إحدى المسائل الأساسية التي طرحها لوغر هي ذاتها الإشكالية التي أبرزتها وثيقة “إيلون ماسك” وصحبه، والتي تدور حول جدوى العمل على تطوير أجهزة تفكير غير بشرية.
الذكاء الاصطناعي حديث العالم اليوم، هو أحد ابرز المنظومات الإلكترونية التي تجتاح حياتنا، وأكثرها جنوناً وجاذبية.
إنه فرعٌ من العلوم الرقمية يُعنى بتصميم وتطوير خوارزميات تُؤهل الآلة للقيام بمهام تتطلب فهماً وأداءً بشريين.
الهدف الأساس منه رفع الكفاءة والمهارة والإنتاجية في سبيل راحة الإنسان. إلى فوائده التي يصعب إحصاؤها لكثرتها وتنوّعها، فهذا النوع من الذكاء ليس خيراً كلّه بل لا يخلو اعتماده من المخاطر، وخاصة مع توسع قدراته وسعة انتشاره. وهو يُؤدي خدمات باهرة لكنه يكون في الغالب محفوفاً باحتمالات غير مأمونة.
لذا يعتبره البعض “سلاحاً ذا حدين” كما قال مالك “تويتر” الأميركي إيلون ماسك. وسبق لماسك ومعه مجموعة من الباحثين أن نشروا منذ العام 2017 عريضة يطالبون من خلالها بأن يكون دور الأبحاث العلمية في الذكاء الاصطناعي هو خلق ذكاء مفيد، وليس ذكاء غير موجه. والمعنى واضح، إذ أن الذكاء بحدّ ذاته قد يكفي لتطوير الأداء لكنه لا يكفل تحقيق الأمن والأمان. وتاريخ البشرية يذكر كثيرين من كبار المجرمين بحق الإنسان ممن كانوا يتمتعون بدرجة ذكاء عالية، لم تمنعهم من تهديد الحياة.
والوثيقة المشار إليها تضمّنت بنوداً عدة أشارت إلى الإشكاليات الأمنية والأخلاقية التي يمكن أن تنتج عن الذكاء الاصطناعي. لذلك فثمة ضرورة حيوية لضمان أمان المستخدمين ولزوم اتخاذ إجراءات شفافة وبخاصة في مناهج تصميم الأنظمة الذكية، لجعلها مأمونة للجميع ومتوافقة مع السلامة العامة والكرامة الإنسانية والحقوق والحريات والتنوع الثقافي، فضلاً عن ضمان خصوصية الفرد وشؤونه التي لا يصح أن تٌصبح مشاعاً.
إزدواجية مُقلقة
مبكراً ظهر أهمية موضوع الذكاء الاصطناعي ومدى خطورته الكامنة، وبالتالي ضرورة رعاية الأبحاث التي تجري في ميادينه مما نادى به جمعٌ من ذوي المعرفة حيث وقّع على العريضة المذكورة جمع من أبرز الضليعين في المجال، نذكر منهم ديمس هاسابيس، مؤسس منصة “ديب مايند” للذكاء الاصطناعي، وإيليا سوتسكيفر، المؤسس المشارك في شركة “أوبن إيه أي” التي طوّرت “شات جي بي تي”، ويان ليكون، مدير أبحاث الذكاء الاصطناعي في “فيسبوك”، وجيف دين، مدير مشروع “غوغل برين” ــ عقل غوغل.
هذه الإزدواجية بين النور والظلام كانت المحور الأساس الذي ارتكز عليه كتاب “النظر إلى الوجود البشري من بوّابة الذكاء الصناعي” Knowing Our World: An Artificial Intelligence Perspective ، الصادر حديثاً لأحد أهمّ البحّاثة الخبراء في موضوع الذكاء الصناعي وهو د. جورج ف. لوغر F. Luger- George، الذي يعتبر في طليعة أبرز وأهم من أحاط بالموضوع من كتاب اليوم، حتى بات حديث الأوساط العلمية والشرائح المتنورة.
لوغر حاصل على شهادتي ماجستير في الرياضيات الصرفة والتطبيقية، وعلى درجة دكتوراه في الرياضيات من جامعة بنسلفانيا العام 1973. وهو أمضى 5 سنوات بحثية لما بعد الدكتوراه في جامعة إدنبرة في اسكتلندا حيث ساهم في تطوير كثير من أوائل النظم الخبيرة Expert Systems، وكذلك في تطوير لغة البرولوغ، وهي إحدى اللغات الخاصة بالبرمجة الحاسوبية.
وعندما انضمّ إلى قسم الكومبيوتر في جامعة نيو مكسيكو، حرص على أن يكون أيضاً أستاذاً في كلّ من قسمي علم النفس واللغويات، ما يعكسُ شغفه البحثي المتنوّع والمشتبك والمتداخل من جهة، واعتقاده الراسخ بأهمية وضرورة الإلمام بالعلوم الإنسانية للعمل في ميادين ذكاء الآلة. ولعل هذا من الخاصيات اللازمة لكلّ من يسعى لعمل بحثي رصين في هذا الميدان.
إلى ذلك، فهو صاحب كتاب “الذكاء الاصناعي… البنى والاستراتيجيات لحلّ المسائل المعقّدة Complex Artificial Intelligence: Structures and Strategies for Problem Solving .
أما كتابه موضوع هذا النص، والصادر بالإنكليزية عن دار “سبرنغر” الأميركية، فهو يدخل بالقارئ عصر المتفرّدة التقنية Technological Singularity التي تبشّرُ بها التطورات العلمية الالكترونية المتسارعة في ميادين الذكاء الصناعي، وهي مما كان في طليعة الإنجازات المذهلة التي استجدت في عالم الذكاء الاصطناعي على مستوى تصنيع آلات تختزن قدرات “أدائية ذكية” مشابهة للقدرات البشرية من حيث التفكير التحليلي والمساءلة المنطقية وإمكانية التعامل مع المعطيات واستخلاص القدرات العملانية القيمة والمفيدة.
مخاوف واقعية
إحدى المسائل الأساس التي طرحها كتاب “لوغر” هي ذاتها الإشكالية التي أبرزتها وثيقة إيلون ماسك وصحبه المشار إليهم، والتي تدور حول جدوى العمل على تطوير أجهزة تفكير (عقول) غير بشرية… يمكن (ولا بدّ لها) أن تفوقنا عدداً وتتفوق علينا في النهاية. وهذا يعني من باب أولى المجازفة بفقدان سيطرة الإنسان “العاقل” على مسيرة الحياة والحضارة البشرية، وإيكال ذلك كلّه إلى مجرّد شرائح مصنّعة من الرمل والفحم والمعدن، مما لا يمكن الاعتماد على أي مفهوم للإنسانية أو المسؤولية اليقظة فيه.
وذهبت الوثيقة منذ ذلك الوقت إلى المطالبة بعدم منح أذونات اختيار مواضيع الأبحاث وتوجيهها للقادة في عالم التقنية ممن لم يتم انتخابهم انتخاباً، وذلك بهدف الحيلولة دون وصول أناس غير مسؤولين إلى مفاتيح تغيير وجه هذا الذكاء وإساءة استخدامه. والملاحظ أن الموقعين على الوثيقة انتقدوا عدم توافر ما يكفي من وسائل مراقبة الأعمال الجارية في هذا الميدان حيث اعتبروا أن لا ضمان لحماية مأمونة في هذا الميدان. ووصلوا إلى حد المطالبة بوقف موقّت لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي إلى حين اعتماد أنظمة حماية كافية وناجعة تتيح متابعة هذه العمليات ومراقبتها وتحليل المعلومات الواردة فيها، وحُسن توجيهها، وكذلك معالجة ما قد ينجم عن سوء استخدامها من اختلالات.
وإذا كانت الوثيقة قد طرحت صرخة التحذير والإنذار، فإن لوغر قد اهتم من جانبه بالشق التقني من الموضوع، فعمل على تفنيد آليات الذكاء الاصطناعي والمخاطر المحتملة من جرّائه، مُشدداً في ملاحظة مهمة على ضرورة النظر إلى الموضوع من زوايا إنسانية وبيولوجية وفكرية ونفسية، إضافة إلى الزوايا التقنية المحضة.
اللافت والمؤكد أن العمل على تطوير الذكاء الاصطناعي الذي ينشط على قدم وساق، يترافق بشكل لصيق مع الحذر منه والتخوف مما يمكن أن يُفضي إليه. هذا المستوى الرفيع من الاهتمام والحذر من قبل عمالقة في ميادين هذا النوع من العلوم يُؤشّر إلى مدى الأهمية والخطورة التي تتلبّس الموضوع. فهذا العلم بات اليوم ساحة اشتباك معرفي متعدد الجبهات والمستويات، وأكثر تعقيداً من أي حقل تقني آخر، ويتطلّب علوماً أخرى متنوّعة غير تقنية.
وهذا ما أشارت إليه مبكراً مقالة “رؤيوية” نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية في العام 2012 بتوقيع فيزيائي بارز وواحد من مطوّري الذكاء الصناعي هو ديفيد دويتش David Deutsch، تحت عنوان “الفلسفة ستكون المفتاح الذي يفكّ مغاليق الذكاء الصناعي”. وكانت المقالة أول إشارة من صاحب اختصاص إلى علاقة الفلسفة وبعض العلوم الأخرى البعيدة عن المضمار التقني، بمسألة الذكاء الاصطناعي وتطويره.
وفي المقالة، قال الكاتب إن هذا الذكاء: “سيحتاج، إضافة إلى المباحث الرقمية والكومبيوترية، إلى العديد من العلوم العصبية والبيولوجية والنفسانية… لتطوير آلات تفكّر مثل البشر”، وهو نفسه ما قال به لوغر وعمل على أساسه في عالم حقق الكثير من الإنجازات المفتاحية في هذا الميدان.
في طليعة تلك الفتوحات العلمية تأتي “روبوتات المحادثة” على شاكلةChatGPT الذي طوّرته شركة OpenAI، إحدى الأذرع التقنية للعملاق الرقمي “مايكروسوفت”، والتي شكّلت عنصراً مؤثراً في توجيه العقل البشري “البيولوجي”.
ولعل من أفضل ما يعبّر عن هذا الواقع “الغريب” الذي استجد يتمثل في ما قاله العالم الحاسوبي والرياضياتي البريطاني الأشهر في هذه المرحلة، آلان تورنغ، ومؤداه أنه “إذا ما كان البشر يتعاملون مع مصدر ما عبر جهاز حاسوب (مثلاً) ولم يستطيعوا معرفة (أو التمييز) بين أنّ ما يتعاملون معه هو كائن بشري أم آلة، فعندئذ نستطيع الحديث عن عصر آلات ذكية”.
سياحة فكرية
في كتابه يقول لوغر إن التميّز الهائل الذي تختصّ به الآلات الذكية بالمقارنة مع البشر يكمن، وبغضّ النظر عن مديات ذكائها، في خاصتين اثنتين: قدرتها على التعامل مع البيانات الكبيرة Big Data، وسرعة معالجة هذه البيانات بمعدلات تفوق كثيراً سرعة المعالجة البشرية. إلا أنه ومن الناحية الإيجابية في المقابل، لا يزال البشر يحتكرون بعض الخواص الإبداعية التي بقيت خارج نطاق التعامل الآلاتي. لكن هذا لن يكون عائقاً أمام التقدّم المتسارع لهذا النوع من الذكاء، حيث أن كثيرين من خبراء الذكاء الصناعي يرون أنّ هذه المعضلة ليست سوى مسألة وقت، قبل أن تتمكّن الآلات من ولوج الفضاء الإبداعي الذي ظلّ احتكاراً بشرياً خالصاً.
بالعودة إلى كتاب لوغر، فقد وصفه البعض بأنه نمطٌ من السياحة الفلسفية في عالم من الأفكار المضيئة، تجعلك لدى قراءته تدرك أنّ الأفكار التي نحسبها عادية، إنما يمكن أن تكون منصّة شروع لأفضل وأرقى التطويرات التقنية والعلمية”، وكذلك لأكثر الأخطار احتمالاً.
يبدأ لوغر كتابه بمقدمة تغلب عليها المساءلة الفلسفية للتاريخ البشري، فيقول: “ولدْتُ مثل كثيرين منّا، واقعياً ساذجاً، مؤمناً بأنّ حواسنا توفّرُ لنا إدراكاً مباشراً للأشياء كما هي في حقيقتها. وقد وثّق كثيرون من علماء النفس والفلاسفة، العمليات التطوّرية التي يخوضها الأطفال العاديون نحو معرفة أنفسهم وعالمهم…”، ثم يمضي في القول: “كانت ثمة تحدياتٌ مهمة في طريقي أمام تأليفي هذا الكتاب. فالتقليد الوجودي دَعَمَ شكوكية ما بعد الحداثية وما بعد البنيوية، وعلى أساس هذه الرؤية الوجودية، فإنّ الأساس المكين ذاته الذي أقامت عليه الثقافات الغربية أفكارها عن المعرفة والحقيقة والمعنى، باتت خاضعة للمراجعة والتمحيص. فقد حلّت حقبة من النسبوية العدمية راحت تخترق الأفكار التي وَعَدَ بها عصرُ الإنسانية والتنوير..”.
بعد هذه المقدمة الفلسفية يواصل الكاتب رحلته في متن الكتاب الذي جعله في 3 أجزاء؛ الجزء الأوّل، وعنوانه “في البدء”، يتناول الأسس التاريخية والفلسفية لعملية تخليق البرامج الحاسوبية، وفكرة الاحتساب Computing ذاتها، وكيف بلغنا وضعنا الراهن في سياق تطور الذكاء الصناعي، وهو ما تحقق عبر العديد من الخطوات-الإنجازات الباهرة التي وضعت اللبنات الأساسية لما هو قائم اليوم.
بعد ذلك يستذكر الكاتب عناوين باسماء من وزن “ماري شيلي”، “فرانكشتاين” و”بروميثيوس”، مضيئاً بطريقة لمّاحة على الفكر الإغريقي المبكّر ثم على الإغريقيين الأواخر، أمثال أفلاطون وإقليدس وأرسطو، ليصل إلى الفلسفة الحديثة ما بعد القروسطية. وهنا يستذكر مجموعة من الأسماء اللامعة في مجالات الفلسفة أمثال هوبز، لوك، هيوم، سبينوزا، كانط، ديوي، معتبراً أن دراسة نتاج هؤلاء هو معبر أساس ولا بد منه لولوج عتبة الذكاء الاصطناعي.
الجزء الثاني من كتابه يخصصه للحديث عن الذكاء الاصطناعي الحديث والموضوعات المرتبطة به، سواء ما يتصل بمعالجة المعطيات وتحليلها أو بتصنيع آلات تساعد على التطوير والابتكار، وصولاً إلى روبوتات المحادثة والتقميش والتحرير (GPT CHAT).
أما في الجزء الثالث فيتناول تحديث المبدأ الواقعي Realism بمقاربات مستمدّة من الموضوعات البحثية الأكثر تداولاً في الذكاء الصناعي المعاصر، وارتباط ذلك بالتحوّلات الفكرية والفلسفية والعلمية والتقنية الكبرى، التي شهدتها أوروبا خلال عصر النهضة في مواجهة هيمنة الكنيسة على شؤون المجتمع السياسية والتشريعية والثقافية.
وتقوم هذه الواقعية على التعامل بصورة موضوعية ومنهجية مع الواقع الاجتماعي، واستيعاب إشكالاته وقضاياه المختلفة في علاقاتها بقضايا المجتمع المادية والمعنوية والتقاليد والثقافية، بعيداً من المثالية، بغية ترجمتها إلى قرارات تهدف إلى إيجاد حلول تتلاءم مع الواقع وتحدّياته.
منافسة مفتوحة
ولعل أحد التساؤلات المُفتاحية مما طرحه لوغر تشير إلى أن علوم الذكاء الآلي إنما تدور حول مقدرة هذا الذكاء على منافسة ذكاء الإنسان والخروج بالنتيجة عن سيطرته، ومدى إمكانية حصول ذلك كما في مسرحية “إنسان روسوم الآلي” للتشيكي كارل تشابك، والتي كانت أول مسرحية تستخدم لفظ “روبوت” (وهي كلمة مُشتقة من كلمة تشيكية بمعنى العبيد)، تدور أحداثها في مصنع لتصنيع الروبوت وصل جنون صانعيها إلى أنهم أرادوا خلق الروح في داخلها. ثم يحدث في سياق المسرحية ما يتخوّف منه العلماء اليوم. فقد ثارت الروبوتات على البشر لشعورها للحظة أنها ملكت العالم.
ولعل هذه المقاربة تبرر التساؤل عن قدرات الذكاء الاصطناعي وإمكانية سيطرته على حياتنا اليومية… فتخرج الروبوتات عن سيطرة الإنسان. وهنا مكمن السؤال الكبير الذي يواجه البشرية اليوم.
يقول لوغر: صحيح أن هذا الذكاء جدير بأن يحلّ الكثير من المشاكل، لكن السيطرة على تقدّمه ليست مضمونة أمام “شراهة” المطوّرين. وحتى خارج هذا الإطار، ينبغي، وفي أفضل الأحوال، الأخذ بعين الاعتبار احتمالات حصول خطأ بشري في البرمجة على الأقل، هذا إن لم نتحدث عن الاستخدام بشكل خاطئ، أو في خروج الآلة عن السيطرة (البشرية العاقلة) نتيجة خطأ في التصنيع أو بسبب عطل طارئ ما (والأعطال محتملة دائماً في الآلات)”، أو احتمالات وقوع الآلة في أيدٍ غير مسؤولة، او أقل كفاءة ممّا ينبغي، أو ربما في أيدٍ إرهابية. أليست هي نفسها حكاية الديناميت الذي أراده مخترعه الفرد نوبل للبناء ولخير الإنسانية، ثم بات يُستخدم كما نعلم؟
أخيراً فما يبعث على بعض الاطمئنان أن هناك تميّزاً واضحاً لصالح الإنسان بالمقارنة مع الآلة الذكية. فالإنسان لا يزال يحتكر العديد من الخواص الإبداعية التي بقيت خارج نطاق التعامل الآلاتي. وعلى الرغم من مقدار الطمأنة في سياق هذا الواقع، إلا أنها تبقى طمأنة مؤقتة فقط، حيث أن كثيرين من خبراء الذكاء الصناعي يرون أنّ هذه الخصوصية ليست سوى مسألة وقت كما سبقت الإشارة، ولا بد من يوم يأتي تتمكّن فيه الآلة من اقتحام هذا الفضاء الإبداعي الذي لا يزال اليوم احتكار بشرياً. وعندها هل سيبقى من مجال للاطمئنان؟ ومن (أو ما) الذي سيمنع الذكاء الاصطناعي عن تدمير ما بناه البشر؟
هنا في هذا النقطة بالذات تكمن أهية أبحاث لوغر وكتابه. فهو يبحث في فهم ماهيَّة الذكاء والمساعي البشرية لمُضاهاة الآلة في الماضي والحاضر والمستقبل. وهذا موضوع جوهري ولاسيما لأن القُوى العُظمى في العالم استفاقت أخيراً لتدارك الاحتمالات السيئة. لكن أحداً لن يكون بوسعه أن يستشرف بدقةٍ كيفية تطوُّر هذه التِّقنية، ولا وفق أيِّ جدولٍ زمني. ومن هنا رأى لوغر ضرورة التخطيط لاحتمال أن تتخطَّى الآلات مقدرة البشر العقلية على اتِّخاذ القرارات في العالم الواقعي، ليكون بالإمكان الردّ العاقل على هذا النوع من التحديات غير المسبوقة.
إن كلُّ ما في جعبة الحضارة الإنسانية وما وصلت إليه هو نتاجُ ذكائنا البشري، أما أن نضع أيدينا على مصدر ذكاءٍ أعظم بكثيرٍ مما لدينا، فسيكون هذا حدثاً فارقاً في تاريخ البشرية. وغاية لوغر من كتابه أن يُفسِّر لماذا قد يكون ذلك الحدث هو آخر أحداث التاريخ البشري، وكيف يمكننا أن نعمل على ألَّا يكون كذلك.
سيرياهوم نيوز1-الميادين