باسل علي الخطيب
ويسألني البعض لماذا انتقد هذا المسلسل أو ذاك؟….
خذوا علماً، أنا لست ناقداً فنياً، ولست أطولها، كلامي أبعد من كل تلك التصنيفات النمطية، كلامي له معيار واحد فقط هو المنظومة الأخلاقية القيمية….
أكنتم تظنون أن تلك الصرعات (والتقليعات) التي تهطل علينا عبر مجارير العولمة صدفة؟….
اتظنونها مجرد (موضة) وحسب؟….
هذا كي للوعي بطريقة بطيئة وحثيثة، كأنها دبيب النمل، تسري في جسد المجتمع دون أن ننتبه إليها، لتنتهي إلى ثقافة غريبة عنا، ولكنها ستكون يوماً ما واقعاً سيفرض نفسه وبقوة، وهذا سيكون نتاجه منظومة ثقافية وأخلاقية جديدة، ستؤدي إلى حالة انفصام خطيرة ومدمرة….
انا لم أستهن يوماً بالقوة الناعمة لبعض الدراما، تلك الدراما ليست متعة وتشويق فحسب، هذا هو غلافها أو ظاهرها الجميل، هناك تدمير ممنهج لمنظومة قيمية بالكامل، لأنك لاتستطيع أن ترسخ منظومة قيمية جديدة إلا على أنقاض تلك القديمة….
يقول لك البعض ذاك ليس إلا مسلسلاً وينتهي….
أي عقم في الرؤية هذا؟….
من ينكر الأثر السلبي لمسلسلي باب الحارة والهيبة – على سبيل المثال لا الحصر – على اجيال بأكملها؟….
من ينكر الصورة النمطية المؤذية التي قدمها مسلسل باب الحارة عن دمشق وأهل دمشق والمرأة السورية تحديداً؟….
تلك الصورة التي صارت تاريخاً موثقاً….
وهل هناك ماهو اقوى من الصورة وسيلة للتوثيق؟….
بالله عليكم، واتحداكم أن تنكروا، ألم تصبح شخصية (جبل) من مسلسل (الهيبة) قدوة وامثولة لأجيال من الشباب والمراهقين، شكلاً وتصرفات؟….
ومن هو جبل هذا؟….
ليس إلا قاطع طريق ومجرم ومهرب وزعيم عصابة من المجرمين، بلطجي قليل الادب والثقافة والعلم، بذيء الكلام والتصرفات…..
ألم يقدمه المسلسل ذاك البطل الشهم (القبضاي)؟؟..
عدا ذلك وفي سياق التسويق لتلك الشخصية (القدوة) ومن باب الميزات والمكتسبات، بين كيف أن كل أولئك الجميلات تتهافتن عليه….
ماهي الرسالة هنا؟…
أنه من الجيد أن تكون بلطجياً خارجاً عن القانون (شبيحاً)، فهذا سيفتح لك كل ابواب الدنيا….
وطبعاً يجب انتقاء ممثل وسيم وموهوب لهكذا دور لتمرير الشخصية حتى تصير انموذجاً…..
نعم، هلل الجميع لنجاح مسلسل (الزند)، وقد اجتاح ذاك المسلسل الشاشات في كل مكان، و قبل ذلك العقول والقلوب….
يخطر على بالي هذا السؤال….
ترى كم عمل على تلك العقول والقلوب حتى صارت تتقبل وبكل فخر ثقافة التفاهة؟؟!!…
عودوا الى بدايات العبث، كانت البداية مع برامج من قبيل (ستار اكاديمي) وبرنامج (الاتجاه المعاكس)….
نعم، قد يكون هذا المسلسل أو ذاك حققوا نجاحاً شعبوياً وتحارياً، نجح المسلسل، ولكن خسرنا نحن، خسرت المنظومة الاخلاقية، خسر التاريخ، خسرت الحقيقة، خسرت أجيال من السوريين أنه تم تصوير ذلك على أنه تاريخها، وماهو بتاريخها، إنما تم اللعب على وتر عاطفتها، أنه تم اظهار بعض المظلومية لتمرير كل ذاك العبث وكل تلك التفاهات…
أتحدث هنا عن مسلسل (الزند) ومسلسل (باب الحارة) وغيرهم وغيرهم، المصاب الأكبر أن يدافع من تم اغتصاب تاريخهم وسحق منظومتهم الأخلاقية عن هذا المسلسل أو غيره….
بالله عليكم من أي ثقب ترون الأمور؟….
بدافعون أن (البطل) إياه انه يستعمل ألفاظاً معيبة، أو يفعل أموراً معيبة، لأن ذلك هو واقعنا وتاريخنا…
اسألكم بالله هل تشتمون رائحة كلماتكم وانتم تنطقون أو تكتبون هكذا دفاع؟؟!!!…
أيعقل أن نقر الفاحشة واقعاً ونسلم للأمر، ولابأس من تمريرها عبر الدراما وغيرها؟؟!!….
منبهرون أنتم بمسلسل (اولاد بديعة)، أليس كذلك؟!!.
حسناً، عدا القتل والإجرام والدعارة والعهر والفسق والاسفاف والدونية والوضاعة والكذب والخيانة والتشبيح…
عدا هذا، مالذي يعرضه المسلسل؟…
وكأني بهذا المسلسل يجعل كل المجتمع السوري، كل المجتمع السوري (ولاد بديعة)….
يتم تقديم ذلك في قالب درامي مشوق ومثير وفكاهي احياناً وذلك في سباق التسويق إياه لهذه المنظومة القيمية…
الم احدثكم سابقاً عن السم في العسل؟…
الطامة الكبرى ان صناع الدراما لدينا في سورية بارعون جداً، الممثلون السوريون هم الوحيدون الذين عندما يمثلون لايمثلون، يتقمصون الدور إلى درجة التطابق، والمخرجون عباقرة، والحصيلة دائماً اعمال من الناحية الفنية غاية في الاتقان….
ولكن من تراه يناقش القيمة الفنية هنا؟….
مرة اخرى، ذاك السم في العسل….
فاحت (ريحة) البارود؟….
ذاك الذي فاح ليس تلك الرائحة قولاً واحداً…..
قد يكون (البنطلون السالت) أو ذو الخصر الواطي جداً، أو (البنطلون المشقق) من أبشع أنواع الموضة الدارجة والتي اكرهها….
هذه الدراما تشبه ذاك البنطلون السالت أو المشقق….
ليست القضية أن ذاك البنطلون سالت، إنما القضية إن ذاك البنطلون قد سلت و سلت معه كل شيء…
ما عادت المؤخرة خطاً أحمر…
ماذا يتبقى بعد أن تبان المؤخرة؟!…..
على فكرة ذاك الخط الاحمر قد سقط، كما سقط معه الكثير من الخطوط الحمراء الأخرى، بدءً من غرناطة، وصولاً إلى لقمة الخبز……
(سيرياهوم نيوز3-صفحة الكاتب)