| باسل علي الخطيب
لم يعرف الكيان الصهيوني وضعاً داخلياً سيئاً كالذي يعرفه الآن، و الأزمة لم تبداً في السنوات القليلة الماضية، ما نراه الآن هو مخرجات أزمة بنيوية عميقة، لا تقتصر على المجتمع الصهيوني فحسب أو على الكيان إنما على العقلية الصهيونية….
الصهيونية بدأت تفقد زخمها، منذ اللحظة الأولى التي قرر فيها الصهاينة بناء جدار حول دولتهم، كان ذلك إعلان بداية النهاية لهذا الكيان….
الكيان الصهيوني اختصاراً هو جيش أنشأت لأجله دولة، هو كيان وظيفي بامتياز، و قد أتقن ذاك الجيش لعب هذا الدور الوظيفي جيداً حتى حرب 2006، حرب 2006 لم تكن حرباً صهيونية، كانت حرباً أمريكية بامتياز، كانت مهمة أمريكية أوكلت للجيش الصهيوني و قد فشل في تنفيذها….
ما يميز أزمة الحكم الحالية في الكيان الصهيوني، هو أن المؤسسة العسكرية هناك تدخلت و للمرة الأولى في نزاع سياسي، هذا لم يحصل أبداً سابقاً، لدرجة أننا سمعنا إقالة بعض كبار القادة في الجيش بسبب إدلائهم بآراء حول الوضع السياسي، و سمعنا عن امتناع بعض الطيارين عن الاشتراك في بعض المناورات، اعتراضاً على قرارات حكومة نتنياهو….
الوضع في الكيان الصهيوني، وضع خطير بكل ما في الكلمة من معنى، ولن تكون نهايته إلا الانقسام العمودي العنيف، الذي سيتطور حكماً إلى حرب اهلية، و هذا الوضع لا مهرب منه إلا الحرب الخارجية، نحن هنا نتحدث عن حرب الإجبار و ليست حرب الاختيار، لأن هذه الحرب هي نفسها خيار محفوف بالمخاطر الوجودية…
نعم، سيشن الصهاينة حرباً على إيران، و لأن الرهانات و التحديات على الطاولة كبيرة جداً، لا يمكن الذهاب إلى هكذا حرب، دون تشبيك جملة من التحالفات، تضمن النجاح فيها او عل الاقل تضمن عدم تدهورها إلى ما لا يحمد عقباه…
قولاً واحداً ستكون الولايات المتحدة ظهيراً لوجستياً و سياسياً و استخباراتياً و معلوماتياً للكيان في هذه الحرب، ولكنها لن تشارك في هذه الحرب بشكل مباشر…
حدثنا في مقالات سابقة عن الكيانات الوظيفية في المنطقة، و أن الكثير مما يسمى ( دولاً)، ليست إلا كيانات أُنشئت لغايات جيوسياسية، نحن هنا نتحدث عن لبنان، الاردن، كل مشيخات الخليج، و طبعاً الكيان الصهيوني…
الكيان الوهابي هو كيان وظيفي بامتياز، أنشئ في سبيل تمهيد البيئة لنشوء الكيان الصهيوني، و كانت الوظيفة الأساسية لهذا الكيان هي الحفاظ على الكيان الصهيوني، و قد أنجزوا هذه المهمة بنجاح على مدى قرابة القرن…..
يحتاج الكيان الصهيوني الكيان الوهابي في هذه الحرب، يحتاجه من كل النواحي، فالصهاينة لن يستطيعوا ربح هذه الحرب أو درء مخاطر تطورها عليهم من دون الآلة الإعلامية والمالية و الدينية الوهابية، لا سيما أن هناك قراراً قد اتخذ على مستوى محور المقاومة، أنه إن فعلها الكيان الصهيوني فنحن ذاهبون إلى حرب شاملة…..
نعم، تم وضع السعوديين في الزاوية، و قد صار أمامهم خياران أحلاهما مر، لجأ السعوديون إلى مصر، كان السعوديون يحتاجون الجيش المصري بإمكاناته الكبيرة و تعداده الأكبر في هذه المقامرة المخاطرة، أعتقد أن السيسي قد وافقهم و معه رهط المسؤولين الذين يحكمون مصر حالياً، و لكن المؤسسة العسكرية في مصر و بعض الدولة العميقة هناك، و انطلاقاً من المصلحة الوطنية المصرية و بقايا عقيدة حرب أكتوبر 1973، قرروا رفض الطلب السعودي بإرسال الجيش المصري إلى السعودية، لذلك رأينا ذلك الهجوم الإعلامي و الحكومي السعودي على مصر و جيشها و شعبها، الذي وصل إلى درجة الإهانات والانتقاص من الكرامات…
هنا أُسقط في يد السعوديين، على فكرة يتميز ولي العهد السعودي، بأنه يختار دائماً أكثر الخيارات تطرفاً في أي قضية، و هذا أعتقد عائد إلى قلة الخبرة أو أحياناً قلة الحيلة، و دائما الخيارات المتطرفة و حتى إن كانت إيجابية يكون ضررها أكثر من نفعها، و لكن هذا حديث جزء آخر من هذا المقال، نعم بعد أن أسقط في يد السعودية، أنه إذا انضمت إلى الكيان الصهيوني في مغامرته من دون الجيش المصري سيلحقها ضرر كبير، و هذا ضرر لن تتحمله السعودية كدولة أو كشعب أو كاقتصاد، و لن يتحمله محمد بن سلمان شخصياً، لا سيما أن لديه مهمة وظيفية عليه أن ينجزها هي رؤية 2030، و هذا سيكون أيضاً موضوع جزء آخر من هذا المقال، لا سيما أيضاً أنه قد فشل فشلاً ذريعاً في حرب اليمن، و هذا الفشل هو من برد تلك الرؤوس الحامية في الكيان الوهابي، بدءاً من محمد بن سلمان وصولاً إلى تركي آل الشيخ…..
لذلك أخذ نظام الحكم في السعودية قراراً تكتيكياً و ليس استراتيجياً بالتصالح الآني مع إيران برعاية صينية، نقول خياراً تكتيكياً لانه ليس نابعاً عن قناعة إنما عن إجبار ناتج عن الظروف الموضوعية الحالية….
يدرك نظام الحكم في السعودية أن الأساس الذي قام عليه الكيان الوهابي هو الوهابية نفسها، و لأن الوهابية بدأت تتداعى و تفقد شرعيتها و شعبيتها والأهم تمددها، بسبب ما عانته شعوب المنطقة و العالم ككل من مخرجاتها، و كما أن الوهابية تتداعى بسبب قرارات يتم اتخاذها من قبل ولي العهد محمد بن سلمان نفسه، و هذه مرة أخرى قرارات الضرورة و ليست القناعة، بسبب بكل هذا، يفتش نظام الحكم في السعودية عن مشروعية جديدة مقبولة، هذه المشروعية تحتاج صك براءة، تحتاج سنداً تاريخياً، تحتاج وزناً شعبياً، تحتاج إسقاطاً على الأرض، لذلك كانت الاستدارة نحو دمشق…..
يتبع…..
(سيرياهوم نيوز3-خاص)