وسام كنعان
القاهرة | تبدو مشكلة وثائقي «غزّة التي تطلّ على البحرّ» (82 دقيقة ـــ إخراج محمود نبيل أحمد) الذي عُرض أخيراً ضمن «مهرجان القاهرة السينمائي» المستمرّ حتى 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، تماماً مثل مَن أراد أن يوثّق معاناة طفل لا يملك ثمن حذاء نتيجة حصار جائر بينما صفعه القدر أثناء محاولاته التوثيقية تلك بمجموعة كبيرة من الأطفال الذين فقدوا أطرافهم نتيجة حرب همجية! فقد مخرج الشريط برفقة أصدقائه اقتراح محاولة سينمائية جادة لتوثيق حياة مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون في غزّة، على أساس أن تكون البلاد وهويّتها الاجتماعية، وبحرها هي العوامل التي تشكّل القاسم المشترك الأكبر بين شخوص الفيلم. وقد صور الفيلم في شهر آب (أغسطس) من عام 2022، فإذا بـ «طوفان الأقصى» يقلب المعادلة ويفقد الفيلم جزءاً كبيراً من قيمته، طالما أنّ الواقع تفوّق على الدراما بأشواط، وصارت المشاهد التي توثّقها المقاومة هناك عن الاشتباكات من المسافة صفر هي سيّدة المشهد، ولم يعد شيء ينافس صور الدمار والموت وشلال البحر الهادر في أبشع عملية إبادة جماعية في تاريخ العالم!
مع ذلك، يدافع صنّاع الفيلم في حديثهم معنا عن خيارهم بالقول: «نحن فقدنا تلك الحياة الاجتماعية، وسوّيت البيوت والأحياء بالأرض، وتحوّلت غزّة إلى كومة رماد محترقة، ولا نعرف من استشهد، ومن بقي على قيد الحياة من شخصيات الفيلم، فكان لا بد من التوثيق قبل تعرّضها للإبادة والمجازر!»
على أيّ حال، تجول كاميرا غزّة المطلة على البحر، لتلتقط حكايات عادية لأشخاص غير عاديين، على الأقل بذريعة البقعة الجغرافية التي يعيشون فيها، وتجرّب أن تصوغ جسور ترابط بينهم من دون حبكة درامية أو تدخّل إضافي، إنما عبر توثيق شكل الحياة الزاهدة أصلاً بكل سبل العيش والمستعدة دوماً للموت.
نتابع رجلاً يعمل في رعاية الخيول ونقترب من يومياته وشكل المتعة والتسلية خارج أوقات عمله. هناك أيضاً رجل مسنّ يجرّب النضال للبقاء على قيد الحياة، وإثبات أنه قادر على العمل مع تذمّره من عائلته التي لا توليه العناية الكافية، ونرى فلسطين من وجهة نظر زوجته المسنة وكيف يمكن أن تحكي عن القضية بمنطقها العفوي والبسيط، و«معهد سيّد درويش» لتعليم الموسيقى والغناء وروّاده وآلية عمل الأساتذة فيه المفعمين بالبساطة والمسيّجين بالفن والعزف! هؤلاء أيضاً لهم طريقتهم في قضاء وقت الفراغ، بأن يلعبوا الشطرنج على الكومبيوتر! إلى جانب ذلك، سترصد العدسة جلبة الأسواق والشغل اليومي المتواصل ونبض الحياة التي كانت تضجّ به المدينة المنكوبة.
أما نجم الفيلم، فهو رجل أوفى بكلّ عهوده لعائلته، وأمّن من وجهة نظره مستقبل أبنائه الحياتي والمادي، ثم اعتزل الجميع ليعيش على البحر بمفرده. يصطاد طوال النهار ويسبح ويدير نقاشاته مع الماء، ويشكو همومه لصوت الموج! رجل كأنه قبطان خاض حروباً بحرية حتى أُنهك، فقرر أن يستقيل بعيداً من المخاطر إنما على شاطئ آمن!
في النهاية، سينوّه الشريط بأن صنّاعه لا يعرفون من بقي على قيد الحياة ومن استشهد، وسيحمّلون العالم كلّه وزر الجرائم التي تبيد أرضهم وشعبهم وسيترك الشارة الختامية لصور متلاحقة من مسلسل الموت اليومي المستمر بفعل الكيان الصهيوني منذ أكثر من عام!.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار