آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » غلافٌ واحد وثلاثة كتبٍ.. سنية صالح حكاية شعرية في الزمن الضيق

غلافٌ واحد وثلاثة كتبٍ.. سنية صالح حكاية شعرية في الزمن الضيق

“جسدُ السماء مُظلمٌ وحزين،

فليكن حد الليلُ آخرَ المطاف..

الإضاءةُ وهميةٌ ومؤقتة،

وأكثرُ حساسيةً أجنحةُ الصمت..”

عدد من المصطلحات النقدية تساوقت مع تجربة الشاعرة السورية سنية صالح (1935-1985)، واستمرت مع تلك القراءات النقدية تتكرر في كلِّ مناسبة عن هذه الشاعرة من مثل إصدار كتاب، أو إقامة ندوة عن تجربتها وغير ذلك..

رغم أن تجربة هذه الشاعرة الاستثنائية إن لم تنفِ تلك المصطلحات؛ فهي على الأقل تضعها في خانةِ عدم الدقة.. الشاعرة سنية صالح التي سبق إن تمّ الاحتفاء بنتاجها في ثلاثة إصدارات.. هي (وقائع الندوة النقدية – سنية صالح شاعرةٌ في الظل) الذي أعدّهُ كلٌّ من إسماعيل مروة ونزيه خوري، وصدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.. وهنا نُذكر إن وزارة الثقافة – مشكورةً- كانت قد أصدرت “الأعمال الكاملة” للشاعرة سنية صالح؛ سنة 2006م، الذي يكاد يكون المرجع الأشمل، والأكثر اطمئناناً الذي يجمع نتاج هذه الشاعرة في كلِّ ما كتبت، وليس شعرها فقط.. كما أنَّ دار المدى العراقية؛ كانت أصدرت في وقتٍ سابق كتابها “الأعمال الكاملة”..

غير أن اللافت في الكتب الثلاثة؛ أنها اعتمدت الغلاف ذاته، فيما يُشبه تكريس صورة أحادية عن هذه الشاعرة المتنوعة صاحبة التجربة الغنية، كما اعتمد الكتاب الأحدث (وقائع ندوة نقدية)، الكثير من المُصطلحات النقدية التي تحدّث عنها الكتابان السابقان والكثير مما كُتب عن صاحبة “ذكر الورد”، فكيف لشاعرة أن تكون في “الظل” وهي التي تـَغنى في تجربتها العشرات نقداً ودراسة وقراءة، وفتحت قصائدها الكثير من دروب الإبداع لعشرات الشاعرات، بل كيف لـ”معطف” شاعرٍ أن يحجب بريق تجربة استثنائية كتجربة الشاعرة سنية صالح، ومهما كان معطفه فضفاضاً وواسعاً..

“أيها الرجلُ الشامخُ

كالتاريخ؛

أغمرني.. أغمرني بحبك وملحك،

وأمواجك..

أنا الغابة المُلتهبة بالحب..”

إذ كثيراً ما توصف الشاعرة صالح؛ بالشاعرة الصامتة، أو شاعرة الظل، وغير ذلك من مفردات الإنواء.. صحيح أنّ سنية صالح عاشت معظم سني عمرها قرب شاعرٍ إشكالي بقي طول الوقت يُحدث الجدل؛ لاسيما لجهة “التراكيب الشعرية” التي كان يسردها، وأظنُّ هنا كانت لعبته الشعرية، وأعني بالتأكيد زوجها الشاعر محمد الماغوط.. غير أنّ تجربة سنية صالح التي ظًلمت إعلامياً؛ كانت محنتّها إنها جاورت تجربة الماغوط إنسانياً وإبداعياً.. مع ذلك لا الجلبة، ولا الصمت؛ استطاعا أن يُخففا من وهج الصوت الشعري لسنية صالح..

“ماذا تفعلُ في الحرب؟؟

أهرب،

أغني مثل غراب،

أمرض،

ربما أموت..

وأنت؟

ألتصق أكثر وأكثر بمن أحب..”

من هنا؛ فإنّ وصف “شاعرة في الظل” لا يليق بتجربة صاحبة “الزمن الضيّق”، التي لاتزال شمسها مُشرقة في المشهد الشعري العربي كله، وليس السوري فقط.. فقد “كان الشعر شطراً صميمياً من حياتها.. كان وصيتها وصوتها الذي يبقى..” على ما تصفها شقيقتها الناقدة خالدة سعيد في مُقدمة الأعمال الكاملة.. ذلك أنّ هذه الشاعرة كانت تكتبُ القصيدة كأسلوب حياة، وليس استعراضاً أنثوياً، ولا حتى ادعاء فروسية ساخرة كما الكثيرين من مُحيطها، وعلى ما تروي شقيقتها، أنه لم يُعرف عنها شغفها بقراءة الشعر، أو كتابته إلا عندما فاجأت الجميع بفوز قصيدتها “جسد السماء” بجائزة الشعر التي أعلنتها جريدة النهار سنة 1961م.. وتضيف: سنية فاجأت الجميع؛ لأنها كانت صامتة، ودخلت دائرة الشعر بلا مُقدمات، ودون ادعاء.. وبرأيها لقد كانت هذه القصيدة؛ علامة على مجيء سنية من خارج المورثات، ومن خارج المألوف، وأيضاً من خارج التيارات الجديدة التي كانت تُصارع للصمود.. وقد سُئلت مرةً عمّا إذا كان شعرها يصدر عن تجربة أم عن ثقافة، فأجابت: الشعر عملية عبور النار، اشتعال الجسد والعقل والمُخيلة بحمى الكشف، والبرق الذي يُفاجئ الشاعر في أثناء ذلك لا يعنيه حدود ما يجري وأهدافه.. تذكر خالدة سعيد: لقد عاشت سنية مُغلفة بيقينها الشعري، مُتعلقة بالأمل الذي يجيء من لدن الشعر، بل لائذة بعصمة الحقائق الشعرية، وببهاء هذا العالم الذي أعطاها مفتاحه وأجزل الوعود، كانت مُعتدّة بهذه الخصوصية بالشعر، بل بهذه العلاقة الخصوصية بالشعر، بل بالعلاقة شبه السرية مع الشعر، بعيداً عن المنابر والأضواء والعناوين.. كان الشعر وعدها وعزاءها ومفتاح السر، ولانكاد نلمس مرارة أو خيبة إلا في قصيدتها الأخيرة “غراب يطلب الغفران” التي تنتهي بعبارة مبتورة:

“العاصفة سحبت الكلام من فمي،

ملوثّاً بالدم منذ ملايين السنين

قلت…”

في مُقدمة الأعمال الكاملة؛ تذكر خالدة سعيد: شعر سنية صالح؛ شعرٌ على حدة لا يُشبه أحداً، وليس منضوياً في تيار.. شعرٌ لحزنٍ موحش ينبجسُ من الجوهر الأنثوي الخالق المطعون المسحوق عبر التاريخ.. ولذلك لا نجد هنا شاعرية الجملة والالتماعة أو المفاجأة.. هنا مفهوم الجمال في صوره التقليدية غائب..

ولا وجود للجمال النظيف المثالي، ذلك أن سنية تُعمّر المشهد بالمفارقة كأنها تعدّ لفيلمٍ سريالي: أساس من الطفولة والملائكة والدمى والشعر والحب، محكوم بقانون الجلادين.. مشاهد تجرح فيما تأخذ القلب بعيداً.. مع ذلك ليس هنا الحزن ندباً وأنيناً، بل هو تحديق في المصير.. الحزن صدع في أساس هذا العالم..

“ماذا يُريدُ نهر الحب

والأنين؟؟

بعد أن أوقف جيادي بقوة

حرابه..

وأنا أكثرُ وحدةٍ من امرئٍ

على أبواب الإعدام..”

سنية صالح، ربما لا يعرف الكثيرون عنها؛ أنها لم تكتفِ بالشعر وحده، فقد دونت في تجربتها الإبداعية القصة القصيرة إلى جانب القصيدة، ولكنها من نموذج تلك القصة التي تتحرك تحت ظلال الشعر، وكانت نشرت مجموعة قصصية واحدة سنة 1982م بعنوان “الغبار” عن مؤسسة فكر للأبحاث والنشر، وقد جاء في كلمة التعريف على الغلاف:” شعرها مُبطن برؤية قصصية تتمثّل في نوعية قراءتها للحركة.. قصيدتها ترسّم لمسار الكائن لحظة يخترقه العالم..”

بقي أن نُشير إلى أعمال الشاعرة سنية صالح، وهي خمس مجموعات شعرية: الزمان الضيّق- 1964م، حبر الإعدام – 1970م، قصائد- 1980م، ذكر الورد – 1988م، قصائد غير منشورة.. ولها أيضاً مجموعتان قصصيتان: الغبار – 1982م، وقصص غير منشورة، إضافةً للكثير من الكتابات النقدية، وقد جمع كل ذلك في “الأعمال الكاملة” من إصدار وزارة الثقافة..

“المرأةُ الملونة.. هي أنا،

والبحيرةُ ذات الأمواج العالية،

والريح.. الريحُ هي أنا،

أيتها الريح من أنت؟؟”..

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية
x

‎قد يُعجبك أيضاً

“سوبرمان” الجديد بطل يساعد الناس وفيلم ينقذ الشركة المنتجة لسلسلته

لطالما كان هدف بطل الشرائط المصوّرة الخارق سوبرمان إنقاذ العالم من براثن الأشرار، لكن في أحدث جزء من الأفلام التي تتمحور عليه، يواجه مهمة صعبة ...