آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب الأسبوع » عن ليلى الأخيلية.. التي كانت ندّاً للشعراء العشّاق المجانين

عن ليلى الأخيلية.. التي كانت ندّاً للشعراء العشّاق المجانين

تذهب الباحثة سليمى محجوب أفقياً، وهي توّثق إبداع النساء العربيات، وتُحدد الإبداع هنا بالإبداع الأدبي، وليس من خلال إبداعٍ آخر، فهي تذهب إلى صدر الإسلام، وتبدأ من الشاعرة العربية ليلى الأخيلية، ثم في العصور التي تلت ذلك الزمان إلى أحدثهنّ معاصرة نجوى عثمان (1954م – 2009م) وما بين الأخيلية وعثمان تمرُّ محجوب على سيرة اثنتي عشرة مبدعة من مختلف العالم العربي، ومن عصورٍ مختلفة.. وذلك في كتابها الذي اشتغلت فيه على مبدأ الأنطولوجيات الموسوعية (فراشات الأمس وزهرات الياسمين) وعنوان فرعي آخر “نساء من أمتي” الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب..
وفي هذه القراءة الصحفية لهذا الكتاب سأكتفي بما أوردتّه الباحثة حول الشاعرة التي عاشت في عصرين من عصور العرب، وهما عصرا الإسلام الأول – الخلفاء الراشدين – والعصر الأموي، وهي الشاعرة ليلى الأخيلية، والاكتفاء هنا يعود لأمرين: ضيق المساحة، ولأنَّ ما تمَّ سرده عن هيام الشعراء العرب ولاسيما ما قبل الإسلام؛ توقف عند الشعراء الرجال، حتى إنّ الذاكرة العربية لا تحتفظ بندٍّ نسائي لـ”جميل بُثينة، وكُثير عزّة، ومجنون ليلى.. وغيرهم”.. فليلى وإن لم يُعرف عنها “جنوناً” غير أنها كانت عاشقة مُعذبة، لا تقلُّ هياماً عن زملائها الرجال العاشقين..
تقول الباحثة محجوب عن ليلى الأخيلية؛ إنها شاعرة، يمرّ اليوم ألفُ عامٍ على حياتها في صحراء الجزيرة العربية (وفاتها سنة 665م) هي ابنة عبد الله الرحّال بن كعب بن معاوية، وهو “الأخيل” لذلك نُسبت إلى جدِّها، من بني عامر – القبيلة التي تميزت بكثرة العشاق فيها.. فورثت عنهم الغزل الرقيق، والحنين الباكي.. وكانت أن أدركت عهدين: عهد الخلفاء الراشدين، والعهد الأموي، وجاء شعرها نتاج تلك المرحلتين..
وعن نشأتها الأولى تذكر الباحثة؛ إنها كانت في العراق، لكنها أصبحت بعد ذلك كثيرة التنقّل.. وقعت الأخيلية في حب توبة بن الحمير الخفاجي، فألهبَ هذا الحبُّ عاطفتها، كما أحبّها توبة وقال فيها الشعر، ولما خطبها إلى أبيها؛ أبى أن يزوجه إياها على عادة العرب الذين يأنفون تزويج بناتهم بمن يُشبب بهنّ، ومن ثمّ كان أن زُوجت قسراً من رجلٍ في بني الأذلع، ولم يكن لهذا الزواج أن ينتزع عنها حبَّ توبة، وهكذا عاشت صراعاً بين العاطفة والتقاليد..
وكان خفاجيّاً يرى البخل
وتجلبُ كفّاه الندى وأنامله
عفيفاً بعيد الهمّ صلباً قناتهُ
جميلاً مُحيّاه، قليلاً غوائله
يبيتُ قريرَ العين من باتَ جاره
ويضحى بخيرٍ ضيفه ومُنازله
كان بينهما حبٌّ عاصف، وكان زوجها شديدُ الغيرةِ عليها، ولاسيما أنّ زواجها من الأزلعي لم يردع توبة عن زيارتها والتّغزل بها، ما دعا إلى إهدارِ دمه إن رآهُ القومُ في موضع اللقاء.. رغم أنها تزوجت للمرةِ الثانية من سوار بن أوفى القُشيري المُلقب بابن المحيا، وكان شاعراً مُخضرماً، ورزقت منه بأولادٍ على أنّ زواج ليلى وإنجابها لم يكن ليُشغلها عن حبِّ توبة؛ فعاشت بعاطفةٍ مشبوبة حتى لقبت بشاعرة الحبِّ والألم، ولاسيما أنها فقدت حبيبها مرتين: الأولى حين مُنعت من الزواج منه واللقاء به، والثانية حين اختطفه الموت إثر نزاع شبّ بينه وبين ثور بن أبي سفيان بن كعب العقيلي، عندما ضربه الأخير بعمودٍ من حديد، فما كان من الأول إلّا أن قتله لتثأر قبيلة الأخير وتقوم بقتله وذلك أيام خلافة مروان بن الحكم، وقد جعل مقتله ليلى تهيمُ على وجهها، وهو ما صاغته شعراً وقصائد..
الحبُّ والوصف والرثاء في قصائد ليلى وأشعارها، فنجد فيها رومانسية الحبّ، وروعة الوصف لفتاها الذي لا ترى له مثيلاً، كما تخلطُ الرثاء بالبكاء لأنها فقدت من أحبتّه واختارته، وهو “توبة الحميري” التي أعجبت بشخيصته، كما هامَ بها الفتى هياماً شديداً وهو ما عبّر عنه توبة:
يقولُ أناسٌ لا يُضيركَ نأيُها
بلى كلُّ ما شفّ النفوس يُضيرها
أليس يضيرُ العينَ أن تكثرَ البكا
ويمنعها من نومها وسرورها.
أما الرثاء، فقد كانت فجيعتها وصدمتها حين جاءها موت فتاها الحميري مما فجّر شاعريتها تدفقاً من ينابيع حزنها العميق، فتدفقت مراثيها رائعة، لا تقتصر على البكاء، وإنما تنحو إلى وصف الحبيب، وما كان يتمتع به من مثل وأخلاق تفخرُ بها العرب، وجاءت هذه المراثي لتمنح الأخيلية شهرتها الواسعة، وجاء رثاؤها ليشمل القسم الأكبر من ديوانها:
أيا عينُ ابكي بن حْمِيَرَ
بسحٍّ كفيض الجدول المتفجّر
لتبكِ عليه خُفاجة نسوةٌ
بماء شؤون العبرة المتحدّر

تصف الباحثة ألفاظها وعباراتها بأنها جاءت سهلة وواضحة، وتنسابُ كلماتها انسياب الماء في الجدول الرقراق، قريبة المأخذ متينة السبك، تبوح بمعانٍ ذات صلةٍ عميقة بتفاصيل الشعور الأنثوي المقهور والمحزون، وبجملٍ صاغت بها أفكاراً انبثقت من ذاتها، وهي تذكرنا بطرفة بن العبد، وبزهير بن أبي سلمى، حيث الألفاظ مختصة بالمعاني التي تُعبّر عنها، وبالموضوع الذي ينطق بأنفاسها الدفينة: الحب أولاً، والرثاء ثانياً، ثم الوصف الذي يتماوج بين ثنايا هذين الغرضين.
الكتاب: (فراشات الأمس وزهرات الياسمين – نساء من أمتي)
الكاتب: سُليمى محجوب
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب.

 

 

سيرياهوم نيوز 2_تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

حراس الكلمة.. أصحاب الرؤى الجديدة والرسائل المتجددة

 * عمار النعمة في كل مرة نتحدث بها عن الإبداع نجد أن سورية كانت ولاتزال تحمل أسماء كبيرة حفرت على جدار الزمن بصمتها وقد قدمت ...