محمد صلاح الدين ابو عيسى
حضرتُ اليوم اجتماع السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل مع ممثلي الفعاليات المجتمعية في محافظة طرطوس. وقد تميز اللقاء بتنظيم جيد ومنهجية حوارية هادئة، لكنه أعاد التأكيد على الحاجة الملحّة لإعادة هيكلة القطاع الأهلي بما يتناسب مع المعايير المؤسسية المعتمدة دولياً، وبما يضمن انتقاله من مستوى النشاطات الروتينية إلى مستوى الأثر التنموي القابل للقياس.
أولاً: المبررات العلمية لإعادة الهيكلة
تشير الأدبيات العالمية في إدارة منظمات المجتمع المدني—ومنها تقاريرUNDP وOECD وWorld Bank Civil Society Framework—إلى أن فعالية القطاع الأهلي تعتمد على ثلاثة مرتكزات رئيسية:
1. نضج الحوكمة (Governance Maturity):
كلما ارتفع مستوى الشفافية والمساءلة، تحسّن الأداء الداخلي للجمعيات وارتفعت قدرة المانحين على الثقة بالكيان.
2. تكامل التنسيق المؤسسي (Inter-Agency Coordination):
غياب التنسيق يؤدي إلى تكرار المشاريع، وفجوات في الاحتياجات، وهدر في الموارد.
3. وجود نظام تقييم أثر مبني على مؤشرات أداء (Impact Evaluation & KPIs):
وهو ما يتيح معرفة “ما الذي تغيّر فعلاً” وليس “ما الذي نُفّذ”.
ثانياً: متطلبات ما قبل التطبيق (Pre-Implementation Requirements)
قبل إطلاق أي مبادرة إصلاحية أو اعتماد إطار للحوكمة، ينبغي القيام بـ:
1. Mapping للمشهد الأهلي في طرطوس:
حصر الجمعيات، اختصاصاتها، قدرتها التنفيذية، حجم التمويل، عدد المستفيدين، ومستوى الامتثال.
2. تحليل فجوات (Gap Analysis):
تحديد الفرق بين الواقع الحالي والمعايير الدولية المطلوبة.
3. تقييم المخاطر التشغيلية (Operational Risk Assessment):
مثل مخاطر التمويل غير الموثق، ضعف القدرات البشرية، غياب قواعد البيانات، ضعف آليات التوثيق.
4. تصنيف الجمعيات وفق نموذج درجات النضج (Maturity Model):
وهو تقسيم علمي يساعد صانعي القرار على معرفة أين يجب التدخل وبأي أولوية.
ثالثاً: متطلبات ما بعد التطبيق (Post-Implementation Tracking)
بعد التطبيق، يجب وجود نظام مراقبة يعتمد على:
لوحات أداء (Dashboards) لقياس التقدم.
تقييم نصف سنوي للحوكمة والإدارة المالية.
مراجعة مستقلة (External Review) لضمان النزاهة.
تقارير أثر تنموي تظهر النتائج المباشرة وغير المباشرة للتدخلات.
رابعاً: رؤية عملية لتعزيز فعالية القطاع الأهلي في طرطوس
طرطوس تمتلك قاعدة شبابية عالية الكفاءة يمكن أن تشكل نقطة انطلاق مهمة إذا توفرت لها البيئة المناسبة. ويُقترح اعتماد المسار التالي:
1. إنشاء منصة تنسيق مشتركة (Local Coordination Platform) تربط بين الجمعيات، النقابات، القطاع الخاص، والجهات الحكومية.
2. اعتماد مدوّنة حوكمة (Governance Code of Conduct) تشمل إدارة الموارد، الشفافية المالية، وإجراءات تقييم المشاريع.
3. إطلاق برنامج لبناء القدرات (Capacity Building Program) يستهدف الشباب وفرق العمل في الجمعيات بالشراكة مع UNDP أو Agha Khan أو اليونيسيف.
4. تطبيق نظام تقييم أثر موحد باستخدام أدوات مثل:
– Theory of Change
– Results-Based Management
– Logical Framework Approach
5. إتاحة البيانات للعموم (Open Data) قدر الإمكان لتعزيز الثقة بين المجتمع والجمعيات.
خلاصة
إن إعادة تأهيل القطاع الأهلي في طرطوس ليست خطوة تقنية فحسب، بل هي ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الأثر وتحويل الجمعيات من “جهات تنفيذ” إلى “جهات تأثير”. وعندما تتوفر الحوكمة، والشفافية، والتنسيق، وقياس الأثر، يصبح الشباب جزءاً فاعلاً في صناعة التغيير وليس مجرد مشاركين في نشاطات متفرقة.

(أخبار سوريا الوطن-2)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
