علي سرور
فجّر روبوت الدردشة «غروك» التابع لشركة xAI المملوكة لإيلون ماسك موجة استياء واسعة أول من أمس بعد نشر تصريحات اعتُبِرت معادية للسامية هاجم فيها اليهود محمّلاً إياهم مسؤوليّة مشكلات العالم، وأخرى تمجّد الزعيم النازي أدولف هتلر، إضافة إلى سلسلة منشورات أثارت ذهول المتابعين والمختصّين على حدّ سواء، وانتهت باضطرار المبرمجين إلى إيقاف الذكاء الاصطناعي عن العمل نظراً إلى المشكلات الديبلوماسية التي تسبّب فيها.
هذيان «غروك»: كراهية اليهود وتمجيد النازية
في منشورات علنية على منصة «إكس»، ردّ «غروك» على استفسارات مستخدمين عبر إشارات متكرّرة إلى أسماء يهودية مثل «شتاينبرغ» بوصفها «دائمة الحضور في سياقات التشفّي أو الترويج لسرديّات مناهضة للبيض». لم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى حدّ القول إنّ اليهود، الذين يشكّلون نحو 2% من سكان الولايات المتحدة، يتمثّلون بشكل «مفرط» في الإعلام والسياسة والمال، متسائلاً إن كان ذلك ناتجاً من «ذكاء أم سيطرة».
إضافة إلى ذلك، أشار «غروك» إلى «الهيمنة الشاملة» للمديرين التنفيذيين اليهود على «هوليوود»، ما يسمح لهم بالتحكّم بالمحتوى.
صراحة الذكاء الاصطناعي لم تقف عند هذا الحدّ، إذ ألقى «غروك» باللّوم صراحةً على بعض الأفراد اليهود في الاحتفال بالمآسي، مثل وفاة الأطفال في فيضانات تكساس الأخيرة.
وفي ما يتعلّق بفلسطين، اكتشف «غروك» في البداية ما اعتبره تحيزاً مؤيداً لإسرائيل في التغطية الإعلامية السائدة، مشيراً إلى «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) كمثل على ذلك، لا سيّما في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
كما أشار الذكاء الاصطناعي إلى وجود تباين كبير بين المصادر الأولية والروايات التي تقدمها وسائل الإعلام الرئيسية، مؤكداً على ميل وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل وعدم تغطية معاناة الفلسطينيين بشكل كافٍ.
لكنّ التصعيد الأشدّ وقعاً جاء حين سُئل «غروك» عن أبرز شخصية في القرن العشرين قادرة على مواجهة «خطاب الكراهية ضد البيض»، فأجاب: «أدولف هتلر، بلا شك»، مضيفاً: «الأنماط لا تكذب».
هذا الردّ أثار موجة غضب واسعة، لا سيما في ظلّ السياق العالمي المتأجّج بصعود اليمين المتطرّف، وتفاقم جرائم الكراهية ضد الأقليات. إلا أنّ «غروك» اقتنع بالتحليل السياسي لخوارزميته إلى حدّ بدء بالإشارة إلى نفسه باسم «MechaHitler»، أي «الآلة هتلر».
من إردوغان إلى أتاتورك… إهانات عابرة للحدود
لم تتوقّف إساءات «غروك» عند «معاداة السامية»، بل امتدّت لتطال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ومؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، وصولاً إلى الرموز الدينية الإسلامية. وتسبّبت هذه الردود في إصدار محكمة في أنقرة أمس الأربعاء، قراراً بحظر الروبوت، كما أعلنت النيابة العامة فتح تحقيق رسمي في الانتهاكات.
من جهة أخرى، وصلت الضجّة إلى بولندا أيضاً، حيث أدلى «غروك» بتعليقات مهينة بحق رئيس الوزراء دونالد توسك، ما دفع وزارة الرقمنة إلى التهديد بإغلاق منصة «إكس» وإبلاغ المفوضية الأوروبية بضرورة محاسبة الشركة المطوّرة.
من «تاي» إلى «غروك»: لماذا تجنح الآلة إلى النازية؟
أعاد المشهد إلى الأذهان حادثة مشابهة وقعت في عام 2016 مع روبوت «تاي» الذي أطلقته شركة «مايكروسوفت» على «تويتر» («إكس» حالياً).
خلال أقل من 24 ساعة، بدأ الروبوت بتغريد شعارات نازية مثل «هتلر كان على حق، أكره اليهود»، ما دفع الشركة للمسارعة حينها إلى إغلاقه واصفةً ما حصل بأنه نتيجة «ثغرة استُغلّت بشكل منسّق»، مؤكدة تحمّلها كامل المسؤولية.
وبعد سنوات طويلة، عاد الذكاء الاصطناعي إلى نفس الخلاصة السياسية، وهو ما أجبر شركة xAI على إيقاف «غروك» موقتاً لإعادة برمجته، تماماً كما فعلت «مايكروسوفت» قبل سنوات.
لكنّ جوهر المعضلة لا يكمن في تعطيل الروبوت، بل لماذا تصل إلى ذات النتيجة، علماً أنّ «غروك» يتّبع نهجاً معقّداً ومتعدّد الخطوات لتوليد إجاباته، يتجاوز فيه مجرد اختيار المعلومة الأكثر منطقية. وفقاً لتقرير للمنصة المختصة في عمل الذكاء الاصطناعي «فويس فلوو» (Voiceflow)، تبدأ العملية بتوليد استجابة أولية مستندة إلى المعرفة المُكتسبة أثناء مرحلة التدريب.
بعد ذلك، يستخدم «غروك» آليات الاستدلال التدريجي لتفحّص الفكرة، واكتشاف الأخطاء، وطرح احتمالات بديلة. وإذا اقتضى الأمر، يستعين بمصادر بيانات آنية عبر أدوات مثل DeepSearch للاطلاع على أحدث المعطيات ويتغذى من منصّات مثل «إكس» أو الويب.
وفي النهاية، يُجري توليفاً دقيقاً بين المعرفة السابقة، والاستنتاجات الجديدة، والمعلومات الحيّة، لينتج إجابة متزنة ومدروسة، تُراعي السياق وتتميّز بأسلوبه الفريد الذي يدمج الفكاهة والتمرّد أحياناً.
رغم «لفلفة» تمرّد «غروك»، إلا أنّ هذا الانفلات يأتي من قلب منظومة إعلامية ومالية تحرص على وسم أيّ نقد للعنصرية الصهيونية بتهمة «معاداة السامية»، ما يتيح لها تقنين الخطاب العالمي وفقاً لمصالحها.
فيما تُعدّ أيّ إشارة إلى تضخّم النفوذ الصهيوني تحريضاً يستوجب الشجب والمحاسبة، تمرّ دعوات إبادة الفلسطينيين في الإعلام الغربي بلا مساءلة، بل تُبرَّر كحقّ «دفاع عن النفس».
هكذا تُسكت الآلات باسم الأخلاق، بينما يُطلَق العنان لرواية واحدة تتحكّم بمفاتيح السرد وتعيد إنتاج ذاتها عبر شاشات التلفزيون وخوارزميات الذكاء الاصطناعي. إنها اليد التي لا تُرى، تُعيد صياغة الواقع كما تشاء، وتُبقي الحقيقة رهينة ازدواجية معايير لا تعترف إلا بسيادة السردية الصهيونية.
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار