| نوار هيفا
يتوقع الكثير من الاقتصاديين تأثير استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى في تباطؤ النمو العالمي العام المقبل بعد أن تجاوز الأداء الاقتصادي التوقعات حتى الآن في عام 2023، مبينين أن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات الكبرى سيؤدي إلى تباطؤ النمو في عام 2024 إلى 2.1 بالمئة بعد 2.4 بالمئة في عام 2023، وذلك بفضل الطلب الاستهلاكي القوي وأسواق العمل، محذرين من الاعتقاد أن استمرار ارتفاع الطلب من شأنه أن يبقي التضخم مرتفعاً لفترة أطول، مما يجبر البنوك المركزية الكبرى على إبقاء كلف الاقتراض مرتفعة حتى العام المقبل، رافعين توقعاتهم لأداء هذا العام بمقدار نقطة مئوية واحدة منذ بداية العام بسبب الطلب الاستهلاكي القوي بشكل غير متوقع وأسواق العمل.
الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد جامعة حلب الدكتور حسن حزوري بين أن سعر الفائدة هو إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها المصارف المركزية في ضبط الأداء الاقتصادي في البلاد، من خلال التدخل عند الحاجة، ففي حالة ازدياد النشاط الاقتصادي وحدوث التضخم، يقوم المصرف المركزي برفع سعر الفائدة لامتصاص السيولة النقدية من الأسواق، ومن ثم كبح سرعة النشاط الاقتصادي حتى تتباطأ، أي محاربة التضخم.
وأوضح د. حزوري في تصريح خاص لـ«الوطن» أن هذه السياسة تُعرف بالسياسة الانكماشية، وهي عكس السياسة التوسعية الذي لجأت إليها المصارف المركزية خلال فترة تفشي وباء كورونا والركود الكبير، أي تخفيض سعر الفائدة للتشجيع على الاقتراض وزيادة السيولة المالية في الأسواق، لترتفع وتيرة الإنتاج ومعها القدرة الشرائية للأفراد، فتتسارع وتيرة النشاط الاقتصادي.
وأضاف د. حزوري: إنه وبلغة بسيطة يمكن القول إن سعر الفائدة هو تكلفة القرض الذي تحصل عليه الشركات والأفراد من البنوك، ولذلك عندما يرتفع سعر الفائدة يعني ذلك رفع تكلفة التمويل وتكلفة الاقتراض وعند خفض معدلات الفائدة يعني ذلك خفض تكلفة التمويل والاقتراض، ولذلك رفع سعر الفائدة له آثار سلبية على الاستثمار بشكل عام وعلى النمو الاقتصادي بشكل خاص، كما أن رفع سعر الفائدة يتسبب في «قلة السيولة المالية بالأسواق»، ما يؤثر سلباً في الحركة التجارية والصناعية والاقتصادية وقد يؤدي إلى الركود الاقتصادي.
ولفت د. حزوري إلى أن الاعتمادات البنكية ستكون مرتفعة الفائدة مما سيؤثر في الصادرات والواردات للقطاعات الاقتصادية وستزيد من التكاليف، كما سيترتب على ذلك القرار رفع سعر الفائدة على الاقتراض ما يعني ركود الأنشطة الصناعية والاقتصادية والتجارية، مشيراً إلى أن رفع سعر الفائدة سيترتب عليه نقص عمليات الإقراض، ما يعني خسائر للبنوك التي تعتمد على العوائد المالية للقروض، كما أن التأثير السلبي لرفع سعر الفائدة يتمثل بارتفاع تكلفة الأموال والتمويل ما يعني بالمقابل خفض الجاذبية نحو الاستثمار وارتفاع المخاطرة.
وأشار د. حزوري إلى أنه من جهة أخرى فإن رفع سعر الفائدة سيزيد من الجاذبية نحو الأوعية الادخارية الأخرى مثل «الذهب» وغيره من الملاذات الآمنة، من المعادن الثمينة، لذلك يمكن القول إن العالم يعيش بالفعل أجواء ركود اقتصادي عالمي متزايد ولكنه لن يصل لدرجة الكساد، ما لم تحدث تطورات سلبية عالمية على صعيد المواقع الساخنة في العالم وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية.
وبين د. حزوري: إن الهدف من رفع سعر الفائدة إذاً هو تخفيف السيولة النقدية داخل السوق لإبطاء الاستهلاك، وهي أولى الطرق لخفض التضخم في أي اقتصاد. كما يؤدي رفع الفائدة إلى عكس اتجاه حركة السيولة النقدية، فتتجه إلى البنوك على شكل ودائع، يحصل أصحابها مقابلها على فوائد مرتفعة من البنوك كأداة استثمار، وهنا ينجح البنك المركزي في سحب السيولة من الأسواق.
وبالنسبة للاقتصاد السوري، أكد د. حزوري أنه بالتأكيد سيتأثر بأي موجة تضخم عالمية، لأن معظم الميزان التجاري خاسر، ونستورد معظم المواد الأولية والمواد نصف المصنعة والمصنعة ومستلزمات التصنيع وحوامل الطاقة من الخارج، ولذلك ستتم ترجمة ذلك بارتفاع التكاليف وبالتالي ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم المستورد.
وعن دور معدل الفائدة في خفض التضخم في سورية، اعتبر د. حزوري أننا لا نستطيع تحديد معدل فائدة أعلى أو أدنى يمكن أن يؤدي إلى ضبط التضخم، لذلك أعتقد أن الاعتماد على معدل الفائدة لخفض التضخم في سورية سيكون تأثيره محدوداً، لأن مشكلة التضخم ليست في سعر الفائدة أو في تكلفة التمويل فقط بل بعوامل أخرى فرضتها ظروف الحرب، علماً أن رفع معدل الفائدة وزيادة تكلفة التمويل سيؤديان إلى خلق بيئة طاردة للاستثمار، وبشكل عام يمكن القول إن مشكلة التضخم وتدهور سعر الصرف وغلاء الأسعار سببه تخبط السياسة النقدية وعدم وجود رؤية واضحة أو إستراتيجية لها، ورغم شعارها الحفاظ على استقرار الأسعار والحفاظ على مستوى معيشة المواطن، لكن على أرض الواقع يحصل العكس تماماً.
وبين د. حزوري أن التضخم الذي نعيشه وعدم جدوى سعر الفائدة كأداة من أدوات السياسة النقدية، هو نتيجة انعدام المنافسة الحقيقية في العديد من القطاعات ما يجعل فئة قليلة تتحكم بالاستيراد وبالتصدير وبالتالي بأسعار السلع والخدمات، وبالتالي سيؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي نتيجة تدني القوة الشرائية وعدم توافر أسواق لتصريف المنتجات السورية التي فقدت ميزاتها التنافسية نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج وحوامل الطاقة، ولهذا السبب لم يبق لنا من ميزة تنافسية تصديرية غير المنتجات الزراعية وبعض المنتجات في مجال الصناعات الغذائية والنسيجية.
وطالب د. حزوري بإعادة النظر في كل من السياسة المالية والنقدية لتحفز قطاعي الزراعة والصناعة لأنهما القطاعان الأساسيان اللذان يمكن اعتبارهما قاطرة النمو للاقتصاد السوري مستقبلا، فلا يمكن البناء على التجارة والسياحة والقطاع العقاري، كما أن أهم مشكلة تواجه الاقتصاد السوري هي موضوع الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، وهذا لن يتوفر إلا من خلال دعم الزراعة والصناعة، وبذلك نكون قد ساعدنا الاقتصاد السوري على الخروج من حالة الركود التضخمي القائم حالياً.
سيرياهوم نيوز3 – الوطن