الرئيسية » كتاب وآراء » فالق الشرق العظيم…(الجزء 2)

فالق الشرق العظيم…(الجزء 2)

 

بقلم:باسل علي الخطيب

من المعتاد أن تكون موسكو باردة هذه الأيام، ففصل الشتاء مازال في أوجه في روسيا، على فكرة الطقس البارد الأزلي في روسيا، انعكس على صفات أهلها، فالروس يحسبون خطواتهم بدقة، و لكن عندما يتخذون قرارهم لا يوجد من هو أكثر سرعة و جرأة منهم، على فكرة هناك مثل روسي يعكس هذا الأمر، يقول ( الروس يسرجون خيولهم ببطء و لكن عندما يركبون ينطلقون بسرعة)…..

لا يوجد عند الروس ذاك ( الاتيكيت الفرنسي) في الاستقبال و الحفلات و المراسم، و ليس عندهم أموال الدول النفطية حتى تخرج استقبالاتهم على درجة عالية من الحفاوة و البذخ، موسكو تستقبلك بالهيبة، و تودعك بالهيبة، لأن موسكو تعرف أن الهيبة لا تعادلها إلا الهيبة…..

لا يمكن مناقشة أي حدث سياسي دون أخذ الشكل في الميزان، أنا هنا لا أتحدث عن مراسم الاستقبال و الوداع الرسمية، أنا أتحدث عن كل ما عدا ذلك، كل ذاك كان يشير أن موسكو قد شهدت حدثاً عظيماً، و أن القمة التي دامت بين الرئيسين السوري و الروسي لمدة ثلاث ساعات، قد رسمت ملامح الشرق الأوسط للربع القرن القادمة…

نعم، إلى هذا الحد أعتبر زيارة السيد الرئيس إلى موسكو حدثاً مفصلياً في تاريخ المنطقة، و من الأحداث التي سيسجلها التاريخ لاحقاً أنها كانت منعطفاً بارزاً في تاريخ المنطقة، لم يخطر على بالي عندما تابعت قمة الرئيسين، سواء قمة يالطا عام 1944، بين ستالين و روزفلت و تشرشل، و التي حددت ملامح عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية….
على فكرة ليس من باب الصدفة صدور قرار المحكمة الجنائية السخيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و صدور قرارات النظام الأوكراني الأسخف بحق السيد الرئيس بشار الأسد….أتراها حشرجة الميت؟؟؟!!!…

طبعاً، ليس من باب الصدفة المقابلة التي أجرتها سبوتنيك مع السيد الرئيس، المقابلة جزء لا يتجزأ من الزيارة، و تصريحات السيد الرئيس فيها، كانت تعكس نتائج المقابلة، و الملامح العامة للمنطقة خلال السنوات ال 25 القادمة على الأقل..
على فكرة الانطباع الأساس الذي تخرج به من هذه المقابلة أن رئيس دولة عظمى كان يتحدث…..

بالعودة و بالمقارنة إلى التفاهم أو شبه الاتفاق الإيراني السعودي، و الذي أسميناه أيضاً حدثاً مفصلياً في تاريخ المنطقة، و لكنه قولاً واحداً ليس بأهمية زيارة السيد الرئيس إلى موسكو، قلنا أن التفاهم الإيراني السعودي كان من منطلقين مختلفين للجانبين، منطلق استراتيجي للإيرانيين، و تكتيكي للسعوديين،…

اريد أن أشير إلى نقطة مهمة، عندما تحصل في السياسة انقلابات مفاجئة أو تحولات حادة، هذا لا يعكس مخرجات ناتجة عن قناعات، إنما عن خيارات الضرورة و القهر و ليس القناعات، قمة موسكو كانت تتويجاً لمرحلة و إعلاناً عن انطلاق مرحلة جديدة انطلاقاً من مخرجات المرحلة السابقة، و هي كانت بناء على قناعات استراتيجية و مصالح استراتيجية مشتركة. عكس التفاهم الإيراني السعودي…

يخطر على البال سؤال أساسي، هل الخطوة السعودية باتجاه إيران حصلت رغماً عن أنف الولايات المتحدة الأمريكية؟…
دعونا نتذكر، لم تكن تصريحات ترامب من زمن بعيد، عندما كان لا يترك منبراً يعتليه إلا و يذكر نظام الحكم في السعودية أن سبب بقاء آل سعود في الحكم هو الحماية الأمريكية، بل أنه كان يخاطب الملك بشكل مباشر و بسخرية قائلاً له: أيها الملك إن تخلينا عنك سيسقط عرشك خلال أسبوعين، لذلك عليك أن تدفع و تدفع لقاء الحماية، مثيراً سخرية و ضحك الجمهور…..

ما الذي تغير؟ هذا ما دفعنا للقول أن ما حصل بين إيران و السعودية ليست إلا مجرد تفاهم أو شبه اتفاق…
و لكن لماذا حصل و في هذا التوقيت؟….
دعونا نعود إلى الوراء قليلاً، و نتذكر الخلاف و تدهور العلاقات المصرية السعودية، و التي شهدت تراشقاً إعلامياً، وصل إلى حدود الإهانات الشخصية و التطاول على كرامة الشعب المصري و الدولة المصرية، مع أن كل المؤشرات السابقة كانت لا تشير إلى حصول هذا التدهور…..

هذا التدهور كان جزءاً من الكل، هذا الكل هو أن هناك قراراً صهيونياً قد اُتِخذ بشن حرب على إيران بمباركة أمريكية، ظاهره لجم التقدم النووي الإيراني، و لكن لنكن منطقيين قليلاً بالتفكير من الناحية الجيو عسكرية في هكذا حرب، اولاً من حيث المبدأ لن تتورط أمريكا مباشرة في هذه الحرب، نعم ستشكل ظهراً استخباراتياً لوجستياً سياسياً للكيان الصهيوني في هذه الحرب، لكنها لن تشارك بشكل مباشر في هذه الحرب، إذاً كيف يعقل (لكيان) لا تكاد (مساحته) تبلغ 20 ألف كيلو متر مربع، و عدد سكان لا يتجاوزون 7 مليون مستوطن، أن يشن حرباً مؤثرة و مدمرة على دولة مساحتها أكثر من مليون كيلو متر مربع، و عدد سكانها يتجاوز السبعين مليون نسمة، و تبعد عنه أكثر من ألف كيلو متر، مهما كانت الأسلحة المستعملة في الحرب – اللهم إلا إذا تم استعمال الأسلحة النووية – ؟؟!!!…
عدا عن ذلك إيران و سوريا و حزب الله و كل محور المقاومة، قد أخذوا قرارهم، أنها ستكون حرباً شاملة و سيردون الصاع صاعين، و هذه قد تكون أحد نتائج قمة موسكو….
الحرب الصهيونية المزمعة على إيران هي حرب الضرورة على الكيان، هي حرب الإجبار و ليست حرب الاختيار، الكيان الصهيوني يعاني أزمة داخلية لم يعرف لها مثيلاً، أنا لا أتحدث عن الانقسام الداخلي الحالي و المظاهرات ضد حكومة نتنياهو فحسب، هذه ليست إلا مخرجات هذه الأزمة، الكيان الصهيوني يعاني من أزمة بنيوية داخلية عميقة، ليست لها نهاية إلا الانقسام و الحرب الأهلية، و لم يعد أمام الكيان من مهرب من هذه الأزمة إلا الحرب، لإعادة بعض اللحمة إلى المجتمع الصهيوني.

يتبع…
(سيرياهوم نيوز4-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن إعادة التموضع.. ودور النُخَب

      بقلم :بسام هاشم   هفي مرحلة ما بعد الانتصار على الإرهاب، وفي سياق إعادة بناء الدولة الوطنية، تجد سورية نفسها أمام تحديين ...