ياسين فرحاتي
كشفت الحرب المتواصلة إلى حد كتابة المقال على قطاع غزة عن الوجه الحقيقي لألمانيا و إيطاليا حيث يقفان و بكل قوة بعد الولايات المتحدة في صف الداعمين سياسيا و عسكريا للكيان المحتل فألمانيا دعمت بالسلاح ما قيمته 20% وإيطاليا 1% و الولايات المتحدة الأمريكية قرابة 80 % . و قد إستفزني هذان الموقفان لأنهما بلدلان يستقطبان العرب و المسلمين خصوصا فرنسا التي خذلتنا و لم تكن كما كانت فرنسا الديغولية أو الشيراكية رغم أن أكبر جالية مسلمة بها كما أن اليهود الأوروبيين يقيم معظمهم بها.
وقد إجتهدت لفهم العلاقة العضوية و الجدلية بين الصهيونية و النازية و الفاشية من خلال البحث في دراسات و مقالات صحفية كتبت في الغرض.
كتب الكاتب و الباحث السوري المقيم في باريس مقالا بجريدة القدس العربي الغراء في يوم الجمعة 22 تشرين الأول ( أكتوبر ) سنة 2004، مقالا بعنوان : ” المؤسسة الصهيونية: فحشاء القوة في الطور البربري”، “و في العودة مجددا إلى آل نتانياهو، نشير إلى ولع البروفيسور بنصهيون نتنياهو ( والد رئيس وزراء الدولة العبرية الأسبق، و الأستاذ في جامعة برنستون الأمريكية )، بإحياء تراث أبا أخيمئير، أحد كبار قادة الحزب ” التنقيحي ” الذي أسسه زئيف جابوتنسكي. و الأمر لا يخلو من ” تطبيع ” دراماتيكي مع الفاشية، يشبه تطبيع الضمير الإسرائيلي مع الرصاص المطاطي، ثم الرصاص الحي، وصولا إلى قاذفات الف-17 و حوامات الأباشي … ذلك لأن أبا اخيمئير كان صاحب مواقف متشددة ضد ” الصهاينة الكاذبين ” من ” اشتراكي ” و ” إنسانيين ” و ” أحباب صهيون ” و ضد تسعة أعشار المنظمات الصهيونية أيا كانت وظائفها، من الهستدروت و حتى أصغر المنظمات المعنية بوسائل الهجرة و شراء الأراضي و تنظيم الاستيطان.
ومنذ أواخر عشرينيات القرن الماضي أعلن أن المنظمة الصهيونية ” جثة هامدة ينبغي أن تدفن سريعا قبل تزكم رائحتها أنوف الصهاينة الأطهار “. وللإيضاح السريع: “الأطهار” هؤلاء كانوا “شباب الحركة” من أمثال مناحي بيغن وإسحاق شامير، أبطال العمليات الإرهابية القادمة ضد الفلسطينيين و البريطانيين على حد سواء، و قادة أحزاب إسرائيل و رؤساء وزاراتها في العقود التالية. غير أن هذه كلها تهون أمام حقيقة أن أخيمئير كان ببساطة .. فاضي الهوى، صراحة و علانية و الفاشية هنا ليست كناية عن نزعة تتماهى مع الفاشية، بل هي تطابق صارخ مباشر مع العقيدة الفاشية الإيطالية، ومع شخصية موسوليني دون سواه.
وليست الدورة طويلة في الزمان بين عشرينيات القرن الماضي ومطالع هذا القرن، بالنسبة إلى كيان عنصري استعماري قام على الاغتصاب، وتماهى مع الفاشية منذ البدء، و يرتد إلى أقصى أنماط ذلك التماهي اليوم، و كل يوم. النقيب الإسرائيلي مثال حديث العهد، في سلسلة لم تنقطع منذ البدء، ولم تكن الأمثلة السابقة سوى بعض تجلياتها التي تتكرر وتتكرر. ومحال، على هدي القول الكانطي الذي يقتبسه نتانياهو و مفاده ” أنه محال أن نحصل على ما هو مستقيم، من خشب الإنسانية المعوج!” أي أن ينأى هذا الكيان عن إعوجاج شأنه وحشي بربري قائم في أساس تكوينه، ينحدر من درك أسفل إلى آخر أشد سفالة .”
في مقالة له معنونة ب”جرائم الصهاينة مشابهة للنازية والفاشية ولا يكمن المضي معهم ب”علاقة سوية” أوضح نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم و الاشتراكية أن ” الصهيونية مقاربة و حركة ناحية و فاضية و عنصرية تقوم على فكرة تفوق و تميز عرقي على شعب آخر، كما تقوم على هدف بناء كيان لا يشبع من التوسع يسمونه إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر مع السيطرة الأحاديث على القدس و محو هويتها الحضارة المتعددة و تقوم على إبادة الشعب الفلسطيني الذي لم يعرف غير هذه الأرض .”
من جهته في مقال بعنوان ” الصهيونية و الفاشية، جوهر فكري واحد.. و أهداف مشتركة .. و أساليب اجرامية واحدة ” نشر بجريدة البيان بتاريخ 27 أكتوبر 2000، كتب طلعت رميح و هو كاتب سياسي مصري أن ارتباط الحركة الصهيونية بالاستعمار الغربي لم يكن ارتباطا في الظرف التاريخي، بل كان ارتباطا أيديولوجيا عضويا بأحط الأفكار التي نتجت عن هذه المرحلة البويضة، ألا وهي الأفكار الفاشية و النازية، و الأفكار الصهيونية… فالفاشية و النازية، من جهة و الصهيونية من جهة أخرى وجهان لعملة واحدة.. أو هما ذات أصول أيديولوجية واحدة. فإن كان جوهر فكرة الفاشية و النازية يقوم على تفوق إنساني على ما عداه و بإعطاء هذا العرق حقوقه على حساب غيره، و بارتكاب المسابح بدم بارد و إبادة الشعوب و الأعراق الأخرى، فإن جوهر الفكر الصهيوني قام على أن اليهود هم شعب الله المختار، و أن غيرهم هم من ( الأغيار) و على بناء دولة عرقية يهودية و إبادة شعب آخر، بارتكاب المسابح و العدوان العسكري المستمر على المحيط، و محاولة بناء امبراطورية عسكرية على حساب أرض الغير مثلما فعل هتلر و موسوليني اللذين تسببا في قتل 40 مليون شخص. و بالمثل يرتكب الجنود الصهاينة منذ أكثر من 50 يوما أبشع المجازر في غزة و أيضا في الضفة الغربية و قد تجاوز عدد الشهداء و المصابين 60 ألف، منهم 70% أطفال و نساء و خلال هذه الأيام، التي تلت انتهاء فترة الهدنة يستشهد ألمئات يوميا.
يورد الكاتب اليهودي ليني برينر في كتابه ) الصهيونية في زمن الدكتاتورية.. التاريخ المواقع للعلاقات الصهيونية و الفاشية المنشور عام 1984، الكثير من الوثائق حول التعاون بين الصهيونية و موسوليني في إيطاليا، تعاونت المنظمة الصهيونية العالمية مع الفاشية الإيطالية و قد أصبح موسوليني بعد فترة مؤكدا للصهيونية، و أيدته بالمقابل القيادة الصهيونية بحماس.. ( و كان خمسة من مؤسسي حزب موسوليني من اليهود ) و قد إجتماع الصهاينة مع موسوليني في 20 ديسمبر، 1922 و أكد للدوتش ولايهمك و كتبت بوندي و هي كاتبة صهيونية من اليهود الإيطاليين عن هذا الأمر قائلة ( قال الوفد من جانبه أن اليهود الإيطاليين سيظلون دائما على ولائهم لأرضيتهم الأصلية، و يمكنهم أن يساعدوا على إقامة علاقات مع الشرق من خلال التجمعات اليهودية هناك ). و يختم الكاتب مقالته بالقول، أن هؤلاء الصهاينة، مثلهم مثل الفاشيين لن ينهزمون إلا كما إنهم هتلر و موسوليني.. أي بالحديد و النار.
و نختم بدراسة لمركز الوحدة العربية من إعداد الكاتب مصعب بشير بعنوان : ” النازية و الصهيونية: المشترك و المختلف “، يكشف فيه أن الصهيونية تمثل الهوية الفكرية لدولة إسرائيل، و تيارا عنصريا تغول على الهويات الثقافية و المجتمعية لليهود، قبل أن ينقض على فلسطين و شعبها. الصهيونية نتاج ” المسألة اليهودية ” الأوروبية بامتياز، فهي داخليا أحد إفرازات الأوضاع الاجتماعية-الاقتصادية الأوروبية التي انبتت الفاشية و النازية، ( نظرية المجال الحيوي ) و خارجيا أحد أذرع التحرك الاستعماري الغربي الذي استهدف في جملة ما استهدف المنطقة العربية.
و لما كانت الأسس الفكرية للنازية موضع نقد و تجنيد و محاربة فإن نظرة فاحصة للأسف نفسها تبين أن النازية و الصهيونية و كثيرا من إوجه الفاشية مشربها واحد، و عليه فإن الصهيونية يجب أن توضع موضع نقد و تفنيد على كل صعيد، كما هي الحال مع النازية و الفاشية و يشرح إدوين بلاك في مقابلة أجريت معه بمناسبة 25 عاما على نشر كتابه ” إتفاق النقل : القصة الدرامية للاتفاق المبرم بين الرايخ الثالث و فلسطين اليهودية “، و فيه يفسر كيف إستفادت النازية من طرد اليهود، بينما إستفادت الصهيونية من ذلك الإستثمار في ” شعب ” دولتها المستقبلية و في بناها التحتية، و يصف الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني عملية التحول هذه على النحو التالي :
” إن الهجرة كانت، في الوقت الذي تحرص فيه على تأمين تمركز رأسمالي يهودي في فلسطين يايمن على عملية تحول الاقتصاد ” الفلسطيني ” من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي، فإنها كانت تحرض أيضا على تزويد هذا التحول بروليتاريا يهودية، و كان لهذا السلوك، الذي أعطى نفسه شعار ” اليد العاملة اليهودية فقط ” نتائج خطيرة، إذ إنه ساق بسرعة لا مثيل لها نحو بروز الفاشية في مجتمع ابمستوطنين اليهود “.
أكدت مجمل هذه الآراء و الأبحاث و الدراسات ، أنه ثمة نقاط تشابه حقيقية بين الصهيونية و النازية و الفاشية و بذلك تكون المقارنة صحيحة و دقيقة إلى حد.كبير. و قد نجد مبررا لذلك عندما نستذكر مقولة مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمان بن خلدون ” المغلوب دائما مولع بالاقتداء بالغالب ” هذا إذا صدقنا بالمحرقة ضدهم التي روجوا لها لعقود و ها هو الغرب اليوم، يقدم التعويضات للصهاينة و يدعمهم في جرائمهم و يبررون قتلهم الممنهج للفلسطينيين و يحكمون كل من ينكر المحرقة بإسم معاداة السامية.
و إن ما تقترفه إسرائيل من جرائم إبادة و من غرور مفرط هو مرض نفسي يعاني منه هذا المجتمع الذي تحكمه عقلية الحرب و تضخيم الأنا و من جنون العظمة. و أن نزولها من أعلى الشجرة و نهاية استكبارها ستكون بإذن الله على يد المقاومة و كل قوى الخير في المنطقة.
سيرياهوم نيوز2_راي اليوم