آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » عن الجنوب وبيروت والجغرافيا الاجتماعية للشرق العربي

عن الجنوب وبيروت والجغرافيا الاجتماعية للشرق العربي

موفق محادين

في مقابل عائلات حظيت بتسهيلات الغزاة، ولاسيما الاحتلال العثماني، وتركزت في القصبات البحرية والسهلية، فإن الجماعات الفلاحية في الجبال وحول الأنهار، وكانت أغلبيتها مما كان يوصف بالأقليات المذهبية، خضعت لنظام جائر من الضرائب.

 

ما من منطقة شهدت هذا الخليط من التنوع، اجتماعياً وإثنياً، مثل الشرق العربي، إذ كان بوابة الغزوات والإيلافات المتعددة، في مرحلة كان الشرق جزءاً أساسياً من حضارات العالم القديم.

 

وبحسب كتابات سمير أمين، المفكر الاشتراكي المصري، والخبير في الأمم المتحدة، فإن التنوع المذكور والجغرافيا الاجتماعية والجغرافيا المذهبية كانت شديدة الصلة بالجغرافيا الطبيعية، قصبات ومراكز مدنية بحرية وسهلية ذات طابع معين، في مقابل أرياف وضفاف أنهر أخذت طابعاً آخر.

 

وذهب سمير أمين إلى أن إزاحات ملحوظة ضد السكان الأصليين، وأغلبيتهم من العرب، تركت تأثيرها في الموجات التالية من سكان المدن والقصبات البحرية، مثل بيروت وطرابلس ومصراته ومدن شمال أفريقيا، بالإضافة إلى المراكز السهلية مثل دمشق وحلب وبغداد، فغلب عليهم، بالإضافة إلى السكان الأصليين، خليط من الوافدين والعابرين وجيوش الفاتحين شرقاً وغرباً (أتراك، أكراد، ألبان، يونان وفرنجة… إلخ).

 

أمّا على الصعيد المذهبي، فتراوحت انتماءاتهم بين أهل السنّة والأرثوذكس اليونان، مع أقليات يهودية.

 

في المقابل، فإنّ الجماعات الأخرى إمّا أنها فضّلت التحصّن في الجبال، وإمّا أن نمط حياتها الزراعي جعلها تنتشر حول الأنهار، وتراوحت انتماءاتها بين تيارات التشيّع المتعددة وجماعات المسيحية الشرقية، التي كانت مطارَدة من روما وبيزنطة، كما تعرضت لملاحقات طائفية في إبّان حكم الأيوبيين والمماليك.

 

وتلاحظ دراسات سمير أمين وأغلبية المهتمين بعلم الاجتماع والإثنيات أن معظم سكان الجبال وضفاف الأنهر من العرب الأقحاح، وخصوصاً اليمانيين.

انطلاقاً من ذلك، تبلورت تشبيكات أولية من السمات المركّبة الإثنية – المذهبية، وانعكست على أشكال متعددة من المصالح والتموضعات والخيارات السياسية والاجتماعية. ففي مقابل عائلات وأوساط حظيت بتسهيلات الغزاة في كل مرة، ولاسيما خلال مرحلة الاحتلال العثماني الإقطاعي، وتركزت في القصبات البحرية والسهلية، حيث الأصول الوافدة من الأتراك والكرد والألبان وغيرهم، فإن الجماعات الفلاحية في الجبال وحول الأنهار، وكانت أغلبيتها مما كان يوصف بالأقليات المذهبية، مثل أهل التشيع وجماعات المسيحية الشرقية، خضعت لنظام جائر من الجباية والخراج والضرائب (مئتي ضريبة على الأقل، بالإضافة إلى عائدات البلاط السلطاني والتيمار والزعامات وسائر الفرسان والجباة).

 

وهو الأمر الذي يفسر لماذا وكيف ازدهرت أفكار التنوير والقومية العربية المناهضة للاحتلال التركي ثم للاحتلال الأوروبي، أكثر مما ازدهرت في أوساط الفلاحين من سكان الجبال وضفاف الأنهار.

 

فبالإضافة إلى ثورات، مثل ثورة العشرين في الفرات الأوسط، وثورات جبل العرب والشيخ صالح العلي في جبال العلويين، ومؤتمر الحجير جنوبي لبنان للمشاركة في المؤتمر السوري العام على رغم التهديدات الفرنسية، وكذلك ثورات الريف في المغرب والأوراس في الجزائر، أدّى المسيحيون العرب دوراً بارزاً في الأفكار الأولى لحركة التحرر ضد الاحتلال العثماني، وتواصل هذا الدور في الموجة التالية ضد الاحتلال الأوروبي.

 

وليس بلا معنى أيضاً أن الجذور غير العربية لعدد من العائلات النافذة في القصبات البحرية والسهلية قلّلت اكتراثها لبيع أراضٍ في فلسطين تحت تصرفها الإقطاعي للحركة الصهيونية. فبحسب الباحث الفلسطيني، محمد سعيد دلبح، في كتابه “المسكوت عنه في التاريخ”، الصفحات 69 –81، فمن العائلات البيروتية، التي باعت الأراضي الفلسطينية لليهود، أو سهلت انتقالها إليهم: عائلات القباني، سلام، اليوسف، الشمعة، سرسق، تويني، الأصفر.

 

وبالمثل، ما ورد في كتاب الباحث الأردني، الدكتور عصام السعدي، عن عائلة الأصفر (كتاب “الأطماع الصهيونية في شرق الأردن”، ص 222 –224).

 

ولو أخذنا أمثلة على ذلك من جنوبي لبنان وبيروت لوجدنا أنه في مقابل أغلبية عربية أكثر انسجاماً في جنوبي لبنان، يعود معظمها إلى قبيلة عاملة اليمنية، التي أعطت اسمها لجبل عامل، فإن سكان كثير من القصبات البحرية هم خليط أوسع من وافدين وعابرين محليين، بل إن مدينة، مثل دمشق، قدمت ثلاثة رؤساء جمهورية من أصول تركية (القوتلي والأتاسيين). أمّا بيروت، بحسب دراسة نشرتها جريدة “المستقبل”، الصادرة بتاريخ 28/8/2003 تحت عنوان “التحول السكاني لبيروت”، فجاء فيها أن العائلات البيروتية تعود إلى أصول تركية وكردية وتركمانية وألبانية ويونانية، مثل عائلات بيروت السبع (سنو، كريدية، داعوق، حوري، منيمنة، عيتاني، دوغان)، وعائلات مثل الصلح، تويني، سلام، بيهم، بدارو، شبارو، دبيبو، مخللاتي، معرشلي، سكر، مقدسي، نحاس، قباني، علايلي، غلاييني، فروخ، قمورية، جنبلاط، كلش، الأسطة، البنا، حمادة، إدريس، وزان، حريس، سرسق، الحلبي.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...