نارام سرجون
ماأحلى الحنين للأيام الخوالي .. وكأن احدنا يكبر بحثا عن المستقبل ويطارده فاذا به يكتشف ان مابقي له من أمنيات يجمعها كلها في أمنية واحدة وهي ان يعود الى الزمن الذي مضى .. ويضج فيه الحنين والذكريات .. والذكريات هي آلة الزمن الوحيدة التي نقدر على ركوبها والسفر فيها الى اي مكان من الماضي .. نقف فيه ونراقب الاحداث .. ولانقدر ان نغيرها .. ثم نطير مغادرين …
في نظرية اينشتاين يمكنك ان تبدأ حياتك من المستقبل وتنهيها في الطفولة اذا عشت في مكان سرعة الضوء فيه أقل من سرعتك .. حيث يبدأ المستقبل ويمضي نحو الطفولة .. وتتزوج قبل ان تخطب !!
في السياسة هناك شيء غريب يحدث هذه الأيام وكأننا نعود من المستقبل نحو الماضي .. ونعود الى حيث بدأنا .. فقبل سنوات طويلة خرج العرب من دمشق .. وأخرجوا دمشق من ثوب العرب .. وخرجنا من الجامعة العربية .. وخرجت الجامعة العربية منا .. خرجت حماس من دمشق .. وأخرجتنا من غزة .. وأخرج الاسلام من دمشق عنوة وطاف في كل العواصم .. ودخلت تركيا الى سورية وكأنها عادت من مرج دابق .. ودخلت السعودية وكأنها الدولة الوهابية التي وصلت الى درعا يوما .. ومنذ سنوات دخل مئات آلاف الاشخاص الغرباء كأنهم غزو يأجوج ومأجوج .. وكان الغرب يستعد لتقاسم سايكس بيكو الثانية .. ويومها كان نتنياهو يقف على ذرى الجولان يراقب سقوط كنعان بعد سقوط بابل .. وكان كلما هبط عن الهضبة وقد اصابته الخيبة وعاد جنوبا يقول في نفسه غدا سنهبط من الهضبة ونتجه شمالا .. ونصلي صلاة يهودية في دمشق الى جانب صديقنا اردوغان الذي سيسبقنا الى الجامع الاموي ..
كان الاسرائيليون يتلذذون ان دمشق التي أشعلت الانتفاضة ونسفت شوارع تل ابيب يوما عبر انتفاضة فلسطينية عارمة تتذوق ماتذوقته تل أبيب .. وبنفس السلاح الايماني الاسلامي الانتحاري .. وأن دمشق التي أعطت صواريخها لتقصف بها تل أبيب تقصف الان من الغوطة وتسقط القذائف في قلب ساحة الامويين بدل ساحات تل ابيب .. وكأن الغوطة صارت غزة في سورية .. وصارت سورية هي اسرائيل ..
كل هذا انكفأ وتراجع .. وتقهقر .. وكأننا نراقب اليوم الفيلم من النهاية .. ونسير نحو البداية .. أو اننا نسافر بالذاكرة عبر الزمن الى الوراء .. أو كان سرعة الضوء في العالم تناقصت كثيرا وصارت سرعة الاحداث تفوق سرعة الضوء ..
العرب اليوم يتقاطرون ويتوددون ويطلبون العودة .. وتركيا تريد ان تستعيد صفر مشاكل بأي ثمن .. والسعودية لم تعد هي نفسها التي كان وزير خارجبتها يهددنا ويطلب منا تسليم دمشق .. سلما او حربا ..
اسرائيل التي كانت تشرب كلها القهوة في الجولان.. وتسلط مناظيرها لترى الحرائق والدخان وانهيار الشام وهي تتسلى بفيلم الثورة السورية.. هذه الاسرائيل هبطت اليوم عن الهضبة ولم يعد لها امل ان ترى نفسها تسير وتصلي في شوارع كنعان .. وصارت اسرائيل هي نفسها تعيش ربيعها .. وصرنا نحن نتفرج على شوارع تل ابيب وصراع المتدينين مع العلمانيين .. وصار احدنا يشرب القهوة ويتسلى بمشاهد الربيع العبري .. والطيران الاسرائيلي الذي كان يتنزه فوق القصر الجمهوري السوري ويلتقط الصور التذكارية صار يختبئ خلف المسافات البعيدة والغيوم فوق طبرية .. ويضرب من بعيد خلف ستائر الغيوم .. وهو يدرك ان هذا الامر لن يطول كثيرا .. فالزمن يتراجع نحو الوراء .. والساعة تعود الى الزمن القديم .. وستأتي لحظة قريبة من تحويل الغارات الاسرائيلية الى ذكريات وتحويل علاقة وذكريات الطيارين الاسرائيليين الى حنين موجع لزمن كانوا يطيرون فيه ويرجموننا بالصواريخ من خلف الجولان .. هذا الامر لن يطول .. وستكون للطائرات الإسرائيلية ذكريات حميمة ترويها لذلك الزمان الذي كانت تحلق ولاتخاف.. وستجلس مع الميركافا تتحدثان حديث العجائز عن بطولات قديمة. زمن لن يعود … وللميركافا ماتقوله من ذكريات بعد ان كانت يوما هي هدية الاعياد وسيدة الارض ..
الجزيرة هي الأخرى ستخرس .. وسيتم وضع كل ثرثرات الاعلام الخليجي في كيس يرمى في ماء الخليج .. ولسان فيصل القاسم سيوضع في اللجام والشكيمة .. وسيوضع هو كثيرون في ذلك الكيس الذي سيرمى في قمامات الخليج.. كل شيء سيعود الى الوراء .. الى أن نصل الى يوم 14 آذار 2011 .. والانفصاليون الاكراد سيكونون في الباصات الخضراء نحو كردستان البارازاني .. ولامكان لهم عندما يرحل الاميريكيون .. وهناك من يحضر الباصات الخضراء لهم إلى ادلب البارازاني .. ولهم ان يعيشوا في نظام الفساد البارازاني كيفما يحلو لهم حيث عائلته وحزبه يبيعون الاكراد لحسابهم الخاص .. وعلى كل كردي ان يعيش خادما لهم كما ثوىجيو الغوطة صاروا خدما للجولاني ..
اياكم أن تتخيلوا ان العرب صاروا عربا أكثر .. وأن الوطنية تقطر من كلامهم .. وان قلوبهم تغيرت .. وان عودة الوعي وعودة الروح تقاتلتا وعاد الوعي او عادت روح العرب وروح الاصدقاء الاتراك وعادت الروح الى صفر مشاكل.. وان العالم قرر ان ينشغل اوكرانيا .. بل ان السبب هو أن العالم مقبل على خضات كبيرة وأن العالم القديم انتهى .. ومن كان مريضا ومثخنا وجريحا تتكالب عليه كلاب الصيد في العالم القديم عاد صحيحا .. وأن من كان الصيدة عاد صيادا .. وأن من كان راعي بقر لم يكن يخيف الا أبقاره ومواشيه .. ولايزال لايخيف الا أبقاره ومواشيه .. وهي تعود بأمر منه .. وهناك من يدرك أن الشرق الاوسط الجديد سيبدأ من البلد الذي كاد ان يتحطم تحت حوافر العرب ونعال الاتراك وأحذية الاوروبيين .. هذه العودة ليست الا عودة من اقتنع أن الحرب انتهت ..
وسيكون على كل من التحق بالثورة السورية وكتب ونظّر ان يبحث اليوم عن ملاذ وملجأ وتوبة وطريق عودة .. فالعالم القديم الفسيح الذي كان يتحرك فيه انتهى .. وصار العيش في المستقبل مستحيلا .. وصارت مفاتيح الخلاص في مكان كاد أن يقتله العرب والمسلمون .. في سورية التي من حيث لايتوقع أحد .. وضعت يدها على ساعة الزمن .. وصارت أصابعها تحرك العقارب .. والعالم ينتظر .. والصيدة ترتدي ثياب الصيد .. ومن كان صيادا عليه ان ينتبه ان ايا منهم قد يكون (الصيدة) ..
الحقيقة هي انه اذا كانت الذكريات هي آلة الزمن الوحيدة المتاحة فان هناك آلة زمن أخرى حقيقية رهيبة رائعة وبديعة وهي القوة الوحيدة في الوجود التي يمكن ان تعيد عقارب الساعات الكونية .. انها آلة القوة الشعبية .. قوة الناس الذين رفضوا الهزيمة ورفضوا الاذعان .. وضعوا دمهم ودم أبنائهم في آلة الزمن الكونية .. ودارت عنفاتها بدماء التضحيات .. فدارت عجلة الزمن رغما عن كل عجلات الكون والمخابرات والاعلام وآلات الكذب وآلات القتل والموت .. وأعادت الكون كله الى اللحظات السابقة .. ولاتزال عجلة الزمن تدور وبشكل أسرع .. نحو تحرير الشمال والشرق .. وسنصل الى عتبه عام 2011 .. وعندها سيستفيق النائمون .. ونقول لهم .. عمتم صباحا .. لقد كان حلما قاسيا .. وكابوسا لعينا .. ولكنه صباح مشرق .. يبدأ من دمشق
(سيرياهوم نيوز4-مدونة نارام سرجون)