| محمد جرادات
تشاركت النخب السياسية والإعلامية في الكيان الإسرائيلي مع الفضاء الأميركي في صياغة قصة خيالية وردية، ربما لتقديمها للعالم كبديل من واقع الحصار الغربي الظالم لسوريا عبر قانون قيصر الأميركي أو لتتناقلها الأدوات الإعلامية الرخيصة.
يتفاخر الإعلام الإسرائيلي، ومن خلفه ساسة الكيان، بالمبادرات الإنسانية التي أطلقتها طائرات “أف 16″، وهي تطير عبر الفضاء التركي لمساعدة الناجين من آثار الزلزال، وتمادى نتنياهو في مشاعره الإنسانية وهو يكشف عن نيّته مساعدة سوريا، وزعم أنها طلبت ذلك عبر وسيط دوليّ، واستمرّ ببث أكاذيبه رغم النفي الروسي والتأكيد السوريّ أن “إسرائيل” ليست دولة أساساً حتى تطلب منها سوريا المساعدة.
استرسل نتنياهو في تفصيل مستوى المساعدة التي سيقدّمها لسوريا وطبيعتها، وهو ما تناولته قناة الحرة الأميركية، وقد أطلقت عليها اسم “القصة الكاملة.. هل تقدّم إسرائيل مساعدات لسوريا”؟ وقد دخل مسؤولون إسرائيليون عديدون على القصة، واشترطوا أن المساعدة لن تتجاوز نقل البطانيات والأدوية، لكن من دون تقديم العلاج الطبي للجرحى، إلا إذا تم داخل تركيا عبر معبر باب الهوى السوري، أو من خلال فتح المعبر الحدودي في الجولان السوري المحتل، ليدخل السوريون إلى المشافي الإسرائيلية، بما يجسر الفجوة القائمة منذ عقود بين سوريا والكيان الإسرائيلي، وهما في حالة حرب رسمية.
وهكذا، تشاركت النُخَب السياسية والإعلامية في الكيان الإسرائيلي مع الفضاء الأميركي في صياغة قصة خيالية وردية، ربما لتقديمها للعالم كبديل من واقع الحصار الغربي الظالم لسوريا، عبر قانون قيصر الأميركي، أو لتتناقلها الأدوات الإعلامية الرخيصة في العالم، في غمرة اندفاعها خلف الألم التركي حصرياً، رغم أن الألم السوري الناتج عن الزلزال طال أيضاً المناطق التي تخضع لسيطرة المسلحين، حيث النفوذ التركي، من دون أن تأبه بعذابات أهلها تلك القوى التي دفعتها إلى الحرب الداخلية وأمدتها بالسلاح والمال، حتى إذا وقع الزلزال أدارت لها الظهر.
وسبق للكيان الإسرائيلي أن دخل على الخط السوري، مستغلاً جغرافية الجيرة الإجبارية، ولكنه كان دخولاً فعلياً، في صب الزيت على نار الحرب في سوريا بأيدي “الدواعش” القادمين من شتى أصقاع الأرض، مع المغرّر بهم من أبنائها. وقد أقام الإسرائيلي مشافي خاصة لمعالجة الجرحى من المسلحين، بعد أن ضاق بهم مشفى رمبام في حيفا، حيث افتضح أمرهم، وأعاد تأهيلهم للقتال مجدداً، كما أقام جسراً لنقل المتسترين بالخوذ البيضاء بعد أن تكشّفت طبيعة مهنتهم الاستخبارية بعيداً عن الطبية أو الإغاثية.
لـ”إسرائيل” تجارب عديدة مع سوريا، ولكن لم يخرج أيّ منها عن حلم اختراقها لتصبح كغيرها من دول التطبيع؛ مشاعاً لعربدة منظومته الأمنية وسفوراً لفحش رحلاته السياحية وتزويراً لروايته الثقافية مع تبعاتها السياسية، وله في الأردن ومصر وتركيا مساحة في ذلك كله، وهو ما يعكس تفاخره الإغاثي اليوم مع عذابات تركيا، ولكن ما وجه التسامح الإسرائيلي المزعوم مع التركي؟ هل هو الدم الذي غطى شاطئ غزة يوم سبح إليها بعض الأتراك الشجعان من المدنيين العزّل في سفينة مرمرة، فانقض عليهم الإسرائيلي بكل ما أوتي من وحشية حتى قتل منهم عشرة وأصاب العشرات؟!
تسامح الإسرائيلي المزعوم مع سوريا، استباقاً لتوفّر أدنى ظرف لدخول طيرانها الإغاثي، وقد اعتاد أن يدخلها بالقصف والموت، هو تسامح كاذب، يردّده الإعلام العبري من دون ذرة حياء، ربما يراهن على ببغاوات هنا وهناك تكرّره من دون نظر، أو لربما مع تقصّد تزوير الواقع في زمن يصنع فيه الإعلام الحدث ويناقش نتائجه مع العدم.
كتب الصحافي الإسرائيلي يوني بن مناحيم في تعزيز البروبغندا الدعائية، قائلاً: “إسرائيل دولة صغيرة في الشرق الأوسط، لكنها تمد يدها لمساعدة تركيا وسوريا خلال الكارثة الإنسانية الرهيبة، الشعب اليهودي شعب رحيم ومتسامح ويحافظ على قيم الأخلاق والإنسانية، لقد كان دائماً رمزاً وسيظل كذلك”.
رمزية التسامح العبرية المزعومة مع سوريا كشف عنها بن مناحيم ذاته، ولكن في تغريدة لاحقة، بما يعكس حقيقة هذه الرمزية، بإشارته للقطار الجوّي الإيراني الذي يقوم بنقل المعدات الإغاثية، وقد اعتبره هذا العبري مصدر قلق كبيراً، كاشفاً أن الاستخبارات الإسرائيلية تتابع ما أسماه مكافحة غسل الأموال والأسلحة المهرّبة عبر هذا الغطاء.
إذاً ينصبّ الاهتمام الإسرائيلي في الحقيقة على مكافحة القطار الجوّي الإيراني الإغاثي، بزعم كونه مجرّد غطاء تسليحي، بما يفضح الذهنية الإسرائيلية ومسار اهتمامها، وهو مسار يظهر عند كل مفرق طرق، بحسب الضابط الأساس في تكوين النفسية الإسرائيلية، باعتبار خضوعها المنهجي في تقمّص دور الضحية المستهدفة حتى في غمرة الزلزال، وباعتبار أولوية العداء مع إيران وسوريا حتى وسوريا تتجرّع مرارة الزلزال، بعد عقد من الحرب العبثية التي حلم خلالها الإسرائيلي أن يسقط قيادتها.
لم يكد طيران الإغاثة الإسرائيلي يحلّق في سماء مرعش التركية، حتى كانت “تل أبيب” تستعيد ذاكرة زلزال 1999، وكيف كان لها الدور الأكبر في إغاثة تركيا، في مبالغة واسعة وشيء من “تحميل الجْميل” بأثر رجعي، حتى من دون تبيّن مدى واقعية هكذا إغاثة، بما يتطلب الفحص في ظل ما تم ترويجه عن مساعدة سوريا، وكأنها قد وقعت بالفعل، خاصة أن نتنياهو قال بالحرف: “وافقتُ على المساعدة وأعتقد أن هذه الإجراءات ستحدث قريباً”، مؤكداً أن المقصود سوريا، وليس ما أسمته قناة الحرّة بالمعارضة في إدلب.
وهنا في فلسطين، حيث الاختبار الحقيقي للتسامح والنجدة الإسرائيلية، تتجلى الوحشية أيّما تجلٍّ، حتى في أوقات الكوارث الطبيعية، وهو ما كان مساء الأربعاء عندما وقعت هزة شعر بها أهل فلسطين، بمن فيهم المحتلون، وتبيّن أن مركزها في نابلس، وتاريخياً ضرب زلزالٌ نابلس قبل مئة سنة وآخر قبل مئتي سنة، فكان الطبيعي من المحتل أمام هذه الهزة التي كان مركزها نابلس، وقد ساد جوّ من الذعر المشروع، أن يتفرّغ ولو مؤقتاً لمواجهة جوّ الزلازل أو الهزّات الارتدادية التي تعصف بالمنطقة برمّتها، ولكنه بدلاً من ذلك هاجم المنطقة الشرقية من نابلس بعد ساعة من الهزّة ليجرح ويعتقل.
وهكذا وجد أهل نابلس أنفسهم في عتمة الأربعاء بين ذعر الهزة واحتمال تجدّدها ومنخفض جويّ شديد البرودة، مع مواجهة هجوم إسرائيلي وحشي، لم يكد يمر على سابقه يوم واحد استشهد فيه الصبيّ حمزة الأشقر برصاصهم الغادر، بما يكشف حقيقة المسار الإسرائيلي المرتبط حصراً باعتباره “شعب الله المختار”، وأن العالم كله أغيار خلقهم يهوه الخاصّ بهم لخدمة عنصرية هذا الشعب، وقد فضحهم القرآن بقوله عنهم: “أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً”.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين