عبد المنعم علي عيسى
في سابقة، منذ ما يقرب من 52 عاماً، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الأربعاء الماضي عن تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة التي تخول المسؤول الأممي الأعلى رتبة في المنظمة الدولية مخاطبة مجلس الأمن الدولي، بوصفه أعلى سلطة في هذه الأخيرة، ولفت انتباه هذا الأخير إلى مسألة ما يرى فيها تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
غوتيريش الذي قرر اللجوء إلى ذلك الخيار قال في رسالة وجهها لرئيس مجلس الأمن مبرراً لجوءه ذاك بأنه جاء «انطلاقاً من حجم الخسائر في الأرواح في غضون فترة وجيزة»، وبأن «الأعمال العدائية وما ترتب عليها من دمار عمراني ومعاناة إنسانية مروعة بسبب القصف الإسرائيلي المستمر»، باتت تهدد بكارثة إنسانية في ظل «عدم توافر الملاجئ للنازحين والاحتياجات الإنسانية الأخرى» قبيل أن يؤكد بأن «الظروف اللازمة للقيام بالعمليات الإنسانية غير متوافرة بفعل ظروف القتال» الأمر الذي ستكون له «عواقبه التي لا يمكن تجنبها على الفلسطينيين وعلى المنطقة ككل، بل على الأمن والسلم الدوليين».
بشكل ما يمكن القول إن رسالة الأمين العام للأمم المتحدة هي نوع من الضغط الديبلوماسي وهو موجه إلى المجتمع الدولي برمته لكي يصبح أكثر جدية للاضطلاع بمسؤولياته، لكنه موجه بالدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة التي ستجد نفسها من خلال الفعل أمام «حرج» ديبلوماسي سوف تتزايد مفاعيله بعد استخدامها حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الذي عرضته دولة الإمارات العربية على التصويت فجر السبت، ومثل توجه كهذا جاء متوافقاً مع التصريحات التي أدلى بها نائب المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة روبرت وود التي عبر من خلالها عن معارضة بلاده لطرح هذا المشروع في هذا الوقت.
هذا «الحرج» الأميركي سوف تتزايد مفاعيله انطلاقاً من أن مشروع القرار الإماراتي لن يكون هو الأخير، هذا إن لم يتخذ هذا الأخير صيغة معدلة بعد إخفاقه الأول، ولسوف تتوالى مشاريع القرارات المتعددة بإعلان الأمين العام، على وقع التهديد الإنساني والوجودي الذي يعيشه قطاع غزة، وهذا ستكون له أثمان قد تكون شديدة التكلفة للديبلوماسية الأميركية التي ستجد نفسها في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي الذي يتخذ مواقف مغايرة لمواقفها تجاه الصراع الدائر راهناً، الأمر الذي تظهره تصريحات منسق الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بوضوح، كما ستجد نفسها أيضاً في مواجهة مع منظمات دولية وازنة مثل «منظمة الصحة العالمية» و«برنامج الغذاء العالمي» التي ما انفكت تصدر البيان تلو الآخر للتحذير من عواقب صمت المجتمع الدولي تجاه ما يجري في غزة، وآخرها أن مسؤولين في تينك المنظمتين كانوا قد عبروا صراحة عن تأييدهم لما ذهب إليه غوتيرش من خلال إعلانه سابق الذكر.
من الممكن تلمس «الحرج» عينه بوضوح عبر ردة الفعل الإسرائيلية على تصريحات غوتيرش، التي هدفت تل أبيب من خلالها لشد عصب واشنطن وتصليب مواقفها تجاه الضغوط الدولية التي باتت متعددة المنابع والمسارب، حيث اتهم المندوب الإسرائيلي بالأمم المتحدة جلعاد أردان الأمين العام للأمم المتحدة بـ«الانحراف الأخلاقي»، قبيل أن يدعوه لـ«الاستقالة فوراً»، لكن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين كان قد ذهب نحو مدى أبعد من ذاك الذي سبق، فقد اعتبر كوهين أن «فترة ولاية أنطونيو غوتيرش تشكل خطراً على السلم العالمي»، قبيل أن يضيف: إن طلب الأمين العام تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة يأتي في سياق «إظهار الدعم لمنظمة إرهابية».
في كانون الأول من العام 1971 وجه الأمين العام السابق للأمم المتحدة يو ثانت رسالة إلى مجلس الأمن قال فيها إنه يرى أن «العمليات العسكرية بين الحكومة الباكستانية والانفصاليين البنغال تهدد الأمن والسلم الدوليين» الأمر الذي سرعان ما تمخض عنه صدور قرارين من مجلس الأمن كان الأول منهما يحمل الرقم 303 الذي أكد على خطورة الخروقات الحاصلة على اتفاق الهدنة الموقع بين الطرفين العام 1949، والثاني، 307 الذي جاء بعده بأيام وهو دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار في كشمير إضافة إلى تأكيده وجوب تقديم مساعدة دولية فورية للمدنيين في مناطق الصراع من شأنها التخفيف من معاناتهم وإعادة تأهيلهم من جديد.
نحن هنا لا نقول إن دعوة غوتيرش الراهنة يجب، أو سوف، تقود إلى ما قادت إليه نظيرتها عند يو ثانت العام 1971، فدون ذلك عقبات كبرى يمكن اختصارها بالقول إن إسرائيل ليست «البنغال» ولا حالهما واحداً عند دوائر صنع القرار الأميركي، لكن المؤكد هو أن الدعوة الجديدة من شأنها أن ترمي بحجر كبير في بركة هائجة لتضيف عليها المزيد من اضطرابها، أما النتائج فهي ستتوقف على قدرة هذا العالم على تحمل مشهد شلالات الدم النازفة في غزة وإلى أين سوف يمتد؟
كاتب سوري
سيرياهوم نيوز1-الوطن