يوسف فارس
غزة | تختلف «ثأر الأحرار» عن سابقاتها من الجولات في 2019 و2022، في مستوى الثبات والهدوء الذي تمتّعت به قيادة المقاومة في خلالها. منذ لحظة الاغتيال الأولى، وحتى وقف إطلاق النار، سجّلت «الجهاد الإسلامي» لنفسها، كما ردّد الإعلام الإسرائيلي، جملة من النقاط، كان أبرزها التريّث في بدء الردّ، حيث لم يطلَق صاروخ واحد طوال 35 ساعة، رتّبت خلالها «الجهاد» تفاهمات مع فصائل المقاومة، ولا سيما حركة «حماس»، سواءً لناحية خصوصية المعركة، أو اسمها الموحّد، أو المحافظة على التآزر الداخلي حتى اللحظة الأخيرة فيها، أيّاً كانت التضحيات والخسائر.
أمّا النقطة الثانية، والتي جاءت نتيجة لِما تَقدّم، فهي أن المفاوضات على وقف النار، بدأت مبكرةً، وتحديداً بعد الضربة الصاروخية الكبيرة الثانية عصر يوم الأربعاء، حيث انطلقت جولات عدّة، وسُجّل ازدحام في مقترحات وصلت تباعاً إلى مكتب الأمين العام لـ«الجهاد»، كان أوّلها مساء اليوم المذكور، حين قدّمت المخابرات المصرية ورقة لاقت قبولاً لدى الفصائل المنضوية في إطار «الغرفة المشتركة» فيما رفضتها الجهاد، وردّت عليها برشقة صاروخية مئوية طاولت العشرات من المدن والبلديات الإسرائيلية. في أعقاب ذلك، قُدّمت مقترحات قطرية، ودخل الأميركيون على خطّ التفاوض، إلّا أن كلّ هذه المحاولات لاقت رفضاً من «الجهاد» التي كان أمينها العام، زياد النخالة، قد أكد، في أحد تصريحاته الصحافية التي عقّب فيها على معركة «وحدة الساحات»، أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبه يومذاك، هو أنه استعجل القبول بوقف النار. هذا الموقف «الجهادي» الصلب أخرج مساعي التهدئة، من مستوى الأجهزة الأمنية في دول الوسطاء، إلى مستوى زعماء الدول، ولا سيما مصر وقطر والأردن، والذين وصلوا في يوم الجمعة إلى نقطة أعلنوا معها استعصاء التفاهمات. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن النقطة التي بقيت عالقة حتى الدقائق الأخيرة، هي مطلب وقف الاغتيالات، وهو ما ثبت في الصحافة العبرية المقرّبة من رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، والتي كانت تؤكّد عقب كلّ جولة تفاوض، رفض «الجيش» النزول عند رغبة «الجهاد» في انتزاع تعهّد بوقف اغتيال القادة.
ad
بقي بند وقف الاغتيالات هو المعطّل الأساس لمسار التفاوض
وعلى طريق محاولة إجبار النخالة على الإذعان لوقف النار، كثّف جيش الاحتلال عمليات التصفية، التي طاولت حتى اليوم الخامس من الجولة، ثلاثة قادة آخرين هم أعضاء في المجلس العسكري لـ«سرايا القدس»، التي ردّت في المقابل، على كلّ حادثة، بمضاعفة كثافة ومديات الصواريخ.
هكذا، بقي بند وقف الاغتيالات هو المعطّل الأساس لمسار التفاوض، فيما تكشف مصادر في «الجهاد»، لـ«الأخبار»، أن «الأمين العام للحركة، الذي مورست عليه ضغوط كثيرة، لوّح أمام الوسطاء بأنه مستعدّ لمواصلة القتال وحيداً إلى ما بعد يوم مسيرة الأعلام المرتقبة في نهاية الأسبوع الجاري، وقد تَسلّح في هذا الموقف بما أظهره الميدان من ثبات وصلابة، وقدرة مهولة على امتصاص الضربات الإسرائيلية، وأيضاً، بما وصله من إشارات من محور المقاومة بالاستعداد لتسخين جبهات أخرى عقب يوم الأحد. وعليه، لم يَجد المفاوض الإسرائيلي بدّاً من القبول بصيغة مخفّفة لجملة وقف الاغتيالات، للحيلولة دون سقوط نتنياهو داخلياً، ولذا أضيفت عبارة “وقف استهداف الأفراد” للدلالة على وقف الاغتيالات». ومع انتهاء المعركة، ظهر النخالة، مساء أول من أمس، لأوّل مرّة منذ بدء العدوان، مرهقاً وحزيناً بلا شكّ، ولكن صلباً ثابتاً أيضاً. وإذ حمل خطابه تلميحاً إلى كلّ ما قاساه في إدارة الجولة بقوله: «تحمّلنا ما تحمّلناه كي يبقى الموقف موحّداً»، فقد أكد «(أننا) نَخرج من هذه المعركة، وسلاحنا بأيدينا، ومقاتلونا ما زالوا في الميدان، جاهزين على مدار الساعة لمقارعة العدوان». رسالةٌ بدا معها النخالة، الخارج للتوّ من حربه الثالثة التي يخوضها منذ العام 2019، وكأنه يردّد مقولة الأمين العام الأسبق: «أكدنا بالقول وبالفعل، أننا لن نوقف جهادنا في أيّ مكان من فلسطين، وأن إطلاق النار على الاحتلال في غزة، سوف يستمرّ (…) لن نساوم على الدم، حتى لو على حجرٍ ذُبحنا».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية