نبيل سليماني
تشهد الجزائر خلال الصيف الحالي حراكاً سياسياً ملحوظاً، غذّته تحركات أحزاب كانت حتى وقت قريب تعيش سباتاً طويلاً. أحزاب معارضة وأخرى موالية سجلت “استفاقة” واضحة في الأشهر والأسابيع الأخيرة؛ فالمعارضة أصدرت بيانات منددة بإجراءات حكومية اعتبرتها ماسة بالسيادة الوطنية، مثل قانون المناجم، ودعت السلطات إلى السماح بتنظيم تظاهرات تضامنية مع غزة، فيما استغلّت أحزاب أخرى الظرف للتعبير عن مزيد من الولاء.
استحقاقات قريبة
ويرى متابعون أن هذا الحراك “صحيّ”، ما دامت البلاد على أعتاب مواعيد سياسية مهمة في المدى القريب، ما يستدعي نهضة حقيقية على مستوى الطبقة السياسية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة “قاصدي مرباح” في ورقلة مسلم بابا عربي، لـ”النهار”، إن الصيف عادة ما يكون موسماً للنشاط السياسي “سواء عبر عقد مؤتمرات حزبية، مثل مؤتمر حزب التجمع الوطني الديموقراطي، أو عبر هزات داخلية، كما يجري من احتجاجات داخل أروقة حزب جبهة التحرير الوطني”.
ويؤكد بابا عربي أن “الحراك السياسي الحالي يعود إلى اقتراب الاستحقاقات السياسية، مثل الانتخابات النيابية والبلدية المرتقبة العام المقبل، إضافة إلى موعد الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والمقرر في نهاية هذا العام أو بداية 2026″، موضحاً أنه “من الطبيعي أن تسبق هذه المواعيد حركة سياسية ملموسة”.
ويضيف أن “هناك عاملاً آخر مهماً، يتمثل في شروع السلطة في مشاورات لتعديل بعض النصوص القانونية، ولا سيما قوانين الانتخابات والأحزاب والبلدية والولاية”، مشيراً إلى أنه “وفق هذه المعطيات، من المنطقي أن نشهد هذا الحراك السياسي”.
“دماء جديدة”
ولا يخفي بابا عربي ضعف الحضور الحزبي في البلاد، قائلاً إن الديناميكية الحالية “تبقى دون المستوى المطلوب، بالنظر إلى حالة الجمود التي أعقبت الانتخابات الرئاسية الماضية”. ويضيف: “الوضع السياسي في المرحلة السابقة لم يكن طبيعياً، وكان يفترض أن تمنح الحركية السياسية التي رافقت حراك 2019 وما تبعها من تداعيات كبرى على منظومة الحكم زخماً أكبر للأعوام اللاحقة، لكن ما حدث هو تراجع ملحوظ، سواء على صعيد ظهور أحزاب جديدة أو تنشيط الساحة السياسية”.
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية الجزائري أن نتائج انتخابات 2021، ثم الاستحقاق الرئاسي في 2024، كرّست الوضع القائم، وهو ما يمكن وصفه بـ”التجديد في إطار الاستمرارية”، الأمر الذي انعكس على الفضاء العام، إذ ظل النشاط السياسي في مستويات متدنية “خاصة في ظل غياب تجديد فعلي للطبقة السياسية وعدم السماح بتأسيس أحزاب جديدة”.
ويشير إلى عوامل أخرى مؤثرة، منها جائحة كورونا وما رافقها من فترات حجر صحي، وتداعيات الوضع الإقليمي وتنامي التهديدات، لكنه يشدد على أن “الطبقة السياسية تحتاج إلى دماء جديدة لتحريك المياه الراكدة”.
وحيال دعوة الأمين العام الجديد لـ”حزب التجمع الوطني الديموقراطي” منذر بودن إلى “أحزاب قوية”، عقب لقائه الرئيس تبون، يصف بابا عربي ذلك بأنه “تشخيص منطقي” يتقاسمه كثيرون، مؤكداً أن “الساحة السياسية بحاجة إلى أحزاب قوية ذات رؤية واضحة، تعمل على التنشئة والتكوين السياسي والتأهيل القيادي لكوادرها”، وهي مهام يرى أنها “غائبة لدى معظم الأحزاب، باستثناء اثنين أو ثلاثة فقط”.
ويختتم بابا عربي حديثه بالتأكيد على أن هذه الضرورات السياسية “مرتبطة بوجود إرادة سياسية تمنح مزيداً من الحرية وهامش الحركة للنضال الحزبي، وفي الوقت ذاته بوجود كفاءة لدى الفاعلين لترقية العمل الحزبي إلى مستويات أعلى”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار