لم يجد الفلسطينيون العائدون إلى مدينة غزة بعد اتفاق وقف إطلاق النار سوى الركام، واضطر كثير منهم لنصب خيامهم على أنقاض منازلهم المدمرة، في مدينة أخفى القصف الإسرائيلي معالم أجزاء واسعة منها.
وتقول أم رامي لبد (46 عاماً): “الحياة صعبة جداً، لا أعرف كم سنصمد، لا يمكنني التوقف عن التفكير”، معربة عن أملها بأن يُسمح لسكان القطاع المدمّر بإدخال “خيام على الأقلّ”.
عادت أم رامي إلى حيّ الكرامة في شمال غرب المدينة بعد نزوحها مع العائلة لمنطقة المواصي في جنوب القطاع، بعد الإعلان عن وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس” قبل أيام، بعد حرب دامية استمرّت سنتين.
وعلى غرار أم رامي وعائلتها، عاد عشرات الآلاف إلى مناطقهم في الأيام الماضية، إلا أن مظاهر الحياة ما زالت معدومة في هذه المدينة الساحلية المنكوبة التي دُمرّت بنيتها التحتية بالكامل.
جمعت مع أطفالها ما تبقى من خشب أثاثهم، وبعض الملابس، وأسطوانة لتعبئة الغاز، وما أمكن جمعه بين ركام ما كان في السنوات الماضية بيتها وبيت عائلتها. وتقول: “بقينا نجمع الأغراض حتى حلّ الظلام، نجمع كل شيء، أي شيء نجده سنستفيد منه، سنبيع ما جمعناه من البلاستيك وسنستخدم الخشب للطبخ أو لعمل مرحاض”.
في شمال غرب المدينة التي كثّفت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية فيها خلال الأسابيع الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، تبدو الطرق خالية محاطة على الجانبين بأبنية متضرّرة أو مدمّرة تماماً.
وتروي أم رامي: “كنت أنظر نحو الشرق ولا أشاهد شيئاً على امتداد البصر، كنت مذهولة، المناطق ممسوحة تماماً، لا يوجد مبان في منطقة النفق، وحيّ الشيخ رضوان مقلوب رأساً على عقب”.
وتروي: “كاد قلبي أن يتوقف حين رأيت البيت، نزحنا للجنوب بداية الحرب وعدنا للعيش في منزلنا رغم أنه كان مدمراً جزئياً، لم نغادره إلا حين سقطت القذائف على العمارة المجاورة”.
وتضيف بحسرة: “الأمل الوحيد الذي كان متبقياً لنا، دمّروه بالكامل”.

النوم في الشارع
في حي النصر المجاور، وجد حسام ماجد منزل عائلته قد سوّي بالأرض بعد عودته للمدينة فور إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.
ويقول الشاب البالغ 31 عاماً: “كدت أفقد وعيي حين رأيت البيت، لم يمرّ شهر على نزوحنا منه للجنوب، كان البيت يضمّ عشرات النازحين، هربنا حين اقتربت الدبابات”.
أصبحت العمارة المكونة من عدة طوابق كومة من الركام، لكن حسام نجح بجمع بعض المقتنيات، من بينها برميل مياه كبير وقطع أثاث.
ويقول: “نقوم بحراسة المكان، اللصوص يسرقون كل شيء، وقد ينصب أحدهم خيمة أمام المنزل فلا نتمكن حتى من العيش على ركام منزلنا”.
لم تعد كل عائلته من جنوب غزّة بعد، بل عاد هو “لتجهيز المكان ونصب خيمة لاستقبالهم”، كما يقول.
لكنه يضيف: “الوضع صعب هنا (..) لا حياة في المدينة بعد، حتى الطعام أغلى هنا من الجنوب لأنه غير متوفر، لا كهرباء، لا ماء، ولا إنترنت”.
ويضطر حسام ماجد ومن هم إلى جواره إلى المشي كيلومترين ونصف كيلومتر لملء عبوات الماء.
على غرار آلاف العائدين، لم يجد أحمد صبيح “أثراً لمنزل أو سقف أو أي شيء”.
ويقول فيما يتأهب لتجهيز خيمة وحمام: “من لم يمت بالقصف سيموت بجلطة قلبية من القهر”.
ويقول مصطفى محرم الذي وجد أيضاً منزل عائلته المكوّن من ثلاثة طوابق مدمراً في غزة، إنه نصب خيمة لعائلته بجوار منزلهم المدمّر، مضيفاً:”لا يوجد مياه للشرب، ولا حتى مياه مالحة، لا يوجد شيء من مقومات الحياة الأساسية هنا”.
ويتابع: “ذهب كل شيء. تحوّل كلّ شيء رماداً، لا يمكن العيش هنا”.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار اللبنانية