محسن سلامة
أثبتت اللغة العربيّة عبر الدهور أنّها لغة الحياة إلى يوم الدين ، لقد استجابت لكلّ مراحل التطوّر البشريّ بسهولة ويسر، واستوعبت القفزات الحضاريّة الجديدة بدءاً بالثّورة الإسلاميّة ، ثمّ الحضارة العبّاسيّة،والثورة الصناعيّة المعاصرة ، فكانت الوعاء الحضاريّ بجدارة في حمل الأمانة بما ملكت من قدرة على توليد المعاني والدلالات الجديدة،فنشأ علم الاشتقاق ، والنحت ، والتعريب…وبدأنا نسمع بسيبويه .. ونفطويه.. وقد لبسوا عباءة اللغة العربيّة ، بعد اندثار لغاتهم الأمّ الامبراطوريّة
لقد اعتمدت دمشق قلب العروبة النابض هذه اللغة في جامعتها وفي كلّ جامعات القطر ، فكانت لغةً للفيزياء والرياضيات والعلوم ، والطبّ…بينما جامعات الدول العربيّة الأخرى لا تزال تدرّس هذه الموادّ باللغة الإنجليزيّة،
وتفاعلت اللغة العربيّة مع جميع المدارس الأدبيّة الجديدة في ألفاظها الموحية وخيالها المجنّح ومحتواها الثوريّ ورمزها الشفاف…ولن ينسى أحد منّا ما قرأه في مقرّرات فقه اللغة في الجامعة عن لغة الأمّة وحيويّتها ، و لنأخذ مثلاً على ذلك الفعل ضَرَبَ وغيره من ملايين الافعال ،
ففي الجاهليّة الأولى كان الفعل ضَرَبَ يعني ضرب الفحل الناقة ، ثمّ تطوّر إلى كل ما فيه ملامسة ، إلى ضربة السيف والعصا ، إلى اضطراب الأمّة ، إلى المضرب : الخيمة العظيمة ، إلى الضرب : الصلاة أقامها، إلى ضرب الدراهم ، إلى الإضراب : الاحتجاج ، إلى الضريبة : الجزية ، إلى ضروب الخبر والإنشاء وضروب الأشياء أنواعها … إلى لا نهاية .
وهذا ما يبرهن استمرار الأمّة واستمرار لغتها وقدرتها على الحياة إلى يوم الدين ، أحبّها أهلها، وصاغوا منها في كلّ عصر العلاقات الجديدة حتى لا تتآكل ألفاظها من كثرة الاستعمال،
فبدت اللغة كأنّ القارئ يسمعها لأوّل مرّة ، المسموع غدا لوناً، والمشموم نغماً ،والمرئي عطراً،
هل تحمّمتَ بعطرٍ و تنشّفتَ بنورْ
وشربتَ الفجرَ خمراً في كؤوسٍ من أثيرْ
فالعقل العربي يرى أثر الحواس في النفس واحدا .
استطاع الأدب أن ينقل الحالات المستعصية على التحليل العقليّ بوضوح وجمال آسر عبر وسائل الإيحاء الموسيقيّ ، فالشعرُ مناخٌ لا أفكار :
هواكَ يا شاعري أغنيةُ الخاطرِ
أطيبُ أشهى ألذُّ من شذا عابرِ
و تأتي الصور الرمزيّة ، والانزياحات اللغويّة، و تصدح موسيقا النصوص الشعريّة متعاونة مع الصور لتشكيل مناخ شعريّ حالم يأخذك كلّ مأخذ في دنيا الجمال والدهشة
حُلْمُ أيِّ الجِنِّ ؟ يا أغنيةً عاش من وعدٍينتظر
سحرُ الوتر
نسْجُ أجفانكِ من خيط السُّها كلُّ جفنٍ ظلَّ دهراً ينتظر
ولا ننسى القرآن الكريم كيف حافظ على اللغة العربيّة عبر جميع العصور ، قال تعالى في سورة يوسُف الآية الثانية :
إنّا أنزَلْناهُ قُرآناً عربيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
(سيرياهوم نيوز3-الكاتب)