فالق الشرق العظيم…..(الجزء 5)
بقلم:باسل علي الخطيب
من نافلة القول أن كل دول المنطقة تعاني قلقاً يصل حدود الأزمات الوجودية، هذا لأنها كلها وحتى تاريخه لم تنجح في تحقيق مفهوم الوطن- الدولة. مازالت كل دول المنطقة تتخبط في محاولة تعريف نفسها، ولم تصل إلى تحقيق تعريف نهائي وحاسم لمفهوم الهوية الوطنية…..
تعاني تركيا من أزمة القوميتين والهويتين والثقافتين، فلا هي قادرة على الإنعتاق من الشرق، وليس مسموحاً لها الإلتحاق بالغرب…
تعيش تركيا صراعاً بين إرث عثماني تعتمد عليه في طموحاتها الجيوسياسية، لذا لاتستطيع التخلي عنه، رغم أنه يسبب لها انقسامات وصراعات داخلية، وبين قومية تركية شرسة تحتاج هذا الإرث العثماني لتحقيق المطامع الجيوسياسية، ولكنها لا تريده عاملاً حاسماً في تحديد الهوية الوطنية التركية….
عدا عن ذلك هناك الهاجس الكردي، هذا الهاجس إن كان لبقية دول المنطقة التي يتواجد فيها الأكراد هو قضية أقليات، فهو في تركيا قضية أغلبية ثانية تطالب بدولة، وهذا يعني حكماً نهاية الدولة التركية إلى الأبد كلاعب جيوسياسي على مستوى المنطقة، لذلك ليس من فراغ أن صرح رئيس أركان الجيش التركي يوماً ما، أنه لو أقام الاكراد دولة لهم في الأرجنتين سنذهب ونقضي عليها….
العراق عاد إلى ماقبل الدولة، وتحول إلى بلد مرجعيات، ويمكن أن تنفلت الأمور فيه في أي لحظة، العراق أشبه بطائر كبير له ثلاث أجنحة، دائماً هناك جناح ما يعيق بقية الأجنحة عن العمل والطيران….
نظام المحاصصة الطائفية المقيت في العراق أسقط الدولة المركزية، وحوَّل العراق إلى ساحة لكل أشكال التدخلات، ودمر الهوية الوطنية….
العراق فقد تعريفه لنفسه، فعندما بصير العامل المذهبي هو الأساس في تعريف الذات، هذا يعني أن المتاريس قد ارتفعت، و ذاك القش لايحتاج إلا عود الثقاب المناسب في الوقت المناسب…
العراق هو البركان الأخطر في المنطقة…
الأمر ذاته ينطبق على لبنان، مع وجود انقسام أكبر على مساحة أصغر، مما يجعل من أي مشكلة صغيرة فيه خطراً يتهدد الكيان….
ولكن هناك فارق جوهري بين لبنان والعراق، هو وجود ضابط ايقاع قوي جداً في لبنان هو حزب الله قادر على منع الأمور من الانفلات. مع وجود سعي حثيث لتوريط ضابط الايقاع هذا في الوحول اللبنانية، وهذا المسعى قد يثمر يوماً ما، لأن حجم الانقسامات والخلافات في لبنان تصل إلى مرحلة الجنون العضوي المزمن….
تتمسك سوريا بمفهوم العروبة كمفهوم جامع لكل فئات المجتمع السوري، ولكن العروبة تائهة الآن بين مفهوم قومي قد تم استهلاكه، ومفهوم ثقافي لم تتضح معالمه بعد….
عدا عن ذلك دمرت هذه الحرب الكثير من مسلمات المجتمع السوري، وصار هناك ثقافة: هم ونحن….
أضف إلى ذلك تقاسي سوريا صراعاً وجودياً مع ثلاثة أعداء، الكيان الصهيوني والإرث العثماني والأخوان المسلمين، ولم تجد سوريا في خضم هذه الصراعات الوقت الكافي والطريقة المناسبة لإنجاز تعريف نهائي لهويتها الوطنية…..
تحتاج سوريا وتحتاج المنطقة اكثر أن تعود سوريا للعب دورها الجيوسياسي السابق، ألا وهو ضابط ايقاع المنطقة، حاجة سوريا للعب هذا الدور هو حاجة وجودية على المدى المتوسط والبعيد، لأن ذلك عامل حاسم في إعادة إنتاج هويتها الوطنية، والتي صنعت دورها وشخصيتها على طول تاريخها، وعمودها الأساس هو الوسطية، فسوريا هي بكل بساطة جامعة لكل التناقضات، وحاوية لكل الاختلافات، و راعية لكل التنوعات، الهوية الوطنية السورية تتلخص ببساطة أنها بابل قوميات وطوائف ومذاهب ولغات وحضارات وأحزاب و اثنيات……
تقوم الدولة في إيران على مفهوم ديني مذهبي بحت، والتاريخ علَّمنا أن الدول الدينية لاتدوم، بل إن الدولة الدينية تكون في النهاية وبالاً على الدولة وعلى الدين ذاته…
تعتمد إيران التمدد المذهبي وسيلة لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية، وقد حققت عبر ذلك الكثير من النجاحات، لكن الأساس المذهبي المتشدد ليس كافياً لإنجاز دولة تدوم، ودليل ذلك الانقسام العمودي الذي تعانيه إيران…
تحتاج إيران في مرحلة ما إلى إعادة تعريف نفسها، والتخلص من جلباب الثورة، مع الأخذ بعين الاعتبار النجاحات المرحلية لتلك الدولة الدينية.
نعم، لايمكن إنكار أن النظام الإيراني الحالي هو من جعل إيران دولة شبه عظمى، وهي تطمح أن تصير دولة عظمى….. تاريخياً كانت إيران تتمدد جيوسياسياً دائماً باتجاه الغرب، وقد لايكون من مصلحتها وجود جيران أقوياء غرباً، وهذا على المدى القصير قد يكون مفيداً لها، ولكنه على المديين المتوسط والبعيد سيكون ضاراً جداً، لانه قد ينقل المشاكل إلى اراضيها….
أعتقد أن السياسة الأنسب لإيران لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية هو الأسلوب الصيني….
نتابع مع بقية دول المنطقة في الجزء القادم….
(سيرياهوم نيوز1-خاص)