آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » غباء النفاق وفراقشة المنبر

غباء النفاق وفراقشة المنبر

 

 

 

ادريس هاني

 

هل تنتظر أن تخلوا الحياة من النّفاق؟ فإذن أنت لن تفهم الحياة البتّة. فينومينولوجيا النفاق تمنح الكمالات البشرية مُتعة الانتصار والتّحرّر، هي ملح الحياة في بنيتها التناقضية الخلاّقة.

بين اللغة والكلام مسافة عند أرباب فقه اللغة، وعلى رأسهم دوسوسور، نحن يمكننا أن نتكلم ونبدع داخل اللغة، لكن اللغة تضلّ مقياسا لُعثار الكلام، وجب التمييز بين الكتابة والشّفهي أيضا، من حيث انّ الكتابة جنس خاص، له تقنياته وزمانه ومُتعته ومعاناته…

يسكن النّفاق في الكلام، لا سيما الشفهي، لأنّ للنفاق تقنيته أيضا، وهو حتى وإن اخترق الكتابة، فهي كتابة من جنس الكلام لا تتقيد بفن الكتابة، لأنّ موازين الكتابة ومنطقها يجعل النّفاق مكشوفا، لأنّنا يمكننا إيقاف زمن الكتابة وإحالته إلى منطقها العام واختبار المحتوى. الكتابة وثيقة والشفهي فنّ تحريك الهواء ميكانيكيا.

متى تمّ تشريح الدّماغ، ذلك الدماغ الذي مرد وتغذّى على المغالطة، سندرك معرّة اللغة كبلاء، حين تنشقّ عن العقل وعن التزاماتها المنطقية، تصبح زُقاحا.

يحرس النّفاق على تشكيل سرديات غالبا ما تكون نابعة من غرف عمليات النّفاق، وهي سردية مكثفة تتوسل بتقنيات الإقناع، وهي لكي تحافظ على منطقها باعتبارها سردية من جهة واحدة، تكون خفية وغيبة.

عُثار الكلام غير الموزون بلاغيا ومنطقا، نجده اليوم في الكثير من أشكال التحليل السياسي العديم. كم يكون مضحكا حين يتحدّث خبراء التِّكرار عن الموضوعية والوثيقة والمفاهيم. خطورة النّفاق أنّ حامله الفردي أو الجمعي يشاركك كلّ شيء، حتى زفير المظلومين، يصعب أن تميز بين صورتين متشابهتين على أنّ ثمة مُمَيِّز بينهما ضمير. يا لها من مغامرة في حياة، ملح البلاء فيها زحف النفاق، وخبطة قدم التّفاهة هاهنا هدّارة. أيّها الغارقون في المُلام، ادخلوا مساكن عزلتكم ليحطّمنكم زحف النفاق، ولن تجدوا وسيلة غير الاستنزاف، وإن كان عمر النفاق قصيرا وزمنيته بقدر زمنية الميكروبات، تولد بالملايين وتموت بالملايين، فـ”وين الملايين”؟.

كم كنا ظالمين للقردة ونحن نراها تقفز من كتف إلى آخر، فهي على كل حال متصالحة مع نفسها، لكن حين تخرج عن طبيعتها وتحاول أن تتأنسن في منطقها، فهذا هو المسخ. ومثله ينطّ المنافق ويعطي دروسا في النضال المخلص، وربما استطاع أن يعد الضمائر، فيراه على رؤوس الأصابع، بينما فزعة من الفدائيين في الميدان قد تعد بالآلاف. لكن يبقى السؤال: من يقدم دروسا في الإخلاص والنضال، كيف يختار انتماء لأحزاب الهزيمة والتزحلق والتّملُّق؟ من يسمح بعضهم يتحدّث عن النّضال يظنّ أنّه انحدر من توباماروس، بينما الحقيقة أنّه شسع نعل في صُبّاط عليه غبرة الهروب. يمكن لأي مهرج أن يمازح في أي شيء، إلاّ المزايدة على من هم في الميدان أسود، لأنّ “النار هنا لا تمزح يا قردة”(مظفر النواب).

المنافق يصعب عليه الاعتراف، لا وزن له في الكون الجيوستراتيجي، ولكنه يتحرّق، لأنّ سرديته المزمنة أكلتها الآفات، كم هو ثقيل الاعتراف. يحاول أن يغير الحقيقة الماثلة بالزّعيق، قسم من الزاعقين على طريق النضال الكبير، هم في حالة مقاومة عوامل التعرية، تعويض التّاريخ بلعبة الحناجر، يثيرون الفتنة تارة وينقلبون عليها كما لو كانوا حكماء، انتهاك يومي للحقيقة، لعبة الشفهي.

لأجل ذلك كان النفاق ضرورة لكي لا يخلد الطيبون للدّعة، المنافقون حاجة حياتية لأنّهم يساهمون في استنفار الطيبين ويساهمون في تنشيط الدورة الدموية، كما يساهمون في تحريك تناقضاة العالم، ومن حيث لا يعقلون يخدمون مكر التّاريخ.

 

*فراقشة المنبر*

ثمة أبواق من غرف عمليات معروفة تسعى لتكرار التجربة المريرة في إذكاء الطائفية وتأويل ما لا يقبل تأويلا لقلب الحقائق، الغاية إيجاد شرخ وتوظيف حراس الاحتقان الطائفي الذين آلمهم إنجاز محور المقاwمة.

صيصان الطائفية كالزرزور (القطا)من فوق السور، يتوفرون على مخزون هائل من الجهل المركب، وافر كعلف البقر، لكن سينتهي صبيب التشنيع تحت الأقدام، لن يفلحوا أبدا، حتى مُنازلتهم مقرفة، كمن يلاحق وزغا أو يمشي فوق رؤوس الصراصير..تفتحت شهيتهم على المغالطة، عقول في حكم المَيْتَة، ضمائر عفنة، ويتعالمون، ويمعنون في التطاول على جهل سافر، وغباء فائق.

وقد تُصادف دعيّا قرديا مما تبقّى من فطايس النهروان، وربما ظنّ بعضهم أنّه فارس المنبر وسيف بن ذي يزن، بِتَمَسْرُحٍ “مُكَنْزَز”، يسابق الزمن في التهريج لكي لا يرى يوما مكرمة للذين صنعوا التّاريخ بالفعل لا بالتِّقوال. يكفي أنّ مرضى الطائفية والشوفينية يتألّمون أمام مكر التّاريخ، يرون كيف يصنع التاريخ أمام أعينهم، وهم في حيص بيص، يترنحون بين القول ونقيضه، ريشة في مهب الريح، لا هم يصنعون التاريخ ولا هم يحسنون الاعتراف، ولكنهم متفرجون كيديون في آخر المدرج على ماتش كروي حامي الوطيس.

وحياة شوارب غوّار الطوشه، لولا أني أعلم أنّهم صراصير لها “خُوار”، وفراقشة منبر نزت عليه قردة، لقلنا لهم كما قال الشيخ بليك الرّوكي(BLEK LE ROC): Mille castors

(سيرياهوم نيوز1-المنتدى)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل حان دور سورية في حرب التدمير والابادة؟

  ميخائيل عوض تزداد مناسيب القلق على سورية ومستقبلها وتكثر التسريبات والتحليلات عن خطط اجتياحها. فاين تذهب الامور؟ وما هي المعطيات؟ نتنياهو اعلن حربا وجودية ...