وسام كنعان
دمشق | طوى السيناريست السوري فؤاد حميرة (1966 ــ 2024) ظلّه ومضى إلى غير رجعة وحيداً، باستثناء قهره على بلاده الذي رافقه في غربته، والمكان الذي أحبه واختلف مع السلطة فيه، فقرر أن يكون معارضاً شرساً ويموت في منفاه. ظهر أمس الجمعة، نشر أصدقاؤه الخبر الأخير عنه، معلنين رحيله في مصر بعدما تدهورت أوضاعه الصحية، طاوياً بذلك مسيرة مهنية وشخصية عصامية بدأت بطفولة فقيرة مسيّجة بالعدم، إذ اضطر إلى بيع الفول والبوظة في الشوارع ليساعد أهله المقيمين في أبرز عشوائيات دمشق، أي «حي الدحاديل» المسيّج بالأميّة. حتى إنّ أقصى أحلام شبابه كان التطوع في سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد، وهو الشرط الذي وضعته عليه فتاة أحبّها لكي تقبل بالزواج منه، وكان على وشك ذلك لولا أنّ شغفه بالفن منعه وأخذه نحو انهماك متواصل لتحضير العروض المسرحية المدرسية!
في جامعة دمشق، درس الإعلام ووسّع لنفسه منفذاً يسمح له بتحقيق أحلامه الفنية. أسّس فرقة المسرح الجامعي، وأقام مع أصدقائه حفلات تعارف كانت بمنزلة مسرح كباريه سياسي، إلى جانب تقديمهم عروضاً مسرحية مثل «زائرة الليل» و«سهرة على الطريقة الأميركية». جالت الفرقة في المحافظات السورية وبعض الدول العربية وحققت نجاحات لافتة، في هذه الأثناء، ارتبط الرجل بطالبة صيدلة وأسسا معاً عائلة صغيرة. في إحدى المرات، سيشتهي ابنه قطعة شوكولا. ولن يكون في جيب الأب سوى خمس ليرات سورية. يشتري لابنه ما يريد، وفي طريق عودتهما إلى البيت، سيجدان مئة ليرة مرمية على الأرض. موقف حفر في وجدانه عميقاً إلى درجة أنّه كلما كان يرويه لأصدقائه، يغلبه البكاء…
مرة، وقع بيده كتاب «حوادث دمشق اليومية» (في القرن الثامن عشر) للبديري الحلاق، فأعجب به وقرر كتابة سيناريو مسلسل شامي استناداً إليه. أنجز ملخّصاً عامّاً لمشروعه من ثماني صفحات، ثم 15 حلقة بناء على نصيحة الفنان سليم صبري الذي جمعه بهيثم حقي، فتحمّس للمشروع وهيأ لحميرة جهة منتجة (شبكة «أوربت»). وأنجزا أجزاء عدة أخرجها سيف الدين السبيعي وتعتبر أهم الأعمال الشامية إطلاقاً.
كتب بعدها مسلسل «رجال تحت الطربوش» (2004)، فأعجبت رشا شربتجي بالنص، ولكنها اختلفت لاحقاً مع المنتج، ليدخل والدها المخرج هشام شربتجي على الخط. أمّن شربتجي منتجاً بديلاً وأصرّ على إخراج المسلسل بنفسه، ليضع حميرة في موقف حرج مع ابنته رشا. لكنّ الرجل وجد حلّاً للمشكلة، ووعد المخرجة الشابة بنصّ أفضل وأكثر جرأة. وبينما كان «رجال تحت الطربوش» يُعرض على الشاشات ويحقق نجاحاً كبيراً، كان حميرة يكتب مسلسله «غزلان في غابة الذئاب» (2006) ليوقف الشارع السوري، ثم تكرّ سبحة النجاحات مع «ممرّات ضيقة» (2007) وغيره من الأعمال التي جعلت فؤاد حميرة ماركةً مسجلة في عالم النصّ الدرامي…
مع الانهيار السوري المتلاحق، اختار حميرة السفر بعد تجربة اعتقال قصيرة، وقدم عملاً على اليوتيوب سرعان ما توقف لرداءة مستواه، ثم انكفأ الكاتب السوري الأبرز عن العمل من دون أن يكتمل تعاونه مع شركة «الصباح» التي كانت تنوي إنتاج مسلسلات له، حتى عاد للظهور الإعلامي المكثف قبل سنتين عندما اتهم شركة «كلاكيت» بأنها أفادت من نصه «حياة مالحة»، وأنجزت عنه قصة مسلسلها «كسر عضم» (كتابة علي صالح وإخراج رشا شربتجي) وهو ما أكده لنا المنتج إياد نجار لاحقاً، معتبراً أن الشركة دفعت ثمن النص ولها الحق بالإفادة منه.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية