بقلم: أحمد حمادة
عقد من الحرب على سورية، متخمٌ بالتضليل والحصار، والعقوبات والتجويع، والإرهاب والهجوم العسكري المباشر، والهدف إخراجها من معادلة الصراع في المنطقة، وإلحاقها بالمعسكر الغربي، لم تخلُ فيه ساعة واحدة من ضخ المعلومات الكاذبة والمغلوطة عبر وسائل إعلام أميركا وأدواتها، من دون بيّنة، أو معلومة موثقة، أو أدلة ثابتة، بل بأخبار مزيفة لا تعرف الموضوعية، ولا الاحتراف، لا تضبطها ضوابط مهنية، ولا تحكمها أي قواعد سياسية أو دبلوماسية أو أخلاقية، ومع كل ذلك طوت سورية معظم فصول هذا العقد الدامي، وهي في طريقها إلى التعافي النهائي.
اليوم ثمة أحداث وتطورات ومواقف عديدة، في سورية وحولها، نشهدها، نتابعها، وتؤشر بشكل قاطع إلى عودة دمشق إلى دورها المحوري الفاعل على كل الصعد، العربية والإقليمية والدولية، وتدل في توقيتها، وبما رسمته من معادلات مغايرة، في الميدان العسكري، وفي الأروقة السياسية، على ولوج الدولة السورية إلى مرحلة التعافي، وعلى حاجة العالم -على الأقل ممن لا ينضوي تحت المظلة الأميركية- لهذا الدور، بما يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة برمّتها، ويحاصر الإرهاب، ويجتثه من جذوره، عملياً وفكرياً.
داخلياً، القاموس متخم بالأمثلة، وآخرها على مستوى التسويات الشاملة، التي شهدناها منذ أسابيع في درعا، واليوم في دير الزور، وقبلهما الكثير، والتي حاولت منظومة العدوان بقيادة واشنطن وأداتها التركية تعطيلها مراراً وتكراراً للالتفاف على إنجازات الدولة السورية، فالمشهد داخلياً يرسم لوحة مختلفة، تؤكد أن إتمام المصالحات والتسويات سيرسخ الأمن والأمان في المناطق التي عاث الإرهاب فيها فساداً وقتلاً وتدميراً ممنهجاً، وسيعيد بسط سلطة الدولة عليها، وسيعطي دفعاً قوياً لدوران عجلة الإنتاج وحركته، والعودة الآمنة للمهجرين.
عربياً، لا يمكن ترجمة الحديث عن عودة العرب إلى دمشق، وعودة سورية إلى دورها المركزي في جامعة الدول العربية، وآخرها حديث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن “بلاده تسعى كي تكون القمة القادمة جامعة للصف العربي، ومن المفترض أن تشارك سورية بها”، هذا الحديث لا يمكن ترجمته قولاً وفعلاً إلا في إطار إدراك الجزائر ومعها عدد من العواصم العربية لخطورة الخطوات التي اتخذتها الجامعة بحقّ سورية خلال الأزمة، ومدى تدمير قراراتها آنذاك للأمن القومي العربي وتمزيقه وجعله عرضة للانتهاك من القاصي والداني.
ولا يمكن ترجمته أيضاً إلا في إطار أن عودة سورية تعني أمناً قومياً محصناً، وتعني أن سباق الولايات المتحدة الأميركية لتمرير التطبيع المجاني مع العدو الإسرائيلي وإخراج سورية من معادلة الصراع في المنطقة قد ذهبت في مهب الريح، وتعني أن تصفية القضية الفلسطينية لا يمكن أن تتم، والسموم الأميركية المغلفة بأوراق التطبيع لن تمر، وحديث الاقتصاد الممزوج بعسل السلام المزعوم لن يجد ممراً آمناً له.
دولياً، ورغم أن واشنطن وأدواتها استمروا بعرقلة الحل السياسي، ووضع العصي في عجلات لجنة مناقشة الدستور، والمتاجرة بمأساة اللاجئين والمهجرين، كما هو الحال باستثمار ما يجري الآن على الحدود البيلاروسية البولندية، ومحاولاتهم المستميتة لاختراع أي رافعة جديدة للإرهابيين، والمضي بمشروعهم الهدّام وفوضاهم (الخلاقة) في الجزيرة والشمال، والإيعاز لكيان الاحتلال الإسرائيلي بالعدوان غير مرة على سورية، إلا أن مواقف الدول الداعمة لدمشق في المحافل الدولية وتصريحات مسؤوليها، ولاسيما تلك القوى الفاعلة على الرقعة العالمية، تشي بأنها في طريقها لفرض معادلاتها ورؤاها، وطيّ صفحة مشاريع الغرب الهدامة، وبما ينسجم مع إرادة الدولة السورية وسيادتها، وهذه شواهدنا من روسيا والصين والهند أكثر من أن تحصى، فكل يوم تؤكد عواصمها المؤكد ذاته، فتدعم وحدة أراضي سورية، وتحترم سيادتها، وتؤازر الحل السياسي فيها، وتتخذ الإجراءات اللازمة لإعادة إعمارها، وترفض الخيارات العسكرية وسياسة الإملاءات الموتورة.
سورية تتعافى، فلا يجد معسكر الشر سوى رفع منسوب لهجته ونبرته، وتهديده ووعيده، والعمل على اختراع أكاذيب ملفقة، من أمثلتها المسرحيات (الكيماوية) كالتي تحضر حلقة جديدة منها هذه الأيام أداتا الإرهاب في إدلب “الخوذ البيضاء” و”النصرة”، ولا يجد إلا محاولة تشويه سمعة المؤسسات السورية، كما فعلها منذ أيام مؤشر “دافوس”، وأخرج سورية من التصنيف السنوي للدول حسب جودة التعليم والترتيب لعام 2021، وكما فعلتها غير مرة أكثر من منظمة دولية ك”حظر الكيميائية” ومجلس حقوق الإنسان بأضاليل ما أنزل الله بها من سلطان.
سورية اليوم، وبهذه المعادلات، تسقط رهانات واشنطن، وتطوي أجندات أدواتها الدولية والإقليمية، وتعري حملاتها الإعلامية الكاذبة والمزورة، تتجاوز ضغوط الغرب الهائلة، وتثبت لحكامه وخبرائه ومنظريه ومراكز أبحاثه أنها تحترف السياسة، ويملك شعبها من فائض الإرادة ما يكفي لصنع المستحيل.
(سيرياهوم نيوز-سانا٢٩-١١-٢٠٢١)