| علي حيدر
تتسارع التطوّرات المتّصلة بملفّ إحياء الاتفاق النووي الإيراني، مع تَقدُّم طهران بردّها على المقترح الأوروبي الأخير بهذا الشأن، وتلقّي واشنطن نسخة من هذا الردّ، ووصول شذرات منه إلى تل أبيب التي لا تستبشر بكلّ ما يجري خيراً. وفيما يرتفع منسوب التفاؤل بإمكانية إعادة تفعيل الاتفاق الذي كاد يصبح غير ذي صلة، تتركّز الأنظار، الآن، على ردّ الفعل الأميركي – الأوروبي على الملاحظات الإيرانية، والتي تقول الجمهورية الإسلامية إنها تستهدف «رفع ثمن أيّ خروج أميركي مستقبلاً من الصفقة»، ما يعني مزيداً من الضمانات والتي تتنوّع ما بين نووية ذاتية، وأخرى اقتصادية وسياسية وحقوقية. وأيّاً يكن ما ستؤول إليه هذه المحاولة، فإن إسرائيل تنظر إليها بعيْن القلق؛ ذلك أن إفضاءها إلى اتفاق سيعني إطلاق يد إيران في المنطقة، بينما تعثّرها مجدّداً سيعني إمّا إنهاء المفاوضات وإمّا مواصلتها تحت السقف نفسه، وفي الحالَين استمرار طهران في تطوير قدراتها على المستويات كافة من دون رادع، وبصورة من شأنها تثبيت واقع ستكون من شبه المستحيل إعادة إبطاله
تُتابع مؤسّسات القرار في كيان العدو، بقلق وحذر كبيرَين، الردّ الإيراني على «الاقتراح النهائي» للاتحاد الأوروبي بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، والذي أتى وفق صيغة «لا إيجابية تامّة، ولا سلبية تامّة». وهو موقفٌ ترى إسرائيل أنه يستهدف مضاعفة الضغط والابتزاز المسلّطَين على الطرفَين الأميركي والأوروبي، وتُعرب عن خشيتها من مآلاته. وتنبع هذه الخشية من المخاطر التي ترى القيادة الإسرائيلية أنها أصبحت ملازمة لكلّ السيناريوات التي يمكن أن تؤول إليها المفاوضات، والمتراوحة بين التوصّل إلى اتّفاق، أو الإعلان عن فشل المحادثات، أو حتى مواصلتها وفق القواعد والتقديرات والرهانات نفسها.
في الحالة الأولى، أصبح واضحاً أن إيران متمسّكة بمجموعة ثوابت لم يَعُد في ضوئها من الممكن تكرار التجربة الماضية التي التزمت بموجبها الحكومة الإيرانية بمقتضيات الاتفاق، بينما تنصّل الطرف الغربي من التزامه برفع العقوبات عنها. وهو تمسّكٌ شدّد عليه، غير مرّة، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، وتبنّته حكومة إبراهيم رئيسي بحذافيره.
ومع استنفاد الخيارات البديلة التي كان الرهان الأميركي – الإسرائيلي عليها في أن تؤدّي إلى إخضاع النظام الإيراني أو إسقاطه أو على الأقلّ ردعه عن مواصلة تطوير برنامجه النووي، فإن النتيجة الطبيعية للمسار المتقدّم هي أن أيّ صيغة سيتمّ التوصّل إليها ستلبّي بالضرورة الشروط الإيرانية في ما يتعلّق برفع العقوبات والضمانات، وغيرها، الأمر الذي يستبطن خطورة بالغة بالنسبة للكثير من أجهزة التقدير في الكيان العبري، وتحديداً «الموساد»، الذي يحذّر من تداعياته على معادلات القوّة الإقليمية في مواجهة إسرائيل. ذلك أن أيّ اتفاق من النوع المذكور سيمنح إيران المشروعية الدولية التي ستَفتح الطريق أمام الكثير من الدول لتطوير علاقاتها معها، مع ما سيترتّب على هذا من انعكاسات اقتصادية وسياسية واستراتيجية، على رأسها تعزيز منطق النظام داخلياً وخارجياً، في ظلّ حكومة يرى الغرب أنها الأكثر تشدّداً وخطراً على المصالح الغربية في المنطقة. وتعود المخاوف الإسرائيلية، بشكل رئيس، إلى قناعة تل أبيب بأن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، والاتحاد الأوروبي، حريصان على تفادي تداعيات فشل المفاوضات، وهو ما يثير قلقاً من إمكانية أن تفاجئ واشنطن، تل أبيب، بانعطافة «تنازلية» كبيرة.
استنفدت الخيارات البديلة لإسقاط النظام الإيراني أو إخضاعه
أمّا في حالة فشل المفاوضات، فإن الصورة لا تبدو أفضل بالنسبة إلى إسرائيل. إذ إن ما كانت تُراهن عليه من إمكانية التدحرج نحو مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في هذه الحالة، أصبح أكثر استبعاداً ممّا كان عليه في أيّ مرحلة سابقة، بسبب تغيّر اتّجاه معادلات القوة في المنطقة، وتَركّز أولويات الولايات المتحدة على مواجهة روسيا والصين، وهو ما يمثّل متغيّراً نوعياً يُتوقّع أن يُسهم في تعزيز موقع إيران في الصراعات الدولية، نتيجة التقاطع بينها وبين موسكو وبكين في مواجهة الهيمنة الأميركية، إضافة إلى كونه يمنحها هامشاً أوسع في أكثر من مجال اقتصادي واستراتيجي. ومن هنا، تخشى تل أبيب من أن يؤدّي فشل المفاوضات إلى إطلاق عنان إيران في مواصلة تطوير برنامجها النووي من دون كوابح، بالتالي نقْلها من تموضعها على مسافة صفر من «دولة عتبة نووية» – بحسب رئيس الاستخبارات الإسرائيلي السابق اللواء تامير هايمن – إلى «دولة عتبة» فعلية بالمعنى الكامل، في ما سيشكّل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، لا يستطيع الكيان تجاهله، ولا معالجته بمفرده بشكل جذري.