آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » غزة في الكاريكاتور العربي: الفن المقاوم شاهداً على محرقة القرن

غزة في الكاريكاتور العربي: الفن المقاوم شاهداً على محرقة القرن

 

أحمد مفيد

 

 

في «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» المقام حالياً في واجهة بيروت البحرية، نظّمت شركة «طش فش» (دار نشر) احتفال توقيع كتاب «فلسطينيات: غزة في الكاريكاتور العربي» للفنانة اللبنانية لينا مرهج.

 

يضمّ الكتاب أعمال 12 فناناً وفنانة من العالم العربي متخصصين في فن الكاريكاتور، وهم: أمية جحا (فلسطين)، جينا نخلة (لبنان)، حسين زقوت (فلسطين)، خالد الهاشمي (البحرين)، شريف عرفة (مصر)، صفاء عودة (فلسطين)، عماد سنوني (المغرب)، فادي أبو حسان (فلسطين)، كمال شرف (اليمن)، محمد سباعنة (فلسطين)، مراد كتكت (فلسطين)، ومو قاسم (فلسطين).

 

رسومات من السابع من أكتوبر حتى اليوم

يتناول الكتاب فن الكاريكاتور الفلسطيني عبر مجموعة من الرسومات التي تضيء على المآسي والانتهاكات التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. ويشارك في هذه المجموعة فنانون نصفهم من فلسطين (من الداخل والخارج) والنصف الآخر من دول عربية مختلفة. يركّز الكتاب على دور الكاريكاتور في توثيق المجازر، والقتل، والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، مقدّماً شهادة بصرية حيّة على هذه المرحلة.

 

(مو قاسم)

(مو قاسم)

تغطي الرسومات الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 حتى عام 2025. في هاتين السنتين تظهر تحولات كبيرة في السياقات والأحداث.

 

تنعكس هذه التحولات في الرموز المستخدمة، مثل رموز العبور في 7 أكتوبر والمثلث الأحمر، إضافة إلى تقنيات جديدة زادت من قوة التعبير البصري وتأثير الرسومات. ولكلّ رسام رؤيته الخاصة، ما يضفي تنوعاً بصرياً وتوثيقاً يومياً للأحداث.

 

تحوّل الكاريكاتور إلى وثيقة تاريخية توثق المجازر والمواقف الإنسانية اليومية، كرسمة لأم تحتضن طفلها الشهيد. وإذا قارنا رسومات 2023 مع رسومات 2025، سنلمس تطوّراً في الأحداث وتغيراً في السياقات. حتى عند تناول الحدث نفسه من قبل أكثر من فنان، فإن التفاصيل المختلفة تعمّق المشهد. يجمع الكتاب هذه الأعمال في وثيقة فنية تسجّل كيف عاش الفلسطينيون هذه المرحلة من تاريخهم في ظل إبادة غير منتهية.

 

لينا مرهج: مهمّتي توثيق أعمالهم

تقول لينا مرهج: «أرى أنّ مهمّتي كفنانة هي توثيق أعمال الفنانين الفلسطينيين، فأعمالهم تبقى شاهدة على جرائم الحرب، سواء عبر المنصات الرقمية مثل إنستغرام أو عبر الأرشيف المادي.

 

بعدما كان يُصوَّر

الفلسطينيون كضحايا،

باتوا اليوم مقاومين أبطالاً

 

وكان الدافع الأساسي لإصدار هذا الكتاب بالتعاون مع فنانين فلسطينيين وعرب المساهمة في توثيق ونشر الرواية الفلسطينية، إلى جانب إبراز فنانات مثل جينا نخلة وصفاء العودة كأصوات جديدة في عالم الكاريكاتور الفلسطيني، الذي دائماً ما هيمن عليه فنانون ذكور في مجالات السياسة والإعلام والفنون. وقد قدّمن رؤى مبتكرة، تضيف على الإطار البلاغي التقليدي الذي وضعه ناجي العلي برموزه المعروفة، إذ أدخلت الفنانات رموزاً معاصرة تعكس واقعاً جديداً، مثل «المثلث الأحمر» الذي يشير إلى المقاومة الفلسطينية، و «كفن الأطفال» الذي يجسّد فظاعة الحرب على المدنيين».

 

الفرق بينه وبين الكوميكس

يتوجه الكتاب إلى الجامعات والمكتبات العامة والمتاحف ومحبي فن الكاريكاتور والكوميكس، مع توضيح الفرق بينهما: فالكاريكاتور يتمحور حول صورة واحدة تختزل رسالة سياسية أو تاريخية قوية، بينما الكوميكس سرد قصصي متعدّد الأجزاء، أقرب إلى الأدب المصوّر. الكاريكاتور أقرب إلى السياسة والنقد اليومي المباشر، إذ يلعب دوراً نقدياً في تفكيك الواقع، ولا سيما في الأزمات. واليوم، في ظل تحالفات بعض الأنظمة العربية مع الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني، يطرح السؤال: هل يعكس الكاريكاتور هذه الخيانة؟

 

(جينا نخلة)

(جينا نخلة)

الجواب نعم، فبعض الرسامين لا يكتفون بانتقاد الاحتلال، بل يوجّهون سهام النقد إلى الأنظمة العربية نفسها، مثل الفنانيين الفلسطينيين واليمنيين، فشدة الرقابة في العالم العربي تمنع التعبير عن نقد الأنظمة العربية، وهذا من إدراك الأنظمة خطورة الرسامين وقدرتهم على التأثير، لذا تحاصرهم بالرقابة والملاحقة.

أما عن أبرز التحولات في هذا الفن فهو الرقمنة: في الماضي، كان القراء يتابعون الكاريكاتور عبر صحف يومية. ‏أما اليوم، فقد انتقلت هذه القوة النقدية إلى المنصات الرقمية، حيث تشهد الصحافة البديلة تحولاً جذرياً في كيفية استهلاك ‏المحتوى النقدي وتطوير رموز المقاومة في فن الكاريكاتور.

 

رموز الأمس و… رموز اليوم

خلال انتفاضة الحجارة، برزت رموز مثل الحجارة ‏والكوفية. أما ‏اليوم، فتظهر رموز جديدة كخنجر اليمن، والعلم الفلسطيني، والمثلث الأحمر، والبطيخة، وصور الأطفال ‏الشهداء. لم تعد هذه ‏الرموز محلية، بل أصبحت عالمية بفضل انتشارها عبر المنصات الرقمية‎.‎‏ وأيضاً أصبح الكاريكاتور أداة فعّالة في ‏مواجهة عملية «نزع الصفة الإنسانية» التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، عبر إعادة تقديم الواقع والمقاومة بلغة ‏بصرية تصل إلى الجميع.

 

والتحدي اليوم يتمثل في كيفية تطوير الرسامين لأساليب جديدة في المقاومة البصرية، خصوصاً في ظل ‏ظهور جيل جديد يجيد استخدام التقنيات الرقمية ويخاطب جمهوراً عالمياً‎.

 

عند المقارنة بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني، نلاحظ أن الصحف الورقية أكثر تشدداً تجاه الكاريكاتور وتفرض رقابة صارمة، بينما توفر المنصات الرقمية مساحةً أوسع للحرية. على إنستغرام، مثلاً، لا يوجد من يمنع الرسام من النشر أو يفرض عليه خطوطاً حمراء. لكن حتى على الإنترنت، يتعرّض الرسامون للهجمات، خصوصاً عند انتقادهم للأنظمة أو للاحتلال أو عبر خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي التي تحارب المحتوى الفلسطيني والمؤيد للمقاومة.

 

إضافة نوعية

يُقدّم كتاب لينا مرهج إضافةً نوعيةً في توثيق فن الكاريكاتور الفلسطيني، عبر إنشاء أرشيف متماسك لهذا الفن الذي تواجه أرشفته تحديات كبيرة. بينما تعتمد الأرشيفات التقليدية على حفظ الصحف المطبوعة أو منشورات التواصل الاجتماعي ــ المعرّضة للحذف أو الإغلاق ــ يصنع هذا الكتاب ذاكرةً ورقيةً دائمةً لرسومات الكاريكاتور التي وثّقت أحداث الحرب والمجازر خلال مدةٍ بالغة القسوة. هذا الجهد التوثيقي لا يحفظ الأعمال الفنية فقط، بل يحوّلها أيضاً إلى شاهد مرئي على لحظات تاريخية، ما يضمن بقاءها جزءاً من الرواية البصرية الفلسطينية للأجيال القادمة.

 

نظرة تاريخية

شهد فن الكاريكاتور الفلسطيني تحولاً لافتاً في تمثيل الشخصيات. بعدما كان يُصوّر الفلسطينيين كضحايا، بات يقدمهم كمقاومين أبطال، بينما يجسّد قوات الاحتلال ككائنات مجردة من الإنسانية.

 

وتكشف دراسة لـرنتا مايكلز أنّ فناني الكاريكاتور اعتمدوا أساليب متنوعة لنزع الصفة الإنسانية عن الخصوم، مثل تصويرهم كوحوش أو أعداء للبشرية.

 

على سبيل المثال، قدّم خالد الهاشمي وكمال شرف رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو كـ «صياد متوحش» بينما رسمه سنوني كـ «فائز دموي» في أولمبياد القتل.

 

كما لجأ الفنانون إلى الرمزية الحيوانية، فظهر الاحتلال ذئباً مفترساً أو ثوراً هائجاً، وأنوف جنوده هي أنوف الخنازير. وفي رسم لافت لـسنوني بعنوان «الفئران الإسرائيلية»، يظهر فأر مرتعب يُطعن بسكين ضخمة كُتب عليها «غزة».

 

أمية جحا (فلسطين)

أمية جحا (فلسطين)

ولم تتوقف الأدوات عند هذا الحد، بل امتدت إلى توظيف الصور النازية، إذ قدّم مو قاسم نتنياهو كامتداد لـهتلر في محاكاة ساخرة للوحة «خلق آدم» الشهيرة. وبهذا، يكتمل تجريد الاحتلال من إنسانيته، ليُختزل في رموز الحرب من دبابات وبنادق وصواريخ. هذه التحولات البصرية تعكس معركةً موازيةً في الخطاب الإعلامي، إذ يصوغ الكاريكاتور رواية المقاومة بأسلوب درامي يصعب تجاهله.

 

أعمال ثنائية اللغة

رغم أن الكاريكاتور غالباً ما يعتمد على البلاغة البصرية من دون الحاجة إلى النص، إلا أن بعض الأعمال – مثل تلك التي قدّمها الفنان ‏الشهيد ناجي العلي – تمزج بين الصورة والكلمة، وهو ما أعطاها تأثيراً عالمياً.

 

واليوم، نرى جيلاً جديداً من الرسامين ينتجون أعمالاً ‏ثنائية اللغة (عربية/ إنكليزية) بهدف توسيع دائرة التأثير. وقد بدأت صحف عالمية فعلاً بنشر أعمالهم، خصوصاً بعد الحرب ‏الأخيرة على غزة‎.‎ وهذا واحد من التحولات المهمة في ظل الإبادة الجماعية المستمرة ضد الفلسطينيين، حيث استُشهد أكثر من 45 فناناً وفنانة في غزة، من بينهم الفنانة محاسن الخطيب التي كانت تنشر أعمالها بشكل رئيسي على إنستغرام.

 

الشهيدة محاسن الخطيب

قبل يومين فقط من استشهادها، نشرت محاسن الخطيب رسمة للشهيد شعبان الدلو الذي استُشهد حرقاً بعد قصف العدو لـ «مستشفى شهداء الأقصى» في تشرين الأول (أكتوبر) 2024. عمل محاسن أصبح مادة توثق الإبادة، لذلك أقدم العدو الصهيوني على اغتيالها بعد أيام من هذه الرسمة. ورغم القصف والحصار، لا يزال فنانون في غزة يرسمون يومياً، موثقين جرائم الحرب بأعمالهم، ما يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن دعم هذا الجيل من الفنانين ليستمروا في الإبداع والنشر رغم الظروف القاسية؟

 

في الختام، يمثل هذا الكتاب شهادةً فنية وتاريخية على دور الكاريكاتور في ‏مقاومة محاولات «نزع الصفة الإنسانية» عن الشعب الفلسطيني، مع طرحه لتساؤلات جوهرية حول مستقبل الفن المقاوم في ‏ظلّ التطورات التقنية وتحديات الرقابة.‏

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

منصة رقمية لتوثيق العدالة الانتقالية.. مشروع مرتقب بين وزارة الثقافة والمركز السوري للإحصاء والبحوث

    بحث وزير الثقافة الأستاذ محمد ياسين صالح مع وفد من المركز السوري للإحصاء والبحوث؛ مشروعاً ثقافياً حقوقياً نوعياً لتوثيق مسار العدالة الانتقالية في ...