باسل علي الخطيب
لا احد يغفل دور الجغرافيا في صنع قدر وتاريخ الشعوب…..
على مدى أكثر من ثمانية آلاف عام، و انسان هذه البلاد ينتج الحضارة، هنا كان الحرف الأول، والسنبلة الاولى، وشجرة الزيتون الأولى، والنوتة الموسيقية الأولى، و القرية الأولى، والمدينة الأولى ومغامرة العقل الأولى، ومهد الروح الأولى، والعقيدة الأولى…
لم يحتفظ الإنسان السوري بكل ذلك لنفسه، كان في صميم تكوين الشخصية السورية، أن الإنسان السوري كان يعتبر نفسه صاحب رسالة حضارية، لدرجة أنه اعتبر نفسه مسؤولاً عن المصير الإنساني بكليته، ولعل هذا هو الدافع الحقيقي وراء انتاج هذه البلاد الديانات الأرضية ومن ثم كل السماوية، وتقديمها لكل البشرية، باعتبارها طريقاً لخلاص الإنسان من قسوة الحياة على هذه الأرض….
هنا يحب أن لانغفل دور الجغرافيا في تكوين الشخصية السورية، فمن جهة، هذا الموقع الجغرافي المتميز لسوريا كان مصدر امتيازات لأهله، ومن جهة كان سبباً للكثير من النكبات…
سوريا تقع عند التقاء ثلاث قارات، تشكل كل العالم القديم، وتشغل سوريا وحدها كل شرق البحر المتوسط ( بحر الحضارات)… وعندما أتحدث هنا عن سوريا، أتحدث عن سورية الطبيعية طبعاً….
هذا الموقع كان عاملاً أساسياً من عوامل إشراقة الحضارة من بلادنا، وبالمقابل أصبح موضع أطماع الآخرين دائماً، لاحظوا أنه وعند نهوض أي قوة عظمى في مكان ما من العالم، وبعد أن تستكمل تلك القوة عناصر مشروعها الامبراطوري، تسعى للسيطرة على قلب العالم هذا…
وفي كل مرة كانت سوريا تدفع الثمن، أما من تاريخها، أو من جغرافيتها…. لاحظوا أنه وفي كل مرة كان يتشكل نظام عالمي جديد، كانت سوريا تدفع الثمن جزءًا من اراضيها، حصل هذا اعوام 1948,1938,1920، ويكاد يحصل هذا الآن….
عدا عن الموقع الجغرافي المميز، تتميز سوريا بموقع جيولوجي مميز، سوريا تقع على تقاطع عدة فوالق رئيسية، تقع عند التقاء عدة صفائح تكتونية، ونقاط التماس هذه هي مناطق نشطة تكتونياً، وينتج عن احتكاكها أو تصادمها قوى ضغط هائلة، يحصل بعض التفريغ لها عبر عدد كبير من الهزات الضعيفة الشدة، واي انحباس كبير للضغط من دون عمليات تفريغ، سيؤدي إلى زلازل كارثية النتائج أو هزات عالية الشدة….
هذا الشرح الجيولوجي المقتضب اوردته لاختصار الكلام، أوردته لاقتبس منه اسقاطاً جيوسياسياً، أن أي عبث بهذه المنطقة سيولد زلازلاً هائلة على مستوى العالم..
.
وعليه، هناك سؤال جوهري يخطر على البال، ماسر هذه الاندفاعة من قبل الجميع باتجاه سوريا؟؟.. هل من إجابة شافية في السياسة على هذا السؤال؟ أنا لا اقبل الاجابات الخطابية أو الانشائية، هذه مكانها مجلات الحائط…
الدولة السورية حالياً في أضعف حالاتها من كل النواحي، وان ناقشنا الأمور منطقياً، الدولة السورية هي من بحاجة الآخرين وليس العكس، إذاً ماسر ذاك المسعى التركي الحثيث للتقارب مع سوريا؟ لماذا يصر أردوغان على لقاء السيد الرئيس في أكثر من تصريح؟؟.. علماً أن القيادة السورية لم ترد ولا مرة، ولم تعر هذه التصريحات أي اهتمام، بل أن بعض التسريبات تحدثت عن رفض القيادة السورية عقد هكذا لقاء، قبل أن تكون هناك أفعال إيجابية من تركيا نحو سوريا، وليس مجرد أقوال، لماذا تبدو تركيا وكأنها مستعدة لتقديم الكثير من التنازلات؟؟ والتي هي بالأساس حقوق لسورية، لماذا تغير الموقف التركي تغيراً شبه كامل؟؟…،
ولكن يبقى السؤال الأهم هنا، مالذي تملكه سوريا لتقدمه لتركيا بالمقابل؟….
عدا عن ذلك، لاحظنا سابقاً التقارب الاماراتي الكبير، ومن ثم البحريني، وقريباً جداً السعودي، و لاحقاً للتقارب مع السعودية. سيحصل التقارب مع مصر، مالذي تغير؟؟!!!….
الدول ليست جمعيات خيرية، والعلاقات بين الدول تحددها المصالح، مالذي تستطيع سوريا منحه بالمقابل؟؟!!… حتى ايران وروسيا ويعد أن استشعرتا حصول اندفاعة كبيرة من قبل الكل باتجاه سوريا، سعتا لتوثيق تحالفهما مع سوريا عبر معاهدات مكتوبة، ترى مالسر؟….
حتى نفهم، دعونا نعود قليلاً في التاريخ….
عام 1979، حصلت انتكاسة كبيرة للأمن القومي العربي بخروج مصر بسبب معاهدة كامب ديفيد، استشعرت سوريا الخطر قبل الكل وأكثر من الكل، ورغم أنها ليست الأخ الأكبر في العائلة العربية من حيث الامكانات أو المساحة، إلا أنها لطالما لعبت دور الأخ الأكبر مسؤوليةً وهمةً وتحملاً واقداماً في كل مايخص القضايا العربية….
سعت سوريا لتعويض خروج مصر بإقامة اتحاد مع العراق، و لكن صدام افشله بانقلابه على الحكم في العراق عام 1979، وأكاد أجزم أن الهدف الأساس الأول من ذلك الانقلاب كان إفشال ذاك الاتحاد، تصوروا لو أن دولة سوراقيا قد قامت، لكان تاريخ المنطقة بل تاريخ العالم قد تغير…
الهدف الثاني من الانقلاب كان اخراج العراق من منظومة الأمن القومي العربي، عبر الحرب التي شنها صدام على إيران عام 1980، تلك الحرب التي كانت الأسفين الثاني في تلك المنظومة، فقدت سوريا العراق كعمق استراتيحي، وكشريك محتمل في أي حرب مع الخطر الأكبر الذي يتهدد المنظومة ألا وهو الكيان الصهيوني…
أطلقت سوريا رداً على ذلك مشروعها للتوازن الاستراتيجي مع الكيان، بعد أن صارت وحيدة في المواجهة، كان ذاك المشروع مرهقاً ومكلفاً لسوريا وشعبها، عملت سوريا على تعويض خروج مصر والعراق، و انخراط دول الخليج في تمويل حرب صدام على ايران، عملت على محاولة إعادة التوازن عبر إنشاء تحالف المقاومات، دعمت سوريا المقاومة اللبنانية ضد العدو الصهيوني، وصولا إلى إقامة تحالف استراتيجي مع حزب الله، دعمت كل فصائل المقاومة الفلسطينية وصولا إلى احتضان حماس والجهاد الاسلامي……
كان في ذلك بعض المفارقة، فسوريا الدولة العلمانية، وهي على فكرة الدولة العلمانية الوحيدة التي بقيت في المنطقة حتى تاريخه، هذه الدولة العلمانية لم تجد حرجاً في التحالف مع الإسلام الراديكالي بشقيه لمواجهة العدو الصهيوني، وهذا أمر ميز الدولة السورية ويختصر القدر السوري، أن سوريا الدولة والسلطة لطالما قدمت القضية على الأيديولوجيا….
كان غزو العراق للكويت عام 1990، وحرب الخليج الثانية عام 1991 الضربة القاصمة للأمن القومي العربي، وتزامن ذلك مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، هنا وفي سبيل الحد من الخسائر، قدمت سوريا بعض التنازلات واشتركت في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، على أساس أن تكون المفاوضات جماعية، وليس كل وفد على حدى، لتحصل المفاجأة، وتوقع الاردن والسلطة الفلسطينية معاهدتي سلام مع الصهاينة….
قيل الكثير آنذاك عن المفاوضات السورية الصهيونية، وعن وديعة رابين، وعن قصة ال 5 بالمئة، و لكن أكاد أجزم أن سوريا ماكانت لتقبل قولاً واحداً سلاماً مع الصهاينة، مهما كانت التنازلات الصهيونية، وان يرتفع علمهم على سفارة لهم في دمشق، هذا أمر لم يكن ليقبله العقل والوعي الجمعي السوريان، وكانت المكافأة على صوابية الرؤية السورية، هزيمة الصهاينة وانسحابهم من جنوب لبنان عام 2000….
هذا الأمر دق ناقوس الخطر في الدوائر الصهيونية، أن سياسة النفس الطويل في الصراع التي تتبعها سوريا، والتي تعتمد على استنزاف العدو في معارك صغيرة ولكن مستمرة، ولاتتيح له استثمار فائض القوة الهائل الذي يمتلكه، هذه السياسة ستؤدي حكماً إلى نهاية الكيان….
احداث 11 أيلول عام 2001 المفتعلة كانت الرد على الهزيمة والانسحاب من جنوب لبنان 25 أيار عام 2000، هذه الأحداث التي تم توظيفها للقضاء على كل عوامل القوة التي يمكن أن تشكل خطراً على المشروع الصهيوني، عبر حروب كان من المخطط أن تشن على سبع دول، و بالاخص على العراق وسوريا وإيران ولبنان….
غزو أفغانستان لم يكن إلا بروفة، وليس له من هدف استراتيجي، أتى غزو العراق واحتلاله عام 2003 من قبل الامريكان، لتدخل كل جغرافيا المنطقة وشعوبها مرحلة الخطر الوجودي، أمريكا لم تعد على بعد آلاف الكيلومترات، بل صارت بجيشها الجبار في المنطقة، وقد حققت نصراً ساحقاً على العراق، ساهمت ماكينتها الإعلامية في اعطائه هالة اسطورية، واخفت خسائر جيشها فيه….
استفاقت كل أنظمة المنطقة يوم 20 نيسان، بعيد سقوط بغداد على حتمية الاختيار، أما أن تكون مع أمريكا أو انك ضدها، حسب المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش…
ليس من أدل عل حالة تلك الأنظمة من جملة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي قال” إما أن نحلق لأنفسنا بانفسنا، أو تحلق لنا أمريكا”…..
المنطقة كلها استسلمت لأمريكا، حتى بعض تلك الدول التي كانت تنتهج سياسة مناوئة نسبياً لها قد سلمت للأمريكان، وأقصد هنا ليبيا، التي أعلنت التخلي عن برنامجها النووي وتسليمه طوعاً، على فكرة ماتم معرفته من اسرار البرنامج النووي الليبي قد أوصل الامريكان إلى وجود برنامج نووي ايراني سري، لم يكن احد يعرف عنه شيئاً قبل ذلك، ومن هنا بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني….
وحدها سوريا قررت المواجهة، مرة أخرى ذاك القدر السوري، هذا الأمر ليس ترفاً أو استعراضاً، هذه طريقة حياة لاتستطيع سوريا منها الفكاك، رفضت سوريا املاءات كولن باول، و عمدت إلى أسلوبها المفضل والذي تجيده لفرملة الامريكان، دعمت انشاء مقاومة عراقية فاعلة، وقد كان لهذه المقاومة دورها الكبير في أبطاء الاندفاعة الامريكية إلى الحدود القصوى…
كان الرد اغتيال الحريري عام 2005، واتهام سورية به، و عندما لم تجد لجان التحقيق التي شكلت لذلك نفعاً في تطويع سوريا، وتعامل معها السوريون بكل حرفية، وعندما سقط الرهان على أن انسحاب الجيش السوري من لبنان، سيؤدي إلى سقوط الدولة في سورية، في استنساخ لعملية انسحاب الجيش الأحمر من افغانستان عام 1989، والتي كانت من الأسباب الأساسية لانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، بعد كل هذا، كان عدوان تموز على لبنان من قبل الصهاينة عام 2006….
دعمت سوريا حزب الله في صد العدوان، القرار السوري بالدعم لم يكن قرارا تكتيكياً، بل كان قرارا استراتيجيا يدرك أهمية أن حزب الله يجب أن لايخسر المواجهة، فتحت سوريا مخازن جيشها للحزب، وقدمت كل مساعدة ممكنة، حتى أن الجيش السوري كان جاهزا للتدخل أن استدعى الامر…
انتهت الحرب، وحزب الله لم يهزم، وإسرائيل لم تربح، كانت النهاية أشبه بهزيمة مدوية للكيان، الكيان الصهيوني احس ولاول مرة بالخطر الوجودي…..
منظومة الأمن القومي العربي وبعيد مؤتمر مدريد قامت على اساس التفاهم السوري- السعودي- المصري، وجود سوريا ضمن هذه الثلاثية، لم يكن من مبدا التوافق، إنما من مبدا كبح الاندفاعة نحو امريكا أو الصهاينة، والتقليل من التنازلات، والحفاظ على الحد الأدنى من الأمن القومي والحقوق…
ساهمت هذه الترويكا في ضبط الايقاع في المنطقة طوال التسعينات، ولكن هذه الترويكا تضعضعت مع غزو العراق، ومن ثم تضعضعت أكثر مع اغتيال الحريري، وسقطت نهائياً مع عدوان تموز 2006….
كان عدوان تموز إعلاناً نهائياً عن تشكل محورين في المنطقة، محور امريكا، ومحور سوريا، عرفت سوريا كيف تدير اللعبة بعيد حرب تموز في مواجهة محور امريكا…
أعود وأكرر، لأن سوريا أدركت ومنذ ثمانينات القرن الماضي، أنها لاتواجه الكيان الصهيوني فقط، إنما تواجه معه الولايات المتحدة الأمريكية بكل جبروتها، ولأنها أدركت أنه لا قدرة لديها على إيجاد توازن عسكري مع الكيان الصهيوني، بسبب الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان، وبسبب انقطاع الدعم عنها أو شحه، قررت اتباع سياسة النفس الطويل في صراعها مع الكيان، تلك السياسة التي تعتمد استنزاف الكيان في معارك وحروب صغيرة ومستمرة، وانهاكه وابقائه في حالة استنفار دائمة، وحالة قلق وجودية دائمة، وصولاً إلى تجريده من كل اسباب قوته المادية والمعنوية، عبر انتصارات هنا وهناك، قد تكون صغيرة ولكنها فاعلة، مع الحرص دائما على عدم اتاحة الفرصة للكيان على استعمال فائض القوة الهائل الذي لديه، مهما كانت التضحيات….
نتيجة حرب تموز أثبتت صوابية هذه الاستراتيحية، شكلت سوريا في الفترة مابين 2006-2011 النقيض المطلق المباشر والمميت للمشروع الصهيوني، دولة علمانية، أدارت التنوع الاثني والديني الذي تتمتع به جاعلةً منه مصدر قوة، دولة تشهد نموا اقتصاديا مضطردا، دولة ذات اقتصاد ذاتي، مكتفية ذاتيا من ناحية الغذاء والدواء والكساء، تتمتع بأمان داخلي فريد، دولة من دون ديون، غير تابعة لنظام التجارة العالمي، ليست مرتهنة لصندوق النقد أو البنك الدوليين، وبالتالي اقتصادها لايتأثر بتقلبات السوق العالمية، لأنها غير مرتبطة به، دولة لديها عقيدة قومية وطموح جيوسياسي، جيش قوي وعقيدة عسكرية راسخة، دولة لديها شعب عبقري ومنتج، دولة تطبق نظام العدالة الاجتماعية مع شعبها، دولة مركزية قوية وراعية، تلتزم بتقديم خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والدعم لشعبها، دولة ذات عمق حضاري كبير، دولة ذات نتاج فني وثقافي وفكري واسع.، دولة ذات قرار سيادي مستقل…..
نعم، كانت سوريا تمثل في الفترة مابين 2006 – 2011 النقيض المميت للمشروع الصهيوني… فكان لابد من نقل الحرب إلى اراضيها، عودوا الى مؤتمر هرتزيليا عام 2010، المؤتمر الذي يرسم استراتيجيات الأمن الصهيوني، ويشارك فيه كل من له علاقة بالمشروع الصهيوني على امتداد العالم، في ذاك المؤتمر قرع ناقوس الخطر، مما قد تشكله سوريا الدولة والفكرة والدور والعقيدة والشعب والجيش والقيادة من خطر قاتل على المشروع، ومن هناك كانت شرارة الحرب على سوريا….
اريد أن أعود بكم إلى العامين الأولين من الاحداث، أقصد 2011 و 2012، الكل كان في حالة ضياع وتيه فكري، الكل كانت بوصلته مشوشة، وبالتالي خياراته وقراراته أغلبها خاطيء، في ذاك العامين كنا وحدنا، حاربنا وحدنا، واجهنا وحدنا، إيران كانت منتشية بصعود الاخوان، كانت منتشية بسقوط أنظمة تعاديها، إيران استضافت الرئيس الإخواني محمد مرسي الذي أعلن الجهاد جهاراً في سوريا، حزب الله كان متردداً، أضاع بوصلته الاستراتيجية في زحمة الترهات والصغائر اللبنانية، ولم يرَ خطورة الأمر أبعد من مقام السيدة زينب، روسيا كانت ضائعة بالمطلق، وهي من اوقعوا بها ووافقت على قرار الحظر الجوي في ليبيا، ولم تستعمل ضده الفيتو، لينتهي الأمر بحرب شنها الناتو على ليبيا، واسقط القذافي، واعدمه بطريقة وحشية….
لسوريا فضل على كل هؤلاء، بل على العالم كله، و إن أنصف التاريخ يوماً سيذكر فضلها في سجلاته، لسوريا فضل على مصر أنها خلصتها من حكم الاخوان، فصمود سوريا هو من شجع الجيش المصري على القيام بالانقلاب على مرسي وجماعته، لها فضل حتى على كل تلك الدول التي ساهمت بالحرب عليها، تركيا والسعودية وقطر والأردن وغيرها…. فلو أنها سقطت، لدخلت كل هذه المنطقة في حرب الألف عام…
لعبت سوريا ومنذ منتصف سبعينات القرن الماضي دور ضابط الايقاع في المنطقة، كانت الاستراتيجية السورية تقوم على مبدأ ( لا إفراط و لا تفريط )، وان كان لايمكن تحصيل الحقوق الآن، فلا داعي لتقديم التنازلات المجانية، اجادت سوريا لعب دور الوسطية، و الوسطية لسوريا ليست دوراً فحسب، بل قدراً، وكل وسطية هي فضيلة….
ولكن مع نقل الحرب إلى داخل سوريا، تحركت كل الصفائح التكتونية السياسية والاجتماعية والطائفية والمذهبية والأثنية والقومية، واجتاحت الزلازل كل جغرافيا وشعوب وحدود بلدان المنطقة، فقدت المنطقة ضابط ايقاعها، الذي انكفأ ليحمي وجوده، وانفتح مستقبل كل دول المنطقة على مجهول قاتم ينتظرها، قد يكون التقسيم والتشظي اهون شروره….
تحتاج المنطقة وشعوبها، أن تعود سوريا الدولة والدور والعقيدة لتلعب دور ضابط الايقاع للمنطقة، تحتاجها أن تعود لقدرها الذي لاتستطيع منه الفكاك، أنها الاخ الاكبر، أنها صاحبة رسالة حضارية لم تبخل بها على أحد، أنها وإن كانت ليست اكبر الدول مساحةً أو امكانات أو قدرات، ولكنها أكبرها عقلاً وهمةً وتضحيةً وايثاراً، والأهم حكمةً ومروءةً…
يتبع……
(سيرياهوم نيوز4-خاص)