علي عواد
أطلق الملياردير إيلون ماسك في 27 تشرين الأول (أكتوبر) مشروع «غروكيبيديا» Grokipedia، وهو عبارة عن موسوعة رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تهدف إلى منافسة «ويكيبيديا» التي يتّهمها اليمين الأميركي بالتحيّز إلى اليسار.
جاء الإعلان بعد سلسلة انتقادات وجّهها ماسك للموسوعة، واعتبر أنّها فقدت موضوعيتها وتحولت إلى منبر أيديولوجي.
اختاروا اسم «غروكيبيديا» لأنه مشتق من «غروك»، الذكاء الاصطناعي الذي أطلقته شركة xAI التابعة لماسك.
في أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلن ماسك أنّ شركته «إكس إيه آي» تعمل على بناء موسوعة رقمية جديدة بعد نقاشٍ أجراه في بودكاست All-In مع المسؤول الأميركي ديفيد ساكس حول كيفية استخدام نظام «غروك» بيانات «ويكيبيديا» ومصادر أخرى لفهم العالم. وقد شبّه موقع «غيزمودو» المشروع بمحاولة سابقة أطلقت عام 2006 تحت اسم «كونسرفابيديا».
في عام 2023، قال ماسك ساخراً إنه سيتبرع بمبلغ مليار دولار لـ«ويكيبيديا» حال غيرت اسمها إلى Dickipedia. وقبل ذلك وبعده، لم تتوقف اتهاماته للموسوعة، وصولاً إلى تسميته لها «موسوعة ثقافة اليقظة» Wokepedia.
موسوعة بأجندة سياسية
أي بحث بسيط على «غروكيبيديا» عن الملف الفلسطيني يكشف سريعاً توجّه هذه الموسوعة المرتمي في أحضان السردية الإسرائيلية. وفي المناسبة، عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة عن سخطه من «ويكيبيديا»، خصوصاً خلال الإبادة التي حصلت.
الحقيقة أنّ الهجمة اليمينية على المجال الرقمي تتخذ اليوم شكلاً غير مسبوق، تحديداً مع الإدارة الأميركية الحالية، التي باشرت بتغيير قواعد اللعبة في الفضاء الإلكتروني بسرعة لافتة.
في الداخل الأميركي، ألغت إدارة الرئيس دونالد ترامب عملياً أي توجه لإعادة تفعيل قواعد حياد الشبكة أو دعم الشفافية الرقمية، مستعيدةً خطاب «تحرير المنصّات من قبضة الدولة» عبر قرارات تنفيذية تبدو في ظاهرها دفاعاً عن حرّية التعبير، غير أنّها في جوهرها تخفّض مستوى الحماية التي اكتسبها المستخدمون في السنوات الماضية.
البحث عن الملف الفلسطيني على «غروكيبيديا» يبرز تبنّيها السردية الإسرائيلية
في الوقت نفسه، كشفت شركات التكنولوجيا الكبرى عن تحولات موازية تدعم هذا المناخ الجديد: حذفت غوغل أرشيفاً كاملاً من الإعلانات السياسية التاريخية في الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ جمعه منذ عام 2018، ما يعني عملياً إزالة أداة أساسية كانت تُستخدم لرصد كيفية توجيه الحملات الرقمية وتأثيرها في الناخبين.
هذا الأرشيف كان يمثّل ذاكرة سياسية رقمية توثّق مسارات التمويل وأشكال الخطاب المستهدف، وحذفه يحرم الصحافيين والباحثين من تتبّع أنماط التضليل أو نفوذ رأس المال في المجال العام. بهذه الخطوة، تربح الشركات مزيداً من السيطرة على الذاكرة الرقمية، فيما يخسر الجمهور والفاعلون المستقلون القدرة على المساءلة.
إعادة صياغة الإنترنت
هذا الواقع يشي بتحوّل مختلف عن فكرة ولادة موسوعة جديدة أو معركة حول المحتوى. إن ما يحدث هو انتقال جذري في مركز الثقل المعرفي على الإنترنت: من منصّات مفتوحة المصدر تعرض المحتوى تحت رخصة المشاع الإبداعي إلى منصّات «معرفة» مملوكة من عمالقة عالم التقانة، يريدون عبرها «تطهير» الإنترنت من كل ما يخالف رؤيتهم.
«غروكيبيديا» مشروع أيديولوجي قبل أن يكون تقنياً. تتحرك المنصة داخل سياق سياسي واضح، وتُدار بعقلية تسعى إلى إعادة توجيه المعرفة باتجاه يميني محافظ. يدفع ماسك بمنصة توظّف الذكاء الاصطناعي لإنتاج سرديات مُبرمجة، فتتحول مهمة الموسوعة من تجميع المعرفة إلى إعادة تشكيلها بما يخدم تصوراً واحداً للواقع.
عبر هذا النموذج، تدخل الشركات التكنولوجيا الكبرى مرحلة جديدة تتجاوز دور الوسيط إلى دور «المُشرّع المعرفي»، يعني أنهم قفزوا فوق دور الناشر إلى دور الواعظ والموجّه. ولكي تعتقد تلك الشركات أن باستطاعتها أن تفعل ذلك، يعني أن الدور التقليدي الذي كانت منوطة به لم يعد نفسه. وإذا كان العالم فعلاً متجهاً نحو «الديموقراطية الرقمية» التي ينظّر لها عدد من الأساتذة الجامعيين، فهذا يوجب كفّ يد الشركات الأميركية الكبرى التي منذ حدّثت منظومتها التكنولوجية بالذكاء الاصطناعي عادت تساورها أطماع المستعمرين الأوائل.
من يملك اليوم القدرة على التحكّم بالحقيقة في عصر «الموسوعات المؤدلجة»؟ الشركات الكبرى ورجال الأعمال والمموّلون الذين يملكون التكنولوجيا والبيانات. يكتبون التاريخ كما كتبه أجدادهم الغزاة. الخوارزمية غربية، هذا واقع الحال. غير أنّ منطق الأمور يقول إن التكنولوجيا الحاسوبية صارت في مرتبة يتحتم الإشراف عليها أقله عبر القانون الدولي، بمشاركة كل الأطراف. المقاومة اليوم صارت رقمية.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
