بقلم:بسام هاشم
يصبح التغيير ضرورة حتمية، وحلاً أساسياً يكاد يكون وحيداً، عندما يغدو استمرار الوضع القائم، أي الإبقاء على الأزمة، أو إنكارها، أو رفض الاعتراف بوجودها، أو التردّد في مواجهتها، أو تأجيل التعامل معها، أكثر تكلفةً من عملية التغيير نفسها؛ فكيف إذا كان السياق العالمي المتسارع يفرض اليوم على المجتمعات والدول، وأكثر من أي وقت مضى، إعادة اختراع ذاتها، وليس مجرّد التكيف مع الضغوط والمعطيات المتحولة والمتقلبة والمتناقضة!!!
وإذ تتوزع مظاهر الخوف من التغيير، أو النكوص عنه عامةً، على طيف واسع من الاستجابات التي تتراوح ما بين الانكفاء أو الإنكار أو اللامبالاة أو الغرق في جدالات عقيمة أو إشاعة المعلومات المغلوطة، أو حتى إبداء الطاعة العمياء، إلا أن ما يُؤسف له حقاً أن شرائح قطاعية محدّدة، يفترض أنها واعية ورائدة مجتمعياً ومعرفياً، تتهيب المشاركة في تقديم حلول، أو مشاريع حلول واقعية، بل تنزلق في “تواطؤ” غير مقصود مع مقولات مدرسية مستهلكة تجاوزتها الحقائق الصعبة، وهذه الشرائح تفضل اجترار الأزمة، والتقليب في تفاصيلها، على إظهار الاستعداد لتحمل المسؤولية الشخصية والأكاديمية والوطنية، ليبقى الخاسر الأكبر، والدائم، من استمرار هذا الوضع هو الشرائح الفقيرة الأكثر تأثراً ومعاناةً من استمرار حالة الإنكار والتلطي القائمة.
وللحقيقة، فإن الإصرار على الاحتفاء بالثبات والجمود، في التعاطي مع واقع مركّب ومعقد ومتحول، لا يعني، في جزء كبير منه، إلا استمراء التهرّب من المسؤولية، الفردية والجماعية، والايغال برمي الأعباء على الآخر.. أي آخر، لا فرق: الحكومة أو الحزب أو الدولة، من دون إغفال حقيقة أن بعض “ممانعي” التغيير يمكن أن يكونوا ممن يفترض أن يشكلوا النواة الصلبة للتغيير نفسها، فهؤلاء يريدون تغييراً على مقاسهم، على اختلاف مواقعهم في المسؤولية!!
وإذا كان علينا أن نعترف بأن كل إنسان معاد بطبيعته لأي تحول من شأنه أن يعطل عاداته مبدئياً، وأن لا أحد لديه ميول فطرية للتغيير الذي عادةً ما يستحضر الخوف من المجهول، وخطر الإلقاء بأنفسنا وسط حالة من التشكك وعدم اليقين والخشية من الخسارة، وقد يطرح البعض كل الاحتمالات التي تجعل المستقبل محكوماً بالفشل، وقد ينطوي على هواجسه مثل محارة مغلقة، إلا أن علينا أن نتذكر أن المخاوف قد تكون مشروعة في أحيان كثيرة، ولكن الخوف ليس شعوراً دائماً، وأن معالجته تتطلب الجرأة والثقة والشجاعة، وأن الحوار وحده هو الذي يسمح لنا بتحديد ما الذي سنخسره حقاً، وأن علينا أن نضع نصب أعيننا دائماً أننا سنصل معاً إلى النقطة الموعودة، وسنساهم جميعاً في إنجاح هذا التغيير وملاقاة المستقبل. وخلاف ذلك، فإن أية استكانة في التعامل مع الأزمنة الصعبة، أو استحسان الوقوف على أطلال الأزمة، أو تجزية الوقت باستدعاء الماضي، أو استطابة لعن الظلمة، لن تدلل إطلاقاً على حالة من الصحة النفسية أو الأخلاقية، ولا على الصوابية الفكرية أو السياسية، بل هي تعبر، بالأحرى، عن نوع من التكاذب العاطفي الذي لطالما استخدمته جوقة الندابين والشتامين في مداعبتها لأوهام الأيتام المفترضين لـ “الدولة الأبوية”.
أخيراً.. يمكن الادعاء أن الشرق الأوسط سيبقى حلبة للضغوط والصراعات الدولية، وأن المنطقة لن تشهد الاستقرار حتى إشعار آخر، إلا أن الرهان المرحلي يتمثل دائماً بالخروج من تداعيات الحرب الأخيرة على سورية، وتحويلها إلى فرصة لإحداث تغيير لربما كان ينبغي أن ينجز قبل الـ 2011، أو قبل ذلك بعقود، كما ألمح السيد الرئيس بشار الأسد. لقد كنا بحاجة إلى تغيير عميق أقله منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، لتتجدد هذه الحاجة مع التحولات في هيكلية النظام الاقتصادي العالمي، و”انتصار” الليبرلية الجديدة، وانتشار العولمة، ومن ثم تغول الليبرالية الحديثة، وكل ذلك على خلفية عقوبات غربية أطلسية تزداد وحشية مع تقدم الزمن، ولكننا تعاملنا مع كل هذه الاستحقاقات ببطء، ولأسباب مختلفة، قد تكون البيروقراطية الإدارية في مقدمتها، ولكن هناك بالتأكيد أسباباً ثقافية تتعلق، في جانب منها، بنمط حياة وعيش الأغلبية العظمى، على الأقل على امتداد ثلاثة أو أربعة أجيال نشأت في كنف “دولة الرعاية”، أو لعلها الميول المستجدة القائمة على الاحتفال بالطارئ، والاحتفاء بتحصيل الراحة، والغرف من الأزمنة الهاربة، ولعلها تربية “الدروشة” التي تمجد الزهد والتقشف والاكتفاء بالقلة.. ولعلها، على النقيض، تصورات اجتماعية أوسع تفضل الممكن والمتاح على المغامرة والمجازفة.
إن رؤية التغيير التي يحملها الرئيس الأسد إنما تعكس اليوم حقيقة وعي المشكلة بكل أبعادها ومستوياتها، والعزم على حلها بقرار مستقل وإرادة وطنية صرفة، وهو ما يشكل بحدّ ذاته الضمانة الكافية للانطلاق في المغامرة التي ستصنع مستقبل سورية وتلبي مصالح السوريين، من خلال التشارك بالحوار وتقاسم المسؤولية.
الكاتب:رئيس تحرير البعث
(سيرياهوم نيوز2-البعث)