فيلم «الحقيبة الحمراء» فيلم قصير أخرجه وكتبه وأنتجه “سيروس نشفاد ” الذي فرّ والداه من الثورة في إيران 1979 حين كان طفلا وعاش في لوكسمبورغ ، يروي القصة المروعة لمحنة الفتيات الإيرانيات ضحايا الزواج القسري والاتجار بالبشر، والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان ضد الفتيات والنساء وصانعي الأفلام والناشطين في إيران . تم ترشيحه لأفضل فيلم قصير مباشر في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 95 . أحداث الفيلم تتمحورحول فتاة إيرانية صغيرة في السن يتعين عليها أن تقرر ما إذا كانت ستقبل إجبارها على الزواج من رجل في منتصف العمر لم تقابله إطلاقاَ في بلد أجنبي ، أو تحاول الهروب والبحث عن الحرية. يسلط الفيلم الضوء على عدة مواضيع ، زواج القاصرات، الهجرة والاستغلال، حقوق المرأة، خلال قصة الفيلم القصير الذي تبلغ مدته 18 دقيقة. الحقيبة الحمراء تعود إلى أريان البالغة من العمر 16 عاما، التي وصلت مطار لوكسمبورغ قادمة من إيران، ومنذ البداية، ندرك أن والدها أرسلها مقابل دفع مالي للزواج من رجل إيراني أكبر سنا منها يعيش في الغرب. الفيلم مليء بالتوتر والتشويق منذ البداية، ينجذب المشاهد اليه ويتعاطف مع الفتاة الضعيفة والخائفة. تحتوي الحقيبة الحمراء الصغير، على رسومات وأشياء متعلقة بطفولة فتاة فارسية عادية مع مبلغ صغير من المال. القصة تتمحور حول أحلام مراهقة إيرانية تخلع حجابها في أوروبا هرباً من القيود المفروضة عليها في بلادها، توقيت عرض الفيلم القصيرفي الوقت المناسب وفي أعقاب الاضطرابات المدنية، خاصة بعد الاحتجاجات التي اجتاحت إيران عام 2022 حين كان العالم بأسره يراقب بتأثر الحركة الاحتجاجية التي تشهدها إيران منذ مقتل الشابة مهسا أميني، إثر اعتقالها لدى شرطة الأخلاق بتهمة عدم التزام قواعد اللباس الديني، وتعرضت موجة الاحتجاجات إلى قمع عنيف من النظام الإيراني. علق المخرج نشفاد قائلاً في بيان بعد الإشادة بفيلمه القصير : “هذه الأشادة تمنحه شعوراً بالفخر ودعم للإيرانيين والإيرانيات الذين يقاتلون الآن في شوارع طهران من أجل حريتهم) .
مرحبا بكم في مطار لوكسمبورغ والتحقق من الوقت: 12:25 منتصف الليل تلك هي بداية الفيلم. في منطقة الوصول الخالية الآن لا تزال حقيبة سفر حمراء واحدة غير مُطالب بها على حزام النقل. يبدو أن مالكتها الفتاة الإيرانية المراهقة، التي تخشى حتى الحصول على الحقيبة. أريان (نويل عواد) التي لا تتحدث سوى الفارسية، لا تريد أن تحصل على حقيبتها ولقاء الرجل الذي خطبه لها والدها (في الواقع باعها له) وتقف أريان بالقرب من حقيبتها وهي متوترة ومترددة في تناول حقيبتها الحمراء من حزام صالة المطار، لكونها العلامة الفارقة التي سيتعرف عليها عريسها عند الاستقبال. يزداد خوفها مع كل ثانية في مواجهة ما ينتظرها وراء البوابة. الحقيبة الحمراء هي العنصر الوحيد المتبقي على عربة الأمتعة. نراقبها وهي تدور وتدور قبل أن تلتقطها الفتاة. يرن هاتفها وترد بكذبة «ما زلت على متن الطائرة». الحقيبة الحمراء تشكل روح الصبية المراهقة وقلبها النابض ونراها تضع على الحقيبة صدرها بدلا من الأرض.
يميل الأشخاص الذين يتصرفون بشكل غريب في المطارات إلى جذب الانتباه. لا يستغرق الأمر وقتا طويلاً حتى يدخل اثنان من أفراد الأمن ويطلبان تفتيش الحقيبة الحمراء، ترتعب منهم لأنها لا تفهم ماذا يريدان منها، يسحبان منها بقوة الحقيبة التي تحضنها، وعند فتح الحقيبة وجدا أنها تحتوي فقط على الملابس واللوازم الفنية وبعض الرسومات الجميلة. من الواضح أن الفتاة غير مرتاحة للتفتيش والعبث باشيائها الخاصة، لأن هذه الحقيبة بالنسبة لها أثمن شيء. زوجها المستقبلي (ساركاو غوراني) ينتظرها والدقائق تمر وهي تحاول إيجاد مخرج لها. وفي واحدة من أكثر لحظات الفيلم تأثيرا تقرر أريان خلع وشاحها من أجل التهرب من خطيبها، تنسحب الفتاة إلى دورات المياه وتفتح شعرها على أمل إخفاء هويتها. غايتها الخروج من المطار والهروب من الرجل الذي ينتظرها في الصالة. يقدم المخرج خاتمة للفيلم مفعمة بالأمل إلى حد ما لقصة مفتوحة. باستخدام نظرة ثاقبة واستفادة من أداء الشابة نويل عواد، مع حوار مقتضب، فقط بعينيها ولغة الجسد نشعر برعبها وقلقها من مواجهة الرجل، مراهقة تعاني بالفعل من التعسف الأبوي وزواج بالأكراه. بينما كانت أريان تختلس النظر مرارا إلى من ينتظرها في الردهة، رجل يحمل باقة من الزهور. نشعر بخوف فتاة تبلغ من العمر 16 عاما في بلد أجنبي ولديها بعض القرارات الكبيرة لتتخذها.
عند محاولتها الهروب من الرجل الخمسيني تسمعه يصرخ بالهاتف على والدها «لدي الكثير لأخسره هنا» لأنه دفع ثمن حفل الزفاف، وهذا يشير إلى مدى سلطة الرجال على النساء في إيران. إنها تفاصيل صغيرة تتحدث عن محنة الآلاف من النساء. في البداية، يتردد المخرج نشفاد في توضيح أي شيء، إنه يجعلنا نشعر بالضياع كما تفعل الفتاة. في محل الصرافة تنبهت الموظفة الى توترها وحيرتها وتسألها المرأة في ما إذا كانت بخير، لكنها لا تفهم لجهلها في اللغة. العالم كله غريب عليها، حتى لو نجحت في الابتعاد فسيكون من الصعب جدا عليها تجنب الأخطار الأخرى، وعليها أن تجد طريقة للبقاء آمنة..إن الفحص الدقيق لجانب حساس من ثقافة الشعب وتقاليده يُظهر بذكاء تداعيات رغبة الفرد في استعادة الحرية، تتجنب «الحقيبة الحمراء» مخاطر التسييس وتركز بدلاً من ذلك على رواية القصص، نفهم بأن فقدان حقيبتها الحمراء يعني الحفاظ على حريتها، بالنسبة لفيلم مدته 18 دقيقة فقط نجح في حشد ما يكفي من القلق والتعاطف مع أريان. الفيلم متميز في الأداء والتمثيل والإخراج بشكل جميل ويستحق الثناء الذي حصل عليه. حكاية تُروى بكلمات قلية ومع ذلك تصل الرسالة ونشعر بكل عاطفة تمر بها الفتاة الصغيرة. الممثلة الرئيسية نويل عواد التي كانت موجودة في كل مشهد من الفيلم الذي يمثل في الأساس مشهدا طويلا، شخصية محبوبة حقا وضحية كبيرة للموقف بأكمله، باعها والدها لرجل آخر ومن المفترض أن تتزوج هذا الأخير في لوكسمبورغ، وهو موجود في المطار ليصطحبها ويأخذها إلى منزله على الفور، حيث ينتظرهما الضيوف لإتمام حفل الزفاف، وعبر الهاتف يعبر الرجل عن استيائه لوالد أريان لعدم وصول العروس .
في النهاية ، تخلع حجابها وتخرج من الصالة وتحاول التسلل إلى الحافلة الواقفة عن بوابة المغادرة ، يبدو أنها تمكنت من الابتعاد عن الرجل، لكن عليها ترك الحقيبة وراءها، كانت هناك لقطة واحدة بقيت في ذهني حقا، وكان ذلك موقف الكاميرا الدرامي، عندما دخل الرجل الحافلة يبحث عن عروسته واختبأت في المرحاض. يفتش الرجل عن عروسته يعثر على الحقيبة الحمراء. يختتم الفيلم برسالة نصية من والدها يطلب منها العودة إلى المنزل، ومن أجل أن تكون ذات إرادة حرة، فعليها أن تخرج من هذا التقليد الأبوي، لهذا السبب تتجاهل رسائله وتصبح أرادتها حرة وهذا هو أهم شيء.
جاء إطلاق الفيلم متزامناً مع الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحجاب التي تقودها النساء في إيران، تلقى المخرج رسائل كثيرة عبر الإنترنت وتهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لأنهم أعتبروا الفيلم معاديا للنظام الإيراني. مخرج العمل أراد توعية العالم بشأن «قضية النساء الإيرانيات»ورسالة الفيلم كما يوضحها المخرج الأربعيني سيروس نشفاد في حوار مع وكالة فرانس برس «الفيلم يروي بالنسبة لي قصة نساء إيران الخاضعات لهيمنة الرجال». ويوضح أن المرأة في إيران، «إذا ما أرادت فعل أي شيء، أو زيارة مكان ما، عليها الاستحصال على إذن من الرجل (والدها أو زوجها) وصياغته خطياً مع توقيعه». المخرج كان سعيدا للغاية بنجاح الفيلم وصداه: «أفكاري مع النساء الإيرانيات اللواتي يكافحن حاليا من أجل حقوقهن وحريتهن. آمل أن يساعد فيلمي القصير في زيادة الوعي في جميع أنحاء العالم بقضيتهن .
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم