يحيى دبوق
لم يكن المتغيّر الأخير الأكثر بروزاً في مشهد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ميدانيّاً، بل جاء سياسياً من الداخل الإسرائيلي نفسه، مع منْح الوزير بلا حقيبة، بني غانتس، حكومة بنيامين نتنياهو، مهلة حتى الثامن من حزيران المقبل، لتلبية جملة من الشروط والمطالب المرتبطة بالحرب على غزة والمواجهة مع «حزب الله» شمالاً، وتهديده، في حال تجاهل تلك المطالب، بالانسحاب من الحكومة، ما قد يهدّد بتفكيكها. وإذ لا تتوافق مطالب غانتس مع إستراتيجية نتنياهو، ولا مع أهداف معظم مركّبات ائتلافه الحكومي من اليمين واليمين المتطرّف، فإن الحكومة ستكون أمام أسابيع من التوتّر السياسي على أعلى المستويات فيها، بما من شأنه التأثير نسبيّاً على الحرب، وإنْ كانت خطوة الوزير، من ناحية عملية، ليست قاصمة أو شديدة الوطأة على نتنياهو ومصير حكومته، وتبعاً لذلك على الحرب واستمرارها.وكان حدّد غانتس ستة مطالب، تُعدّ في ذاتها تحضيراً لانتخابات عامة مقبلة، أكثر من كونها تتعلّق بالحرب على غزة والمواجهة مع «حزب الله»، إذ جاءت على الشكل الآتي:
– القضاء على حركة «حماس» وحُكمها ونزع السلاح من القطاع.
– العمل على إيجاد بديل لحُكم غزة، يتمّ تشكيله من توليفة «أميركية وعربية وفلسطينية» خالية من «حماس» ومن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
– إعادة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم بحلول الأول من أيلول المقبل، في إشارة إلى ضرورة إيجاد ترتيب مع «حزب الله» حتى ذلك الحين، سواء عبر تسوية أو عبر مواجهة عسكرية واسعة.
– العمل على التطبيع مع السعودية ضمن إستراتيجية إيجاد حلف إقليمي – دولي لمواجهة إيران.
– اعتماد إستراتيجية لدمج كل مكونات إسرائيل في «خدمتها الوطنية»، في إشارة إلى خدمة «الحريديم» في الجيش.
إزاء ذلك، ثمة جملة معطيات يجدر التنبّه إليها، هي الآتية:
– لا تسقط حكومة نتنياهو في حال انسحاب غانتس منها، وإن كان من شأن هذه الاستقالة أن تشكّل بيئة ضاغطة أكثر على رئيس الحكومة في الداخل الإسرائيلي، كونها تعزّز الاحتجاجات ضده.
– سيكون نتنياهو أكثر عرضة للضغوط من ائتلافه، وتحديداً من اليمين المتطرّف، إذ في حال انسحاب غانتس من الحكومة، فلن يكون لرئيسها رافعة ضغط متبادلة ضدّ المتطرفين، وإن كان من الصعب على الأخيرين إسقاط الحكومة بمبادرة ابتدائية منهم، بالنظر إلى أن أيّ بديل آخر، في حال إجراء الانتخابات، سيكون مضرّاً وأكثر سوءاً لهم ولأهدافهم، التي يغلب عليها الطابع العقائدي.
لا يُستبعد أن تكون خطوة غانتس التهديدية، جزءاً من الضغط الأميركي على نتنياهو
– لا يُستبعد أن تكون خطوة غانتس التهديدية، جزءاً من الضغط الأميركي على نتنياهو، لثنيه عن الاستمرار في الحرب بلا استراتيجية، وهو ما تسعى إليه الادارة منذ أشهر. وسواء كانت الخطوة مدفوعة أميركيّاً – وهو الأرجح -، أو أنها جاءت لتتساوق مع ضغوط الولايات المتحدة، فالنتيجة واحدة.
– إذا كان قرار غانتس مدفوعاً أميركيّاً، فستكون واشنطن معنيّة أيضاً بأن تؤلّب حزب «الليكود» على رئيسه نتنياهو، وهو ما سيكون محل ترقّب في المرحلة المقبلة. وفي حال تحقق هذا السيناريو، فسيتضح أن خطوة غانتس كانت تمهيداً لخطوات أكثر تأثيراً على المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي، وتبعاً لذلك على مصير الحرب نفسها، وأيضاً على المواجهة مع «حزب الله».
– ثمة علامة استفهام كبيرة حول سبب اختيار غانتس الثامن من حزيران للانسحاب من الحكومة، ما لم يلبّ نتنياهو مطالبه – وهو ما سيحصل على الأرجح كما يبدو من ردود فعل الأخير -: فهل يتعلق هذا التاريخ بموعد انتهاء العملية البرية في رفح، والذي سيبقي إسرائيل في حرب بلا أيّ أعمال عسكرية حقيقية، وفي ظل مشاغلة وهجمات موضعية وروتين يومي ميداني؟
هل يعتقد غانتس أن إدارة الرئيس جو بايدن ستكون معنية، خلال أسابيع، لضيق الوقت وضغط الحملة الانتخابية، بأن تجبر إسرائيل هذه المرة على وقف الحرب؟ وهل يرى الاحتجاجات المؤيدة لصفقة تبادل مع دفع أثمان تطالب بها «حماس»، مرشّحة للتنامي بما يهدّد حكومة نتنياهو ويدفعها نحو السقوط القسري؟ هل مطالبه التي تبدو أقرب إلى برنامج انتخابي، مجرد محاولة لكسب الشارع الإسرائيلي، أم أن وراءها ما هو أكثر من ذلك؟
كيفما اتفق، وسواء كان سبب القرار واحداً ممّا ذكر أو كلّها مجتمعة، فالحكومة الإسرائيلية لا تسقط بانسحاب غانتس منها، إذ إن الأخير مركب طارئ عليها، فيما جلّ ما تشير إليه خطوته، حتى الآن، وفي حال لم تتبعها متغيّرات لاحقة، أن الحرب على غزة، وما يرتبط بها من مواجهات في جبهات أخرى، وصلت إلى حائط مسدود: إذ إن استمرارها لا يجلب نصراً، بينما وقفها دليل على الهزيمة، التي باتت أقرب وأكثر معقولية، ما يدفع مكونات الداخل الإسرائيلي إلى أن تتمايز بعضها عن بعض، وتتقاذف المسؤوليات حول هذا الواقع.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية