أنس جوده
تغريدة حافظ الصغير ( والتي يبدو أنها حقيقية وفقا لتأكيد احدى الصحفيات ) تؤكد شيئاً واحداً فقط أن السلطة السابقة كانت تعيش في فقاعة بعيدة عن الواقع وأن الرئيس الهارب كان مجرد ديكور للحكم لايعرف من أمر البلاد شيئاً اللهم إلا جمع الأموال وإنشاء الشركات والتنظير على الناس، وأن قرارات الجيش والحكم أصبحت بعيدة عنه بالكامل وكان سقف تدخله في السنوات الأخيرة برنامج الإصلاح الإداري ومصير مؤسسة التجارة الداخلية وأنه عندما قرر توسيع حدود تدخله وصل إلى الإصلاح الداخلي لبنية حزب البعث .
في الأسبوع السابق على السقوط وبعد دخول الفصائل إلى حلب تواصلت مع صديق صحفي كان لديه بعض المعارف في القصر وسألته إذا كان يعرف أو سمع شيئا عن التوجهات والتطورات ، فقال لي ضاحكاً ” كلو تمام وتحت السيطرة ” اليوم اختار ” العينتين” هدايا عيد الميلاد للحفلة التي ستتم بهذه المناسبة ظننته يمزح فأكد لي أنه يتحدث بكامل الجدية وأنه صدم مثلي، وكان رأيه أن هناك تدبيراً ما أو خطة ما متفق عليها يجري تنفيذها .
اعتقد أن الوقائع التي قالها الفتى حافظ في تغريدته صحيحة وهو كان يريد نفي قصتين شخصيتين: تركهم لبنات عمته وتركهم لعمّه أيضاً، والتأكيد على أنهم صامدون مقاومون لايعنيهم مايجري على الأرض من تحركات، ولكنه لم يكترث للفكرة الأساسية التي لم تصل لحد الآن إلى عقله وعقل أبيه وعائلته كلها وهي أنهم المسؤولون بالكامل عن انهيار هذه البلاد بتصرفات وقرارات صبيانية رعناء منذ العام ٢٠٠٤ حتى يوم السقوط، وأن مجرد بقائهم في القصر يأكلون ويشربون لايعني صموداً بل مجرد غباء( كالدواب الحرنة التي لاتريد مغادرة اسطبلها.)
هذه البلاد مزرعة لتجارب الحكام في كل تاريخها ولم يخرج عن هذا الواقع إلا بضع سنوات انتهت بأول انقلاب عسكري وبقينا في نفس الدوامة حتى اليوم، لم يستطع اهلها اختيار حكامهم وقوانينهم وشكل دولتهم بل كانت دائما ً تفرض عليهم ويتم تسويقها لهم على أنها أفضل الخيارات وأن مابين أيديهم أفضل من الانهيار ومن الخراب ومن الدخول في المجهول ، وهم يعيشون الوهم دائما ويصدقون الكذب والدجل لأنهم يريدون تصديق أي شيء يحفظ حياتهم ومعاشهم ، ولكنهم يقعون دائما في نفس المطب فلايمكن توقع نتائج جديدة باستخدام نفس الأدوات ونفس منطق التفكير.
لايستقيم حال البلاد وأهلها إلا إذا كانت لهم كلمة وقول في مصير بلادهم واختيار حكامهم والكف عن الأماني والأوهام وانتظار الفرج من القمر الرخامي المعلق في السماء واعطاء الوقت والثقة العمياء وصناعة الوهم واختراع القادة ونفخهم….
اليوم لدينا فرصة ومساحة عمل وقدرة على التحرك والفعل للقيام بالواجب الأول والأهم والأصلي وهو تحرير وملء مساحة الشأن العام وعدم تركها لقرارات الآخرين ومزاجهم وكذبهم، هذا واجبنا وحق الأجيال علينا فإن لم نفعل ونعمل فلن نستحق إلا حياة لاتشبه الحياة في أي شيء.
(أخبار سوريا الوطن١-صفحة الكاتب)