آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » فالق الشرق العظيم…..(الجزء الاول)

فالق الشرق العظيم…..(الجزء الاول)

| باسل علي الخطيب

 

هل يمكن تفسير الأحداث التي تحمل أبعاداً جيوسياسية  كبيرة بمفردات السياسة فحسب، أم أننا نحتاج إلى معايير ومفردات أبعد و أعلى حتى نفهم ما يجري؟؟؟….

 

حسناً، يبدو أن المنطقة أو العالم عموماً لا تتعرض لزلازل تكتونية فحسب، فهاهي زلازل من نوع آخر تضرب في كل مكان في العالم…..

 

تقع منطقتنا على أطول فالق في العالم (صدع الشرق العظيم )، مع وجود الكثير من الصدوع الثانوية على جانبيه، و ليس من باب الصدف أن كل المدن الكبرى و الحضارات العظيمة قد قامت على جانبي هذا الصدع، فهو من ناحية قد وفر البيئة المناسبة من النواحي الجغرافية و الطبيعية لنشوء هذه الحضارات، نحن هنا نتكلم علماً و ليس سياسة، و لكنه من ناحية أخرى، عندما كان يتحرك كان يطيح بمدن و حضارات….

 

هذه الصدوع الطبيعية كانت مخرجاتها كبيرة وأبعد من مجرد  النواحي الجيولوجية والمورفولوجية والجغرافية ، هذه الصدوع انعكست صدوعاً على كل المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الدينية و الثقافية، و لا نقصد هنا أمراً سلبياً بالمطلق، إنما نقصد أن نتاج ذلك كان هذا الكم الكبير من الاختلاف و التنوع التي تتميز به هذه المنطقة……

و قد كان لهذا الاختلاف حدان، فقد كان هذا الاختلاف أغلب الأحيان غناً وتنوعاً أنتج حراكاً، أنتج بدوره الحضارات التي عجت بها المنطقة، وشكلت مصدر إشعاع لكل العالم، ولكنه كان في أحيان أخرى مصدراً للخلاف، و كان نتاج ذلك حروب و دمار وضحايا……

 

شهدت المنطقة خلال الاسبوعين الماضيين حدثان مفصليان، الحدث الأول كان توقيع شبه اتفاق إيراني سعودي برعاية صينية….

 

دعونا نتحدث أولاً عن مغزى الرعاية الصينية، لأنها – وأقصد السياسة الصينية ومخرجاتها – ستشكل أحد الانقلابات الجيوسياسية الكبرى على مستوى العالم……

لماذا تعتبر الولايات المتحدة الصين العدو الأول لها و المنافس الأكبر لها؟؟!!…. إذا قارنا القوتين العسكريين، فالولايات المتحدة تتفوق كثيراً على الصين، عدا عن كون أن الولايات المتحدة قد حولت جزيرة تايوان إلى حاملة طائرات طبيعية في مواجهة الصين، و حرب استعادة الصين لتايوان قادمة لا محالة، و هي ستشكل ما شكلته أوكرانيا لروسيا، حرب استنزاف قد تطول لكنها تبقى حرب الضرورة لروسيا في أوكرانيا، و حرب الضرورة للصين في تايوان، و ليست حرب الاختيار من بين عدة خيارات…….

 

إذا قارنا القوتين الاقتصاديتين، فالاقتصاد الأمريكي يتقدم بأشواط على الاقتصاد الصيني، عدا عن أنه – وهذا هو الأهم – قد تم تشبيك الاقتصاد العالمي إجمالاً بالاقتصاد الأمريكي عبر البنوك و مؤسسات التمويل و التأمين…..

 

الولايات المتحدة تعتبر الصين عدوها الاول لأن الصين تقدم للعالم نموذجاً بديلاً عن النموذج الأمريكي، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية و اسلوب التعامل ما بين الدول أو حتى من الناحية الثقافية، شتان ما بين أسلوب إدارة الأزمات إلى الأبد الأبدين الذي تتبعه الولايات المتحدة، و ما بين أسلوب حل الأزمات الذي تسعى إليه الصين، شتان ما بين أسلوب الحروب و العقوبات الأمريكي، و أسلوب الحوار الصيني، شتان مابين اسلوب الفوقية والغطرسة الأمريكي، وأسلوب التعامل الصيني القائم على الندية والاحترام….

نعم، يشكل النموذج  الصيني البديل الذي يحتاجه هذا العالم المضطرب، بديلاً عن النموذج الأمريكي، و قد صار النموذج الصيني مطلوباً في كل مكان في العالم، و هذا ما تخشاه الولايات المتحدة، أنها بدأت تفقد سطوتها و سيطرتها و تفردها…..

 

نعود إلى التفاهم الإيراني السعودي، لماذا أسميناه تفاهماً أو أسميناه شبه اتفاق؟؟!!…. و لكن قبل هذا السؤال دعونا نجيب على هذا السؤال التالي، هل  هذا التفاهم هو تفاهم استراتيجي أم تكتيكي؟؟….

 

لا داعي للتفصيل في أسباب الاجابة التي سنقولها، و لكني أعتقد أن هذا الاتفاق بالنسبة لإيران هو اتفاق استراتيجي، انطلاقاً من كون إيران تتصرف في المنطقة و كأنها منتصرة، و هذا حقيقي، وهذا الاتفاق بالنسبة لها هو اعتراف لها بالنصر والتفوق واستحالة هزيمتها أو إسقاطها من الحسابات…

عدا عن ذلك تنظر إيران إلى هذا الاتفاق كحاجة استراتيجية لمتابعة مسارها الذي تنتهجه، أي أنها لا تحتاجه كنوع من الحماية لكيانها، إنما كنوع من تهدئة الجبهات المشتعلة هناك و هنا، في سبيل أن تحافظ على مسار لسياساتها كانت قد حددته سابقاً، إيران تريد أن تصبح دولة عظمى في كل المجالات، ليست على مستوى المنطقة فحسب إنما على مستوى العالم….

 

بالنسبة للسعودية و هذا هو سبب تسميتنا لما حصل تفاهماً أو شبه اتفاق، أن هذا التفاهم كان لهم خياراً تكتيكياً، و هو قرار الإجبار و ليس قرار الاختيار، ليس له علاقة (بالدولة السعودية)، إنما له علاقة بالدور الوظيفي للعائلة الحاكمة و تحديداً محمد بن سلمان، و الدور الوظيفي للكيان الوهابي، هذا التفاهم هو بمثابة عملية نأي بالنفس لمحمد بن سلمان ودوره الوظيفي ( رؤية 2030 )  عن أحداث جسام مقبلة عليها المنطقة، لا سيما بعد أن أدرك ولي العهد السعودي حدود قدراته الحقيقية…..

 

سنتحدث في الجزء الثاني عن الحدث المفصلي الآخر الثاني من حيث الترتيب الزمني، ألا و هو الزيارة الاستثنائية للسيد الرئيس إلى موسكو، و لاحقاً، سنربط كل ذلك بالانزواء المصري، الانكماش التركي إلى الداخل، و الاختفاء القطري القسري، و الصعود الإماراتي، و الحرب الأوكرانية….

 

كل هذه الأحداث ليست إلا هزات استباقية لزلزال جيوسياسي عظيم قادم ستكون بؤرته دمشق…..

(سيرياهوم نيوز ٣-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التغريبة العربية .. خطأ الســنوار وحزب الله .. المآذن الراقصة ومسامير التاريخ وسوبرمان جنوب لبنان

  نارام سرجون   لاشك أن أصعب شيء في التاريخ هو الدخول في التاريخ .. ولاشك أن أسهل شيء في التاريخ هو الخروج منه .. ...