الرئيسية » ثقافة وفن » غسان كنفاني.. ظاهرة أدبية متميزة

غسان كنفاني.. ظاهرة أدبية متميزة

خمسة عقود ونيِّف على وفاة غسان كنفاني ومازالت النكبة قائمة والمخيم ثابتاً لكاتب كان قلقاً، ما سمح له أن يجول في فضاءات واسعة في كلِّ شيء.
كان الروائي والقاص والإعلامي والرسام غسان كنفاني جزءاً من الحركة الفلسطينية. إنَّه المثقف العضوي. قدَّم حياته لفكر المقاومة، وقوته تكمن ببذل روحه ثمناً لبلاده، الأفكار القيِّمة لخصتها ندوةٌ عنوانها: «أدب النكبة الفلسطينية.. غسان كنفاني أنموذجاً»، شارك فيها الناشر سعيد البرغوثي والدكتوران: ثائر عودة وحسن حميد في ثقافي أبي رمانة.
لم يسبقه أحد
سعيد البرغوثي رأى أنَّه لا يوجد كاتب أو مبدع ظفر بما ناله غسان كنفاني من مراجعة وتحليل وقراءات. ودائماً يكتشف بأنَّ هناك جديداً لم يطله أحد بحكم نتاجه الغزير والمهم، ولم يسبقه أحد إليه، فميِّزته أنَّ عينيه كانتا مسلطتين على الوضع الفلسطيني فعندما كتب «رجال تحت الشمس» لخَّص الرمزية بطرق باب الخزان، واعتبرها دعوة وجهها إلى جموع بسيطة من الشعب للخروح من سجنهم كي ينتفضوا، بينما أغفل أصحاب الملايين، بينما حمل مضمون رواية «ماتبقى لكم» دعوة للحراك فكانت الساعة والخطوات في الصحراء تنبض، والجنين في بطن أمه ينبض، وكان هناك بعض تباشير، وكان الأساس في «خيمة أم سعد» بأن خيمة عن الأخرى تختلف حسب ماقالته أم سعد كناية عن خيمة الفدائي؛ وليست خيمة المخيم، كما عكست رواية «عائد إلى حيفا» الوضع الفلسطيني، وتفاعله معه؛ ولم تكن القضية الفلسطينية جابهت أي انتكاسات أو مشاكل بل كانت في أوجها عام ١٩٦٩، لذلك حمل هاجس غسان جوهر الإنسان المنتمي للقضية، وبيَّن ملخص كلمته في الرواية بأنَّ الإنسان قضية على مدى العصور.
كما أشار البرغوثي إلى أنَّ غسان كنفاني وناجي العلي ومحمود درويش أسماء اختارها العدو الصهيوني هدفاً له كونها أيقونات، فقصة «المفتاح» لدى الكنفاني يتحوَّل إلى مايشبه الفأس لباب يتميز عن بقية الأبواب ولا يشبه مفاتيح بيوت البلدة.
أدبه لاينسى
بدأ الدكتور ثائر عودة اقتباسه من الكاتب «يوسف سامي اليوسف» في كتابه «رعشة المساء» قائلاً: «لو أن هذا الكاتب، أتيح له الوقت الكافي لكان لدينا الآن واحد من أهمِّ كتَّاب العالم من كتبوا عن التراجيديا الفلسطينية»، لذلك كان يعرف مَنْ اغتاله أنَّه اغتال مشروعاً كان ذا مكانة عالمية بامتياز، متسائلاً: لو لم يكن غسان كنفاني فلسطينياً هل كان الاحتفاء به مستمراً بعد مرور خمسة عقود ونيِّف على رحيله؟ ولو لم يكن فلسطينياً هل قتله «الكيان الإسرائيلي» بعد اتخاذ قرار من « جولدا مائير» بالموافقة على قتله؟ لو كان أي كاتب آخر يكتب كتابات ماسخة مائعة تُهَوِّل بالذاتية، ويتناول أشياء لاتعني أحداً يكون مصيره من المقرَّبين، منوِّهاً إلى رواية» قناع بلون السماء» للأسير باسم خندقجي الفائزة بجائزة البوكر، وتعتبر ذات مستوى عالٍ مختلف، ويحق لها الفوز ونيل الجائزة من لجنة تحكيم ترأسها الكاتب نبيل سليمان، متسائلاً عن كيفية خروج الرواية من سجن الكيان الصهيوني؟ محللاً الرواية ومكوناتها الفنية بأنَّها تحمل في مضمونها سردية ونمطية جديدتين تختلف بأسلوبها عن غيرها، وخاصة أن كاتبها مازال في العقد الرابع من عمره.
كما عاد الدكتور عودة إلى الكاتب الكنفاني خلال حديثه وأكَّد أنَّه كتب أدباً خالداً لا يُنسى، كونه استشرف المستقبل بأن فلسطين حق لايموت وستعود لأصحابها الشرعيين، وكتاب كنفاني «اِعرف عدوك» تبدو في الصفحة الأولى أفكار: بأنَّ مامن مشروع سياسي دون جذور ثقافية، وأنَّ المتتبع للأدب الصهيوني يرى أنَّ الصهيونية الأدبية ومؤسساتها السياسية تستند إلى الصهيونية الثقافية. إنَّ أول كتاب صدر للكنفاني كتب في المجال نفسه، ولم يسبقه أحد من قبل ربما في مراحل لاحقة اتجه لذلك الكاتب المصري حسن بحراوي.
مشيراً إلى أنَّ غسان كنفاني كان مؤسسة كاملة يحار المرء في تصنيفه، ولا يستطيع أي ناقد أو صحفي أو كاتب عندما نتحدث عنه أن لا يلصق به صفة أو صفتين، بل إنَّ الناقد، المؤرخ، الصحفي، الفنان يعي الشتات، وأكبر نقطة يمكن تناولها في أدبه، تصوير التشرد والتهجير؛ بينما رفض البكاء والعويل والندب والإغاثة في مضمون الرواية الفلسطينية، وعكسها أدباء مابعد النكبة أمثال جبرا إبراهيم جبرا، إميل حبيبي وغيرهم.
آني كنفاني
بدوره الدكتور حسن حميد أشار إلى لقائه بزوجة غسان كنفاني «آني» لمرات عديدة أثناء دراسته العليا في الجامعة اللبنانية في بيتها بيت غسان والمؤسسة العامل بها، ولم يرد من خلال لقائه بها الاستحواذ على أسرار جديدة لم تَدُرْ عن حياته أو كتاباته أو الحصول على حوار صحفي؛ بل الهدف معرفة غسان كنفان الحقيقي بعيني زوجته كما وعدته، مبيِّناً أنَّها تحدَّثت عن جديته وشخصيته المواراة بالحركة والتفاعل وسلوكيته المدهشة بانتباهتها وحساسيتها تجاه كل شيء في محيطه، الخير والحدث والكتاب والأصدقاء والفنون والوثيقة والخريطة والطعام الطيب، وحياته كانت موزَّعة بين سخط ورضى، ضاج بحماسته الشبيهة بحماسة الأطفال، مؤكداً الدكتور حميد على مدى وفائه للقاء آني كنفاني، فكان حلمه مشدوداً إلى الظفر ومحو ما جاءت به النكبة الفلسطينية، وثاني العتبات بأنه ينبغي على الفلسطيني نشر كتاباته الأدبية عبر كل أشكال الخطاب المتعارف عليه لأنَّ انتشار الرواية الفلسطينية وصورها والتعريف بحمولة النكبة، وما أفصحت عنه من ويلات وآلام، طارحاً خلال حديثه صعوبات وعقبات وصول الرواية الفلسطينية إلى أحلامها ثمَّ لخصها بأهمِّ النقاط مثل تشظي المكان الفلسطيني كونه الحيز المقسوم بين ضفتين لكتَّاب فلسطين. الأولى: الوطن الأم؛ والثاني المنافي، إضافة إلى أنَّ المنتج الثقافي والفني، أي اختلاف محتويات الكتاب أو مايعانيه من عدم الوصول إلى المكان الآخر، لأنَّ الحدود أوجدها الكيان الصهيوني داخل الوطن الفلسطيني المحتل، ما يحول دون وصول الكتاب المطبوع من غزه إلى القدس ورام الله والبلدات الفلسطينيه الأخرى، فأصبح لا يقوى على تجاوز الحدود العربية إلا عبر استثناءات قليلة ما يحدُّ كثيراً من معرفة مايفعله الصهيوني من تحوير وتغيير وتهويد للمكان الفلسطيني وما يقترفه أيضاً داخل السجون.
وتظهر مشكلة تواجه الطالب الدارس في أهمِّ الجامعات العربيه لكنّ قراءة الحال الفلسطينية ولاسيما الثقافية، منذ نصف قرن، وحتى الآن مازالت تقف حائلاً دون قراءة مدوّنته الأدبية، ولم يلتفت إليها القائمون على شؤون الجوائز العربية، وبعضها لا تدخل الكتاب الفلسطيني في حساباتها أصلاً، ومنذ أن يصل إليها تبرز أهمُّ مشكلة تواجه الكتاب الترجمة فمن يجرؤ على ترجمة التعبير الأدبي، الفكري، الاجتماعي، الفني الفلسطيني إلى لغات أخرى، لكي يعرف الغرب الأساسيات كونه المُسبِّب للمأساة الفلسطينية للرواية الحقيقية لغربٍ يدَّعي المدنيَّة والحضارة ورهافة السلوك والتعلق بالفنون وعشق السلام، خاتماً حديثه عن العقليات الخائفة والرؤى القاصرة ولابدَّ من التصويب، لأنَّ الجرح الفلسطيني غائر في الجسد العربي الواحد، وعدم الاهتمام ببقعة مكانية وحضارية مثل القدس لا يعوِّضه أيُّ اهتمام.

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز 2_الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وإنّما أولادُنا بيننا.. أكبادُنا تمشي على الأرضِ … في يوم الطفل العالمي.. شعراء تغنوا بالطفولة

  قد تجف أقلام الأدباء وتنضب أبيات الشعراء ولا ينتهي الحديث عن جمال الأطفال وذكريات الطفولة في عمر الإنسان؛ فالطفولة عالم مملوء بالحب والضحك والسعادة، ...