمنافسات الاقتصادية الحادة.. لقد علّمنا التاريخ أننا عندما نكون الأقوى عسكرياً فإننا سنكون الأقوى في هذا العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً”.
وتشير الوثيقة في جزئها الأول إلى أهمية مجد القوة العسكرية الأمريكية، مع التأكيد على أن (القرن الجديد) لابد أن يعيد العالم إلى مفهوم الخضوع بالقوة العسكرية التي ستنطلق لردع كل الأعداء في العالم، حيث توضح الوثيقة: ” إن قتال دول ضعيفة عسكرياً سيؤدي إلى إشاعة الخوف في دولٍ قوية عسكرياً، لأن الانتصار الأمريكي سيكون ساحقاً وسيكون فرصةً حقيقيةً لتجريب أكبر كمية من الأسلحة المتطورة، التي ستجد ميداناً فسيحاً لاختبار مدى قوتها وفعاليتها، وهذا ما تم التقيد بحرفيته في أفغانستان والعراق.أما الدول المستهدفة، مثل سورية، فيجب التركيز على تدمير القوات المسلحة فيها تدميراً كلياً، والسيطرة عليها تبدأ بجمع الأسلحة وتفريغها من قياداتها سواء بموالاة القادة أو إجبارهم على الرحيل نهائياً من أراضي تلك الدول!
وبحسب الرؤية الأمريكية فإن كل الحروب التي ستُخاض في الشرق الأوسط يجب أن تكون تحت شعار رئيسي مشترك هو “محاربة الإرهاب” الذي يمثل خطراً، ليس فقط على الأمن الأمريكي بل على أمن العالم وسلامته، وترك مصطلح “الإرهاب” مطاطاً بما يخدم المصالح الأمريكية بحيث يمكن إلصاقه بكل من لا يقدم فروض الولاء والطاعة لواشنطن.
ماتغير في الاستراتيجية الأمريكية اليوم هو اعتمادها على القوة “الذكية الناعمة” (دبلوماسية ــ وسائل إعلام ــ جاسوسية ــ دعاية ــ توزيع أدوار) وهو الأجدى، ذلك أن استخدام القوة العسكرية (الخشنة) يوُحِّد جهود المُسْتَهْدَفـين، ويُذْكِي عزائمهم، ويزيد من تعاطف المد الجماهيري معهم داخلياً وإقليمياً ودولياً، أما أدوات التنفيذ فهي بـ “الوكالة” أي اقتتال بين أبناء الأمة الواحدة والشعب الواحد والدين الواحد، بعد إثارة الصراعات وتأجيج الفتن العرقية والطائفية والمذهبية، وبذلك يطول أمد الصراع وتحصد أمريكا النتائج على نار هادئة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تبقى “إسرائيل” الدولة النووية الوحيدة في المنطقة القادرة على التدخل في أوقات الحسم العسكري لصالح أمريكا، وهذا كفيل بالتلويح بالعصا الغليظة واستخدامها عند اللزوم لفرض الإرادة وبسط الهيمنة والنفوذ..!
(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)