باسل علي الخطيب
قد لا تعرف الأغلبية أنه قد حدث انقلاب صامت وأبيض في روسيا عام 1999، النخبة القومية ذات العقيدة السوفييتية في الجيش و المخابرات الروسية، وفي الدولة العميقة، حيث استشعرت أن روسيا خلال فترة التسعينات قد فقدت مكانتها العالمية، و أنها تفقد محيطها الجيوسياسي، و أن وحدتها وحغرافيتها نفسها صارت في خطر، هذه النخبة أجبرت الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين و فريقه الحاكم على تعيين ضابط المخابرات فلاديمير بوتين رئيساً للوزراء، و من ثم صار رئيساً عام 2000، لتبدأ معه روسيا عودتها إلى مكانها و دورها….
مع بدايات عاصفة ما سمي ( الربيع العربي) استشعرت السعودية الخطر، أنا أكاد أجزم أن السعودية لم تكن مع موجة ( الثورات) التي ضربت البلاد العربية، لا سيما أن من تصدر المشهد فيها و من استلم الحكم في الدول التي ضربها الزلزال كانوا ألد أعداء السعودية، الإخوان المسلمون، عدا عن ذلك لم تكن السعودية راضية أن من يقود دفة ذاك الربيع هي مشيخة قطر بماكينتها المالية و الإعلامية، مع ما هنالك من عداء بين نظامي الحكم في البلدين، لكن لم يكن بإمكان السعودية إلا أن تنصاع لإرادة الإدارة الأمريكية، فقد كان على المحك آنذاك عروش و حدود و كيانات….
و إن كان أفرقاء الربيع الأعرابي قد اختلفوا هنا أو هناك فقد اتفقوا كلهم على سوريا، كانت السنتين الأولين من تلك الحرب هي الأصعب على سوريا، لأنها كانت لوحدها، و قد استطاعت الصمود، في ذات الوقت كان الإخوان المسلمون يرتكبون أكبر أخطائهم، أنهم وقد استعجلوا السيطرة على مصر، استلموا كل مقاليد الحكم في مصر، بدءًا من المجلس النيابي إلى الحكومة إلى موقع الرئاسة، و صاروا يديرون البلد وفق منظور الجماعة و ليس وفق منطق الدولة، لم يستطع الإخوان الخروج من منطق الجماعة، سياساتهم في إدارة البلاد أدت إلى نفور عام على مستوى الشعب كله، هذا شجع الجيش على القيام بالانقلاب عليهم عام 2013، مسنوداً بدعم شعبي واسع….
دعمت ومولت السعودية انقلاب الجيش، فهي لم تكن لتقبل وجود قاعدة اخوانية كبيرة متقدمة على حدودها، عدا عن أن هذه القاعدة هي الحليف التوأم لتركيا، فالسعوديون لم ينسوا ولن ينسوا أن الدولة السعودية الأولى قد أسقطها محمد علي باشا والي مصر بأوامر من السلطنة العثمانية، عندما أرسل حملة إلى الجزيرة عام 1811 بقيادة ابنيه طوسون باشا ومن ثم ابراهيم باشا، انتهت بتدمير الدرعية عاصمة الدولة السعودية عام 1818، واقتياد أميرها محمد بن سعود إلى الأستانة حيث تم إعدامه …
وفي سبيل إرضاء الولايات المتحدة وجعلها تغض النظر عن هذا الانقلاب، انخرطت السعودية في الحرب ضد سوريا أكثر، واستلمت من قطر قيادة دفة هذه الحرب، أضف إلى أنها انخرطت في حرب ضد اليمن ليس لاي هدف استراتيجي، سوى أن الحرب كانت وسيلة لإرضاء كارتل الصناعات العسكرية في الولايات المتحدة ….
مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في امريكا، كانت السعودية امام واقع جديد، لأول مرة تكتشف السعودية أن اتفاق عبد العزيز – روزفلت عام 1944، ليس أزلياً أو استراتيجياً، كان العام الأول من حكم ترامب هو لحظة الحقيقة الفجة أمام السعودية…
مع نهاية عام 2016 كان وضع السعودية كالتالي، هي تخسر الحرب في سوريا، لم تستطع حسم الحرب أمام حفاة اليمن، هي تورطت في حلف العداء لإيران، وهي تخسر في كل جبهات حربها مع إيران، العراق يضيع من أيديها، وترامب لاينفك يبتز ويهدد، الوضع الداخلي غير مستقر، الوهابية تم استهلاكها ولم تعد قادرة أن تشكل رافعة للحكم، الصراع داخل الأسرة الحاكمة يشتد على ولاية العهد، مع عدم وجود آلية للتوريث مع وفاة كل ابناء الملك عبد العزيز ….
هنا كان القرار الجريء، اتخذت الدولة العميقة في السعودية القرار بالقيام بالانقلاب، ماحصل في روسيا عام 1999، حصل في السعودية عام 2017 ، لم تكن الغاية السلطة، إنما كانت الغاية إنقاذ الدولة والنظام، وكانت البداية من ولاية العهد، كانت ألية التوريث تقوم على انتقال السلطة بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز حسب ( الأقدمية الرشيدة)، لكن هذه الآلية لم تعد تنفع، لاسيما أن الملك سلمان قد استلم الحكم وعمره يتجاوز 80 عاماً، تم عزل محمد بن نايف من ولاية العهد، وتعيين محمد بن سلمان نجل الملك ولياً للعهد….
كان ذلك انقلاباً ثورياً بكل مافي الكلمة من معنى، فللمرة الأولى ينتقل الحكم إلى الاحفاد، وللمرة الأولى يتم تركيز كل السلطات في يد شخص واحد، ذاك الانقلاب لم يكن صامتاً ولم يكن أبيضاً، كان دونه عقبات كثيرة، كان على محمد بن سلمان أن يثبت شرعيته و أحقيته، وكانت المهمة الأولى تحويل السعودية من كيان وهابي إلى دولة……
يتبع…..
(سيرياهوم نيوز ١-خاص)