بيروت-من نعيم برجاوي
قال الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الاثنين إنه يأمل في تشكيل حكومة جديدة في غضون اليومين المقبلين، حيث أدى انزلاق البلاد إلى الفوضى بسبب الانهيار المالي إلى تجدد الجهود للتوصل إلى اتفاق.
ووصلت الأزمة المستمرة منذ عامين إلى نقطة حرجة الأسبوع الماضي مع نقص الوقود المستورد، مما أجبر المستشفيات والمخابز والخدمات الأساسية الأخرى على تقليص أو إغلاق أبوابها.
وقُتل ما لا يقل عن 28 شخصًا خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما انفجر خزان وقود بينما كان الناس البائسون يسارعون للحصول على البنزين.
والتقى عون مع نجيب ميقاتي رئيس الوزراء المكلف اليوم الاثنين في محاولة للبحث في أسماء الوزراء.
وقال عون في تسجيل صوتي يوم الاثنين “نحن بصدد تشكيل حكومة جديدة” موضحا في وقت لاحق أنها ستكون “في غضون يومين إن شاء الله”. وقال مصدر سياسي رفيع لرويترز “إن الوضع يتطور إيجابيا. (هناك) بعض القضايا التي ينبغي معالجتها، خصوصا الأسماء”. وأوضح المصدر أن الدافع وراء هذا التحرك هو أن “الوضع برمته يتدهور والنظام كله ينهار”.
ودعا حسن نصر الله الأمين العام لجماعة حزب الله المدعومة من إيران يوم الأحد إلى تشكيل الحكومة في غضون يومين أو ثلاثة أيام قائلا إن هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع الفوضى وإدارة الأزمة.
وقال أيضا إن حزب الله سيبدأ في جلب المازوت والبنزين من إيران وسيعلن الجدول الزمني قريبا.
وقالت السفيرة الأمريكية دوروثي شيا بعد لقائها بالرئيس اللبناني إن الخدمات الأساسية “وصلت إلى حافة الانهيار”.
وقالت “كل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالسلطات ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل … ينزلق فيه الوضع المتردي بالفعل إلى كارثة إنسانية”.
وفي ذروة عقود من الفساد الحكومي وسوء الإدارة دخلت الأزمة مرحلة جديدة الأسبوع الماضي عندما قال البنك المركزي إنه لن يمول بعد الآن واردات الوقود بأسعار الصرف المدعومة.
ويدعم المصرف المركزي فعليا أسعار المحروقات وغيرها من الواردات الحيوية من خلال توفير الدولار بسعر صرف أدنى من السعر الحقيقي لليرة اللبنانية. ويصل سعر الدولار حاليا إلى 3900 ليرة بينما يجري التداول بسعر يتجاوز 20 ألفا في السوق الموازية، وهو ما يستنزف الاحتياطي الذي قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأسبوع الماضي إنه يبلغ الآن 14 مليار دولار.
وللاستمرار في تقديم مثل هذا الدعم، قال مصرف لبنان المركزي إنه بحاجة إلى تشريع للسماح بالسحب من الاحتياطي الإلزامي، وهو جزء من الودائع يقضي القانون بالحفاظ عليه.
وتقول الحكومة إنه يجب عدم المساس بأسعار الوقود.
تسببت الأزمة بخسارة العملة اللبنانية أكثر من 90? من قيمتها ودفعت أكثر من نصف السكان إلى الفقر.
ورغم ذلك ، فشلت النخبة الحاكمة في الاتفاق على خطة إنقاذ أو تشكيل حكومة جديدة منذ استقالة حكومة رئيس الوزراء حسان دياب في أغسطس آب الماضي بعد انفجار مرفأ بيروت.
وتم تكليف ميقاتي، وهو رجل أعمال وسياسي بتشكيل الحكومة بعد أن تخلى الزعيم السني سعد الحريري عن محاولاته قائلاً إنه لا يمكنه الاتفاق مع عون. وألقى كل واحد منهما باللائمة على الآخر.
هذا وحلّ انفجار عكار شمالي لبنان كالصاعقة على البلد المأزوم بالأساس، حيث زاد من معاناة شعبه، وربما يهدد بنسف آخر بصيص أمل لتشكيل حكومة جديدة.
وفجر الأحد، وقع انفجار في خزان مُخبأ يحوي آلاف الليترات من مادة “البنزين” في بلدة “التليل” في قضاء عكار؛ ما أدى إلى مصرع 27 شخصا وإصابة 79 آخرين، بحسب حصيلة غير نهائية.
ووقع الانفجار بعد اكتشاف شباب للخزان المُخبأ، وتهافت مواطنين عليه لتعبئة “بنزين” منه، في ظل شح الوقود في البلاد، بحسب وسائل إعلام محلية.
وانعكس الانفجار توترا على الساحة السياسية، ما قد يطيح بجهود ولادة الحكومة المتعثرة منذ نحو عام، على أمل أن تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، والتي استقالت في 10 أغسطس/ آب 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.
فانفجار الأحد سبقه قبل أكثر من عام انفجار أضخم في مرفأ بيروت، أودى بحياة 217 شخصا وأصاب نحو 7 آلاف آخرين، بجانب دمار مادي هائل في أبنية سكنية ومؤسسات تجارية.
ووفق تحقيقات أولية، وقع الانفجار في عنبر 12 من المرفأ، الذي تقول السلطات إنه كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة “نترات الأمونيوم” شديدة الانفجار، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.
ويتمثل التوتر السياسي حاليا في اتهامات متبادلة بشأن المسؤولية عن انفجار عكار بين رئيس البلاد، ميشال عون، وفريقه السياسي من جهة، ورئيس “تيار المستقبل”، سعد الحريري، وفريقه من جهة أخرى.
وعلى وقع هذه التطورات، عبّر نواب وخبراء عن خشيتهم من أن تتسبب الكارثة الجديدة بتعقيد المشهد السياسي أكثر، بدلا من أن تكون دافعا لإنقاذ شعبه ومؤسساته.
** انفجار المرفأ
واستبعد النائب عن الحزب “التقدمي الاشتراكي”، بلال عبد الله، في حديث للأناضول، أن يدفع انفجار عكار المسؤولين المعنيين بتأليف الحكومة إلى تسهيل وتسريع تشكيلها.
ومنذ 26 يوليو/ تموز الماضي يعمل نجيب ميقاتي على تشكيل حكومة جديدة، بعد اعتذار كل من رفيق الحريري ومصطفى أديب عن عدم إكمال هذه المهمة؛ جراء خلافات بين القوى السياسية.
وأضاف عبد الله أن السلطة نفسها التي لم يدفعها انفجار مرفأ بيروت الكارثي لاتخاذ خطوات إنقاذية، من المستبعد أن تتحرك عقب انفجار عكار.
وشدد على أن ما حصل في عكار هي جريمة تشبه جريمة المرفأ، ويقف وراءها المسؤولون عن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
ومنذ نحو عامين، يعاني لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث، ما سبب شحا في الوقود والأدوية وسلع أساسية أخرى، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الذي كان يؤمنه المصرف المركزي لدعم استيراد تلك المواد.
وتابع: كل من عرقل الحلول السياسية لتأليف الحكومة، سواء لأسباب سياسية أو طائفية، هو متهم بشكل غير مباشر بما حصل في عكار.
** “الثلث المعطل”
استبعاد أن يكون الانفجار دافعا لتسريع تشكيل الحكومة هو أيضا ما ذهب إليه النائب البرلماني عن منطقة عكار، هادي حبيش، الذي استذكر كذلك انفجار مرفأ بيروت، وعدم تحرك السلطة حينها لتشكيل حكومة.
وقال حبيش للأناضول: “كنا نتأمل أن يتم تشكيل حكومة منذ عام لتفادي الكوارث في لبنان، واليوم نأمل أن تصحى الضمائر بعد الكارثة وتُشكل الحكومة بأسرع وقت”.
واستدرك: “استعبد ذلك، وما حصل في 4 آب 2020 (انفجار المرفأ) مثال على ذلك، حيث كان من المفترض أن تتشكل حكومة جديدة بأسرع وقت، لكنه لم يحصل”.
وأعرب عن أسفه لسعي بعض الفرقاء السياسيين إلى الحصص الوزارية و”الثلث المعطل” في الحكومة، بدلا عن تسهيل ولادتها بأسرع وقت.
و”الثلث المعطل” هو عدد من الحقائب الوزارية يسمح بالتحكم بقرارات الحكومة.
واتهم الحريري، مرارا، عون بالإصرار على الحصول لفريقه على “الثلث المعطل”، وهو ما نفاه الأخير.
** علاقة ميقاتي وعون
“الوضع الحكومي أكثر تعقيدا من أي وقت مضى”.. هذا ما خلص إليه فيصل عبد الساتر، كاتب ومحلل سياسي، وفقا لقراءته للتصريحات التصعيدية المتبادلة بين عون والحريري، على خلفية انفجار عكار.
وأضاف عبد الساتر للأناضول أن الهجوم والاتهامات المتبادلة بين أطراف سياسية معنية بتشكيل الحكومة تدفع حلحلة الملف خطوات إلى الوراء، بعدما لمسنا قبل أيام بصيص أمل في ولادة الحكومة.
والسبت، أعلن عون أن مسار تشكيل الحكومة سالك، معربا عن أمله بخروج “الدخان الأبيض” قريبا، أي الإعلان عن تشكيلها.
وتساءل عبد الساتر عما إذا كان التصعيد الكلامي بين الحريري وعون سينعكس سلبا على العلاقة بين الأخير وميقاتي، و”هذا ما قد يؤدي إلى مزيد من التعقيد في حال حصل”، حسب قوله.
ويقوم النظام السياسي في لبنان على توزيع المناصب الرئيسية على الطوائف، حيث يتولى رئاسة الجمهورية مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة مسلم سُني، ورئاسة البرلمان مسلم شيعي.
وتابع: من الواضح أن المشهد المأساوي بات يخيم على لبنان بشكل أكبر، وقد يتعقد المشهد السياسي أكثر من أي وقت مضى، في حين أن البلاد تحتاج بأسرع وقت إلى حكومة فاعلة.
** لا تأثير على تشكيل الحكومة
أما توفيق شومان، كاتب ومحلل سياسي، فلا يربط بين الانفجار ومسار تشكيل الحكومة، ورأى أن منسوب الاشتباك السياسي قد يرتفع، لكنه لن يؤثر على مسار تأليف الحكومة.
وأردف شومان للأناضول أن “الأزمة ستتعمق بين “تيار المستقبل” (الحريري) و”التيار الوطني الحر” (عون)، لكنها لن تؤثر على آليات تشكيل الحكومة السائدة بعد تكليف ميقاتي بهذه المهمة”.
ورأى أن تشكيل الحكومة محصور حاليا بين عون وميقاتي، فضلا عن وجود إصرار من الجهات الدولية الداعمة لتشكيل حكومة سريعا في لبنان.
وأقر شومان بوجود عقبات أخرى تتعلق بتشكيل الحكومة، وهي التي كانت سائدة قبيل الانفجار والمتعلقة بتوزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم