| د. بسام أبو عبد الله
الخميس, 20-01-2022
يقول ألبيرتو مورا الذي عمل في المجلس العام للبحرية الأميركية تحت إدارة بوش: إن استخدام التعذيب «لم يقتصر على الماضي، فصداه مستمر»، وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قال إنه في حال فوزه سيعيد استخدام الإيحاء بالغرق في التعذيب، وهو إحدى أقسى طرق التعذيب التي يمنعها القانون الفيدرالي الأميركي، ومع ذلك كله جرت المصادقة على تولي جينا هاسبل مديرة لوكالة المخابرات المركزية الأميركية بالرغم من أنها كانت تشرف على أحد سجون «المواقع السوداء» أي، سجون التعذيب الأميركية، وآنذاك دافع الرئيس الأميركي الساق دونالد ترامب عنها بالقول: «إنها امرأة يرغب الديمقراطيون في طردها لأنها شديدة القسوة على الإرهاب».
مناسبة هذه المقدمة ما كتبه مسؤول الـ«سي آي إيه» السابق بمرتبة سفير في دمشق روبيرت فورد أمس حول المحاكمة التي جرت في ألمانيا لضابط متقاعد، واتهامه بتعذيب السجناء، والضجة الإعلامية التي ثارت بعدها في وسائل الإعلام الغربية حول البحث عن العدالة في سورية، وإحقاق حقوق المظلومين! لنطرح السؤال بطريقة أخرى: هل الغرب فعلاً يبحث عن العدالة؟ وإذا كانت هذه المحاكم تبحث عن العدالة وحقوق الشعوب المظلومة، لماذا لا نرى محاكمة لضابط إسرائيلي واحد بالرغم من أن الإسرائيليين يقتلون الفلسطينيين بدم بارد، وعلى مرأى من العالم أجمع، ولكننا لا نرى حراكاً ولا كلمة، ولا محاكمة لهؤلاء؟ هذا جانب، أما الجانب الآخر فدعونا نوصف طبيعة الحرب على سورية، هل هي معركة حرية وكرامة وحقوق إنسان كما تدعي جماعات الإخوان المسلمين المجرمة!؟ أم إنها حرب عدوانية فاشية جرى حشد عشرات آلاف المرتزقة فيها من 82 جنسية حسب إحصاءات «البنتاغون» الأميركية التي اعترفت بأن سورية تحولت إلى أكبر مجمع للإرهابيين في العالم!؟ والسؤال هنا: من سيحاكم القتلة الذين خططوا لتجميع هؤلاء الإرهابيين ونقلهم وتمويلهم ودفعهم إلى الأراضي السورية لتنفيذ كل أنواع الجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك دفع أكثر من 137 مليار دولار لتخريب حياة الشعب السوري كما صرح رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم!؟ ومن سيحاسب المجرم برنار هنري ليفي الذي أوفده الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي للتآمر مع القطريين على قلب نظام الحكم في سورية، والمجيء بحثالات الإخوان إلى السلطة حسب وثائق فرنسية نقلت محاضر الاجتماع السري بين الطرفين؟ هل حركت النيابة العامة الفرنسية ساكناً تجاه هذه الوثيقة!؟ بالطبع لا، ولن تحرك ساكناً!
من سيحاكم أولئك الذين أداروا غرف عمليات في تركيا «الموم» والأردن «الموك» والتي كانت تمول وتنقل السلاح، وتدير عمليات التدمير الممنهج داخل سورية لمؤسساتها التعليمية والجامعية والخدمية والاقتصادية والدينية والثقافية، ما أجبر ملايين السوريين على الهجرة، أو الانتقال الداخلي هرباً من جحيم وإرهاب هذه الجماعات المنظمة التي نسفت أسواق وأرزاق الناس، وخطفت واغتالت واغتصبت على مرأى العدالة الغربية، ولم نسمع إلا كلمات وتصريحات «قمع النظام واضطهاد النظام، والسجون، والمعتقلات»، من دون أي وازع من ضمير أو تعاطف لأسباب إنسانية!؟
من سيحاسب جوقة رجال الدين والإفتاء في قطر والسعودية وغيرهما ممن أطلقوا تصريحات تدعو إلى قتل السوريين لمجرد بقائهم ودفاعهم عن بلدهم، ومن سيحاسب هؤلاء القتلة ذوي اللحى الذين اختفوا الآن بعد أن أدوا مهمتهم، واستلذوا بمنظر الدماء والأشلاء في شوارع المدن السورية!؟
من سيحاسب نظام آل ثاني الذي يريد أن يعيد اختراع الدولاب من جديد بعد اثني عشر عاماً من التحريض على القتل حيث سيجمع مومياوات المرتزقة السوريين «الديمقراطيين» تحت جناح تجربة قطر «الديمقراطية» التي أنتجت بعد جهد جهيد انتخابات لـ32 ذكراً فقط لا غير، لمجلس نواب لم تعرفه المشيخة منذ أن أنشأها الإنكليز كمحمية لهم!؟ والغريب أن الدوحة لا تزال مستمرة بقتال طواحين الهواء عبر قناتها «الجزيرة» وتصريحات مسؤوليها المملوءة بقلة الأدب والفهم، والتي لم تدرك بعد أن الإخوان المسلمين لا مكان لهم في مستقبل سورية حتى لو أنفقت كل خزائنها، فالمجرمين مكانهم السجون.
في حرب إجرامية فريدة من نوعها في التاريخ على شعب ودولة كسورية يبدو البحث عن العدالة مسألة تحتاج للكثير من التدقيق في الأسباب التي تقف خلف هذه الهبة الإنسانية، فالغرب المنافق بمن فيهم الألمان والفرنسيون والبريطانيون، ورأسهم الولايات المتحدة، لا يمكنه بعد هذه الحرب الإجرامية الطاحنة التي مولت بمئات مليارات الدولارات على سورية وشعبها، أن يأتي الآن ليقلب الرواية، ويقول لنا نحن المجرمون! فالمجرم الحقيقي هو ذاك الذي حوّل إدلب إلى خزان للإرهاب في العالم، والمجرم الحقيقي هو ذاك الذي سخّر وسائل إعلامه للتضليل والكذب، والمجرم الحقيقي هو ذاك الذي سخّر الدين ورجاله لقتل الأبرياء ولحسابات مذهبية وطائفية، والمجرم الحقيقي هو الذي سخّر حدوده وجيشه واستخباراته في محاولات لتدمير بلدنا وتشريدنا، هؤلاء جميعاً هم المجرمون الحقيقيون، أي عندما نرى حمد بن جاسم، وبرنار ليفي، وبندر بن سلطان، وديفيد بترايوس، وهاكان فيدان، وغيرهم الكثير خلف القضبان يحاكمون ساعتئذٍ قد نقتنع بأن هناك عدالة لديكم، أما محاولة استدرار العواطف من خلال محاكمة شخص هنا وآخر هناك، فهذه محاولات لن تخفي عنا أسماء كبار المجرمين، الذين يجب أن يتوقفوا عن البكاء على أطلال جرائمهم الحقيقية.
وكي لا يفهم أحد أنني مع تعذيب الناس، أو قتلهم خارج إطار القانون معاذ الله، لكن هذه المسألة بحاجة لتدقيق كبير قانوني وسياسي، ومحاسبة المجرمين الحقيقيين، الذين قادوا وخططوا لهذه الحرب، وما على فورد وأمثاله إلا أن يتوقفوا عن التنظير علينا باسم العدالة، لأن العدالة ليست استنسابية، بل إن أولى خطوات العدالة محاسبة كل من تورط في حرب القرن الفاشية على بلدنا التي نجحنا بمعجزة كبرى في تفادي تدمير وجودنا فيها بالكامل بعد دفع ثمن باهظ من حياة آلاف جنودنا وضباطنا وشبابنا الذين قيمة حياة كل واحد منهم تساوي كل محاكمكم وعدالتكم الاستعراضية.
لقد دافعنا عن وجودنا أيها السادة، وفي حرب الوجود والبقاء لن نخجل من أي كان في هذا العالم، هذا دفاع عن بلدنا ونفتخر بكل من ضحّى وصبر وصمد وما زال، فالحرب لم تنتهِ بعد، أما ملفات هذه الحرب فإن فتحها لن يجلب لأولئك المعتدين سوى المزيد من الفضائح والخيبة والفشل.
ابحثوا عن القتلة فأسماؤهم معروفة في واشنطن وباريس ولندن وبرلين والدوحة وأنقرة وتل أبيب، وأستطيع أن أعدد المزيد، لكن كفاكم نفاقاً ودجلاً باسم العدالة، وباسم مآسي الناس التي صنعتموها بأيديكم وأموال عملائكم وأدواتكم.
(سيرياهوم نيوز-الوطن)