كتب وانغ ون، الباحث والعميد التنفيذي لمعهد تشونغ يانغ للدراسات المالية بجامعة رينمين في الصين، مقالة في صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية قال فيها: أمضيت نصف ساعة في المشي من الطابق الأول إلى الطابق الخامس من مجمع غاليريا التجاري، أكبر مركز تسوق في قلب مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، بحثاً عن عدد العلامات التجارية الأوروبية والأميركية التي غادرت السوق الروسية.
وأضاف: الغالبية العظمى من العلامات التجارية لا تزال موجودة. أخبرني موظف متجر آبل أن متجرهم كان مفتوحاً منذ بدء الصراع بين روسيا وأوكرانيا مع يوم رمزي فقط من الإغلاق. الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنه بينما تم إغلاق مطعم ماكدونالدز في الطابق الخامس من المركز التجاري، فإن مطعم كنتاكي فرايد تشيكن مفتوح، وتتحسن أعماله مع طوابير طويلة طوال اليوم.
وتابع الكاتب: كان المركز التجاري مزدحماً بالناس. كان شارع نيفا القريب مليئاً بالسيّاح من جميع أنحاء العالم، كما كانت العديد من مناطق الجذب السياحية مزدحمة. من الواضح أن الحياة اليومية للروس لم تتأثر بشكل كبير بالعقوبات الغربية.
واستدرك الكاتب قائلاً: بالطبع، كان للعقوبات بعض التأثيرات على الفئات ذات الدخل المتوسط والمرتفع. إذ أصبح من الصعب عليهم السفر إلى أوروبا، وأصبح شراء بعض الماركات التجارية الأوروبية والأميركية والمنتجات عالية التقنية وقطع الغيار أكثر صعوبة. كما أوقفت شركتا فيزا وماستركارد عملياتهما في روسيا.
وأضاف: مع ذلك، وجدت روسيا بدائل بسرعة. فعلى سبيل المثال، في حين أن العلامة التجارية لألعاب الأطفال “ليغو” LEGO نادراً ما تُشاهد في روسيا، فإن “بيلا” BELA، وهي علامة تجارية للألعاب من الصين، سرعان ما حلت محل سوق “ليغو”.
وأوضح الباحث الصيني أن الأمر الأكثر إثارة للإعجاب، في المنتدى الاقتصادي الشرقي الذي عقد في فلاديفوستوك في أوائل أيلول / سبتمبر الحالي، هو رؤيته مشاهد مزدهرة في روسيا. فقد شارك ضيوف من 68 دولة في المنتدى الاقتصادي الشرقي. لم أرَ أي ممثلين من الولايات المتحدة، لكن كان هناك عدد قليل من العلماء والممثلين من اليابان والنرويج وما إلى ذلك.
وتابع: لقد ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة مهمة في المنتدى. كانت الفحوى الأساسية لكلمته هي أن هيمنة الولايات المتحدة على السياسة العالمية آخذة في التراجع، ومن المستحيل على أي دولة أن تعزل روسيا. وقد لاقى خطاب بوتين جولات عدة من التصفيق من الجمهور. ربما ما كان الجميع يحاول نقله هو أن بقية العالم سيستمر من دون الولايات المتحدة. لقد ولّت الأيام التي كانت فيها واشنطن تملي على العالم أن يفعل ما تشاء. وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتكامل في الشرق الأقصى، فقد يتشكل عالم من دون الولايات المتحدة. يتم تشكيل أكبر حزام صناعي في العالم في الشرق الأقصى. تم بناء نمط دولي لتقسيم العمل عبر الحدود بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية ورابطة دول جنوب شرق آسيا وتجاوز إجمالي صادرات المنطقة بالفعل تلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية مجتمعين.
ورأى الكاتب أن العقدين المقبلين سيشهدان أكبر عملية نقل للثروة في التاريخ، من جانبي المحيط الأطلسي إلى الشرق الأقصى، حيث يتم إنشاء الآلاف من شركات إدارة الثروات والائتمان. فقد أصبح الشرق الأقصى مركزاً للابتكار للثورة الذكية. تعد بكين وشنغهاي وشنتشن وسيول وسنغافورة وطوكيو من بين مدن العالم عالية التقنية، وتقنيات مثل النقل من دون سائق، وشبكة الأشياء الحضرية، وشبكات الاستشعار، والمدفوعات غير النقدية، والتقنيات الموفرة للطاقة، وبطاريات تخزين الطاقة، والمراقبة الحضرية، والطب عن بعد، كل ذلك ينتشر بشكل أسرع في بلدان الشرق الأقصى مقارنة بأوروبا والولايات المتحدة ودول أخرى.
وخلص الكاتب إلى القول إن جذب الابتكار التكنولوجي قد أدى إلى جذب عدد متزايد من الموهوبين إلى الشرق الأقصى. منذ الأزمة المالية في عام 2008، ارتفع عدد الأميركيين الذين يعيشون في الخارج للعمل أو الإقامة الدائمة بشكل كبير، حيث وصل عددهم إلى 4 ملايين في عام 1999 و10 ملايين في عام 2019. وأصبح الشرق الأقصى الوجهة المفضلة للأميركيين المتجهين إلى الخارج. لدى كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة برامج مواهب وطنية لجذب رواد الأعمال والعلماء والمبتكرين إلى الشرق الأقصى من أجل إقامة مستقرة وطويلة الأجل.
وختم الباحث الصيني بالقول إن روسيا هي بالضبط الدولة الأكثر نموذجية التي تسرّع من ميلها نحو الشرق الأقصى. من وجهة النظر هذه، فإن العقوبات الغربية لن تقتل روسيا، ولكنها ستخلق روسيا جديدة، تتخلى عن أوهامها بشأن الغرب وتندمج تدريجياً في الشرق، وتجد ذاتاً جديدة من خلال الاستمتاع بمكاسب صعود الشرق.
سيرياهوم نيوز 6 – رأي اليوم