الرئيسية » مجتمع » عن العنصرية و«جنون العظمة» اللبناني

عن العنصرية و«جنون العظمة» اللبناني

أحمد دقة

 

طوال التاريخ، عملت الوجوه المعنية بالدعاية والبروباغندا، على استخدام اللغة والمُصطلح واللفظ، من أجل تشويه الآخر، وشيطنته وجعله في الطبقات الدنيا من السلم الاجتماعي. في رأيكم، كيف صار صاحب البشرة السمراء عبداً؟ وكيف خرجت شعوب شاهرةً سيفها وأبادت السكان الأصليين؟ ومن منا لم يسمع وزير الاحتلال الإسرائيلي عندما وصف شعب غزة بأنهم «حيوانات بشرية»؟ مناسبة الحديث تصريحات عنصرية معيبة خرجت من إحدى الإعلاميات اللبنانيات تجاه الشعب السوري

 

ربما لم يسلم أيّ شعب من الشعوب من لوثة العنصريّة تجاه الشعوب الأخرى، بل إن كُلّ الشعوب كانت وما زالت تحتوي على تلك الفئات، بنسب قليلة أو عالية، ممن يؤمنون بتفوّقهم العرقي أو الحضاري عن الشعوب الأُخرى. اندلعت الكثير من الصراعات والحروب والجرائم تحت هذه العناوين، ومعها الكثير من القتل والتشريد والتهجير والموت التي سُوّغت تحت هذا التفوّق العرقي الزائف. الكثير من الجنون المُعمّم في عالمنا، سببه المباشر كان وما زال هذا السمّ الذي ينخر العقل ويضعه فريسة جنون العظمة والتعالي. تبحث في تفاصيله الصغيرة، عما يقوله المتعالون، تبحث بين كلماتهم عن سبب هذا الاستحقاق الذي يضمرونه لأنفسهم والقدرة على وصف شعوب أخرى بأنها أدنى مستوى منهم، تبحث عن سبب وصول إنسان مثل هذا للاعتقاد برفعته وقيمته المُتعالية واستحقاقه للتمجيد، فلا تجد سوى الفراغ مهما بحثت.

 

(

طوال التاريخ، عملت الوجوه الإعلامية في أيّ مجتمع، أو الوجوه المعنية بالدعاية والبروباغندا، على استخدام اللغة والمُصطلح واللفظ، ورمي الألقاب والصفات على عواهنها، من أجل تشويه صورة الآخر، شيطنته وجعله في الطبقات الدنيا من السلم الاجتماعي. في الحقيقة، هذا ما فعله كُلّ العنصريّين في العالم، على المستوى الهوياتي والثقافي والسياسي من أجل عزل الفئات الأخرى. فكيف صار صاحب البشرة السمراء عبداً في رأيك؟ وكيف خرجت شعوب شاهرةً سيفها أو مدفعيتها وقاتلت شعوباً أخرى وحرمتها تاريخها واستحقاقها العيش وأبادت سكانها الأصليين؟ كيف خرج كولومبوس ومن معه من الأوروبيين بسفنهم إلى أميركا وطردوا من أسموهم زوراً «الهنود الحمر»، مع أن سكان أميركا الأصليين، أيّ قبائل الأزتك والإنكا والمايا وغيرهم، لم يكونوا هنوداً حمر، ولم يكونوا بالصورة الهمجية التي رسمها كولومبوس عنهم، أيّ ثلة من الأغبياء يرقصون عُراة حول النار، بل كانوا شعباً ذا ثقافة وعادات متأصلة ومنجزات متفوقة بالنسبة إلى عصرهم ومحيطهم، ولكن للمُستعمِر أسلوبه في تبرير جرائمه وتلك الإبادة الشنيعة التي يرتكبها، حتى ولو صورياً. فمن منا لم يسمع وزير الاحتلال الإسرائيلي عندما وصف شعب غزة بأنهم «حيوانات بشرية» تمهيداً لما في ثقافته اليهودية عن البشر الأدنى، الذين وجدوا لخدمته أو يبيدهم عن بكرة أبيهم. في لبنان، الكثير من هذه النماذج المنتشرة بيننا، فلن تكون الصحافية نضال الأحمدية ذلك النموذج الشاذ عن القاعدة، وليست الأولى من نوعها، التي تعبّر عن تعالٍ واستحقاق زائف بالتمجيد على حساب الآخر، والآخر هنا هو الشعب السوري. إذ تصدّرت الصحافية المشهد، خصوصاً في الآونة الأخيرة، وقادت جيشاً من الفاتحين على غرار ما فعله كولومبوس من فتح واكتشاف واستعمار، لا موت فيه، ولكنه نسخة طبق الأصل عن خطابات كُلّ الذين سبقوها من مُنمّطين نهلوا من هذا النوع من الخطابات، وجنون العظمة.

ما هي مبررات أن تقول عن شعب تشترك معه في التاريخ نفسه تقريباً إنهُ «عنده عقدة نقص»

 

ما هي مصادر هذا التعالي عند الصحافية؟ ما هي مصادر ومبررات أن تقول عن شعب تشترك معه في التاريخ نفسه تقريباً، واختلط دمك بدمه في الكثير من المحطات التاريخية، وتشتركون مع بعضكم بالأرض نفسها، إنهُ شعب «عنده عقدة نقص» ودولته غير موجودة، وسارق لأمجاد غيره ولا يشعر بالفخر من تاريخه، بل بالعار، فيعمل على سرقة أمجاد غيره؟ بغض النظر عن خطابها الأخير وما فيه من مغالطات تاريخية وتراشق عبثي حاقد بغطاء من «الحقائق التاريخية»، إن أبرز صفات «عقدة النقص» هي تصديق خرافات مثل التفوق العرقي والتاريخي والاستعلاء المزيف. وأبرز صفات الدونية الشعورية هي تمجيد أيّ شيء وصناعة وحش مزيّف من أجل تصويره كطبقة دنيا من الجنس البشري والشعور بالتعالي عليه، تلك التي يمارسها غيرنا علينا، فنحاول تعويض هذا النقص عبر التعالي على الضعيف، بينما القوي يفرض شروطه علينا. بهذا نسدّ الفجوة الناشئة من ذلك، بقدر لا بأس به من العنصرية على الضعيف، بهذا تخفّ وطأة السياط التي يضربها الجلاد على ظهورنا، عبر ضرب الآخر فنمرّر له الشعور.

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ملتقى القبائل والعشائر السورية والنخب الوطنية يبدأ فعالياته في حمص

      بدأت في حمص اليوم فعاليات ملتقى القبائل و العشائر السورية والنخب الوطنية الخامس.   ويشارك في الملتقى أكثر من 10 آلاف شخصاً ...