د. بسام الخالد
بعد حادثة الاعتداء على صحيفة “شارلي إيبدو” الفرنسية عام 2015م إثر نشرها صوراً مسيئة للإسلام، تعالت الأصوات في فرنسا والعالم لضمان “حرية التعبير” وتنادى رؤساء وزعماء العالم للتنديد والاحتجاج والتضامن مع فرنسا في محنتها، وبرّرت الحكومة الفرنسية وقتها أن ما نشرته الصحيفة يدخل في باب حرية الصحافة والرأي الحر!
بعد أيام عاودت هذه الصحيفة نشر صور مسيئة للنبي محمد وللمسلمين في تحدٍ صارخ لمشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم في العالم ما أدى إلى موجة غضب شديدة في عدد من دول العالم الإسلامي، وانبرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للدفاع عن الرسوم المسيئة التي نشرتها الصحيفة، تحت يافطة حرية التعبير أيضاً، وأوضح أن الصحيفة حرة ولا تتبع لجهة حكومية، وإن القانون الفرنسي يحترم الحرية الفكرية.
جميل هذا الكلام، وجميعنا يؤيد حرية الفكر بحيث لا تتعرض لمشاعر أي شريحة إنسانية سواء أكانت دينية أو عرقية أو عنصرية، ونتساءل في هذا الإطار، ماذا لو كانت ما نشرته هذه الصحيفة أو غيرها موجّه للدين اليهودي أو لـ “إسرائيل”.. ألن تُّتهم الصحيفة ومعها ماكرون وفرنسا برمّتها بمعاداة الساميّة؟!
منذ سنوات نشر الفيلسوف والمفكر الفرنسي “روجيه غارودي” كتابه الشهير: (الأساطير المؤسِّسَة للسياسة الإسرائيلية) والذي شكك فيه بـ “عدد” اليهود الذين أبادهم النازيون، ودحض بالوثائق والمستندات كل الأقوال والأسانيد الصهيونية عن أسطورة الإبادة الكاملة، وعلى الفور مُنع كتابه من التداول ووُجّهت له تهمة “إنكار وقوع جرائم ضد الإنسانية”، وبدأت مكائد ومضايقات اللوبي اليهودي له كالعادة، ولم تُتِح له “الديمقراطية وحرية الرأي” الفرنسية والغربية التعبير عن آرائه، وتمت ملاحقته ومحاكمته.. ولولا مكانة غارودي في فرنسا لتعرّض لما تعرض له كاتب فرنسي آخر هو ” بول راسينيه” الذي تحدث في كتابه: “غرف الغاز” الصادر في خمسينيات القرن الماضي عن أكذوبة “الهولوكوست” ووصفها بأنها أبشع وأفظع ادّعاء تاريخي عبر العصور، ما أدى إلى محاكمته وسجنه لفترة طويلة مع ناشر الكتاب!
آراء غارودي هذه ممنوعة من النشر لأنها تتعرض للأكاذيب الصهيونية عن الهولوكوست، وهي مقدسات لا يجوز المساس بها في عرف الديمقراطية الغربية!
ولم يتجرأ فرد أو مؤسسة أو مسؤول فرنسي أو غربي من الوقوف موقف تضامن مع روجيه غارودي أو الدعوة لمظاهرة أو وقفة احتجاجية ضد ما لاقاه من تعسف وتحقير وحملات تشهير.
لقد رصدتُ عدة تحولات للحرية الغربية فيما يتعلق بالثقافة والإعلام، على وجه الخصوص، وخلصت إلى نتيجة مفادها: أنت حرُّ فيما تقول بقدر ابتعادك عن “اليهود والصهيونية” وعن الحقائق التاريخية التي تدين ممارساتهم، أما عندما يكون الحديث عن العرب والمسلمين فالساحة الثقافية والإعلامية مفتوحة تحت قاعدة حرية التعبير واحترام الرأي!
هل تذكرون قضية الكاتب “سلمان رشدي”، الهندي الأصل، البريطاني الجنسية، الذي كتب رواية (آيات شيطانية) والتي تعرّض فيها بالنقد العنيف لآيات القرآن وتعاليم الإسلام، الأمر الذي أثار الرأي العام المسلم ضده وتمت المطالبة برأسه.. وبالطبع لسنا بصدد مناقشة هذه القضية فقد أُشبعت نقاشاً فيما مضى، لكننا بصدد الاحتضان الغربي لهذا الكاتب بحجّة الديمقراطية والحرية الفكرية، وتمت حمايته وتغليفه بـ “سلوفان” أمني مشدّداً حرصاً على حياته!
بالمقابل فإن الممثل العالمي المشهور “مارلون براندو” الذي اشتهر بدفاعه عن الملوّنين في العالم وتحدّى، من قلب هوليوود، التدخلات السافرة التي يقوم بها اليهود لتحويل وجهة السينما العالمية لصالحهم، هذا الممثل تعرض للتهديد بالقتل والنقد والتجريح من الأوساط الصهيونية وطالبوه بالاعتذار وإلاّ.. فالنتيجة معروفة!
بعـد نشر كتاب غارودي تم استصدار قانون جديد في فرنسا، بضغط من “اللوبي الصهيوني” ، ينص على التالي: (يعاقب كل من يقلّل علناً، أو ينفي، أو يسعى، إلى تبرير إبادة أو جرائم وقعت بحق الإنسانية).. ولا يخفى ما للبصمات اليهودية من وضوح في استصدار هذا القانون الذي مُنع بموجبه كتاب روجيه غارودي!
وهنا نتساءل: هل رَصَدَ هذا القانون جرائم الحرب والإبادات التي حصلت للعرب على أيدي الصهاينة منذ احتلالهم لفلسطين وما تلاها؟!
بالطبع نحن ندين كل عمل إرهابي يطال الأبرياء، ونتبرأ من كل الأشخاص الذين يتخذون من الدين الإسلامي ستاراً لتنفيذ أعمال تسيء إلى هذا الدين وتشوه تعاليمه السمحاء وتمنح الذرائع لكراهية العرب والمسلمين، لكن في المقابل نقف ضد التناقض الفاضح في (حرية الرأي) الغربي، رهينة اللوبي اليهودي المسيطر في العالم، الذي يشوّه، باسم الديمقراطية، صورة العرب والإسلام، ويمنع في الوقت نفسه، وباسم الديمقراطية أيضاً، كل كلمة تقال عن اليهود والصهيونية تحت شعار “حرية التعبير”!
(خاص لموقع اخبار سورية الوطن-سيرياهوم نيوز)