دينا عبد
بصراحة..
حتى لو خرجت الفتاة من منزل أهلها بملابسها لا يستطيع أي شاب مقتدر على الزواج تحمل تكاليفه؛ ففرش المنزل وحده يكلف بالملايين هذا من غير المنزل، الذي بات حلماً دفع إيجاره، ويحتاج إلى ثلاثة رواتب دفعة واحدة، أي ما يقدر بحوالي ٣٥٠ ألف ليرة سورية، وأكبر راتب في القطاع الحكومي يصل لحوالي ١٨٠ ألف ليرة فمن أين بقية التكاليف؟
حالات معلقة
أيهم الشاب الوحيد لأهله خريج تجارة واقتصاد يبلغ من العمر 30 عاماً لم يتجرأ على طلب يد أي فتاة من أهلها، ويتخذ من أصدقائه المتزوجين كما يقول درساً في الإحجام عن الزواج لأن دخله من عمله الخاص، الذي لا يتجاوز ٢٥٠ ألف ليرة ولساعات طويلة تتجاوز الـ ١٣ ساعة يومياً، وبالورقة والقلم إذا حسبتها ستكون مؤلمة لتأمين إيجار المنزل أو الغرفة التي لا أملكها عدا الفرش الذي سأشتريه فمن أين سنعيش؟
لذلك ابتعدت عن حلم أهلي ومن الصعب تحقيقه، ففاتورة الزواج تقصم الظهر ويعلق ضاحكاً: أنتظر ابنة حلال ميسورة حتى تساعدني على تقاسم مصاعب الحياة.
أما سهى الفتاة التي فاتها قطار الزواج، ولم ترضَ بشاب فقير الحيلة بسبب الأوضاع الاقتصادية الحالية، ارتضت أخيراً برجل على (حافة قبره ) كما يقال، لكنه ميسور الحال، ففي الحالتين لا تتوافر كل الشروط بشاب حسن المظهر وجيبه ميسورة؛ فإما أن يكون شخصاً قليل المال والحظ لكنه فقير الحيلة وابن عالم وناس؛ وإما مسناً ؛ أرملاً أو منفصلاً عن زوجته يحتاج إلى وصيفة ثانية لتكمل رحلتها معه في الطبخ والغسيل وتربية الأولاد، والانتباه على صحته، مكتفية بإنقاذ نفسها من شبح العنوسة.
هذا حال الشباب السوري؛ لا يستطيع الزواج بسبب الفاتورة الباهظة، بين خطبة وترتيبات الزواج، والتي تتراوح بين الـ ١٥ – ٢٠ مليون ليرة.
الاستشارية الأسرية والنفسية هبة العرنوس بيّنت أننا إذا أردنا التنويه بأسباب العزوف عن الزواج من الشباب أو الفتيات، فبالإضافة إلى موضوع فرض المهور المرتفعة من الأهل، كذلك فإن الأسباب المادية هي إحدى المعضلات التي ترفع نسبة العنوسة بين الفتيات.
وتؤدي بالشباب إلى استبعاد فكرة الزواج، أضف إلى ذلك الأسباب النفسية التي تلعب دوراً كبيراً بالنسبة للأشخاص الذين يخافون من تجربة الإخفاق في الزواج والمبالغة في التوقعات؛ فعندما يرتفع سقف المبالغة لدى الشباب بطريقة إنجاب الأولاد بعد الزواج، وتكلفة تربيتهم وتدريسهم وغير ذلك مما نسميه التوقعات السلبية، التي تجعل جزءاً كبيراً من الشباب يعزف عن الخوض في هذه المغامرة إن صح القول.
وهناك الخوف من الالتزام وهذا الأمر نلاحظه عند الشباب في مرحلة من المراحل، فهناك فئة من الشباب لا تقدم على الزواج من باب حب العزلة والروتين، وهؤلاء الأشخاص يرفضون الزواج لعدم الرغبة بفقدان حريتهم التي تفرض عليهم التزامات وتقييدات عائلية.
أما بالنسبة للفتيات فهناك من تكون لديها أسباب يمكن أن نسميها (أسباباً مشوهة) منها على سبيل المثال أريد أن أكمل دراستي- أريد أن أكون مستقلة مادياً- أو أريد شريك حياة بمواصفات خاصة، هذه الأسباب مجتمعة تؤخر زواج الفتيات فتزيد بذلك نسبة العنوسة.
وحسب الاستشارية فإن أسباب غلاء المهور في المجتمع الشرقي حسب دراسة تعود لسببين الأول هم الأهل، والثاني هو رأي الناس فباعتقاد الأهل أنهم عندما يطلبون مهراً مرتفعاً، فهم بذلك يضمنون حياة مرفهة لبناتهم في حال تعرضن لأي مشكلة؛ إضافة إلى رأي الناس الذين يتباهون بالحديث عن رقم المهر الذي طلبوه لبناتهم، متناسين أن الحياة الزوجية هي استقرار وليست بيعاً وشراء، وهناك حديث عن النبي (ص) قال: (أيسرهن مهراً..أكثرهن بركة).
أما عن الحلول فبينت الاستشارية التربوية بأن غلاء المهور هو مسؤولية أولياء الأمور فيجب أن تتناسب مع الحالة الاقتصادية للخاطب ودخله الذي يحصل عليه هذا يشجع الشباب على الاستقرار العائلي.
هناك ظلم للفتيات من الأهل وهي عندما يأتي الشاب طالباً الفتاة للزواج فإن الأهل يفرضون مهراً مرتفعاً ؛ وبالمقابل الفتاة يكون لها قبول لأي مبلغ يضعه الخاطب لأن غايتها الاستقرار وتكوين أسرة.
نحتاج برامج توعية تساعد الفتاة أكثر من الشاب على أن تعرف قيمتها بداخلها وليست بالمهر؛ وكثيرة هي القصص التي سمعناها فتيات بمهور عالية، ولكن للأسف بعد الزواج يقع الخلاف لعدم التفاهم في هذه الحالة عندما ترغب الفتاة بالانفصال فإنها تترك كل شيء، ولا تأخذ شيئاً في سبيل أن تنال حريتها.
المطلوب التوعية المجتمعية عن طريق زرع القيم والأفكار الجديدة التي يكون التركيز فيها على جوهر الفتاة، وليس بدفع ثمنها وتعزيز فكرة الزواج الجماعي والمشاركة الجماعية حتى تخفف المصاريف على الفرد الواحد، ولتشجيع الشباب على خوض هذه التجربة وتأسيس عائلة متماسكة ومتضامنة.
بدوره د. محمد كوسا (كلية الاقتصاد) جامعة دمشق بيّن أن الشباب لو تغاضى عن مظاهر العرس والفرح وتبعاتها، فهناك أمور المنزل ومحتوياته المادية؛ ولو أن تأمينها سيكون في الحدود الدنيا فإن أسعارها كاوية وحتى لو ارتفعت الأجور والرواتب أضعافاً فلن تتأمن بسهولة ويلزمها الاقتراض.
واقترح د.كوسا لحل هذه المعضلة حزمة من الطروحات منها: منح القرض مشروطاً بالزواج لأول مرة من وزارة الشؤون الذي يغطي الحدود الدنيا من احتياجات الزواج ومن دون فوائد، إضافة لمساهمة الجمعيات الخيرية بمساعدة العرسان الجدد وفق شروط.
وبرنامج تمكين الشباب من الزواج، ونقول برنامجاً ونركز عليه، وهذا يمكن بناؤه بشكل سريع مع عدة جهات وصناديق يتم تمكين الشباب من الجنسين بتأمين فرص عمل سريعة، أو فتح مجالات أوسع لأعمالهم القائمة وهذا يعدّ جزءاً مهماً من أنشطة المشاريع الصغيرة.
سيرياهوم نيوز 6 – تشرين