| أيهم مرعي
الحسكة | يبدو أن تركيا قرّرت منْح «فترة سماح» لصديقَيها الروسي والأميركي، للقيام بدورهما في إقناع «قسد» بإخلاء المساحة الحدودية التي تطالب بها أنقرة. ويتجلّى هذا «السماح» في تعليق الجانب التركي قصفه الجوي لمواقع «قسد»، مع تخفيض وتيرة قصفه المدفعي أيضاً، في وقت جُمّدت التعزيزات العسكرية من الأطراف كافة. وإذ تُظهر واشنطن، كعادتها، حالة من التذبذب ما بين محاولتها إقناع القوى الكردية بشيء من التنازلات لمصلحة أنقرة، وبين إبدائها استعداداً للتضحية بـ«مصالح» تلك القوى أملاً في الإضرار بطهران وموسكو، فإن الأخيرة تمضي في مساعيها للتوفيق بين «قسد» ودمشق، من دون أن تلوح إلى الآن أيّ بوادر لنجاحها في ذلك، في ظلّ تمسّك «الإدارة الذاتية» بموقفها، وإيثارها خسارة الأراضي على التفاهم مع الحكومة السورية
انخفضت وتيرة القصف التركي بشكل ملحوظ على مناطق سيطرة «قسد»، منذ دخول عملية «المخلب السيف» التركية أسبوعها الثاني، إثر موجة قصف عنيفة وواسعة في الأسبوع الأوّل من العملية. والظاهر أن هذا الانخفاض مَردّه إلى فرصة قرّرت تركيا منْحها لكلّ من روسيا والولايات المتحدة، أملاً في قيامهما بدفع «قسد» نحو الانسحاب الكامل من الحدود بعمق 30 كم، في ظلّ تأكيد وجود مبادرات من الجانبَين لإقناع الأتراك بالعدول عن قرار الهجوم البرّي. واقتصر القصف التركي، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، على القصف المدفعي والصاروخي المتقطّع على مناطق في أبو رأسين وتل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ومناطق في ريفَي عين العرب (كوباني) ومنبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، في ظلّ غياب تامّ للطيران الحربي. كذلك، لا توحي المعطيات الميدانية بأيّ تحرّكات غير اعتيادية على خطوط التماس، باستثناء تعزيزات للجيش السوري وصلت إلى مناطق في ريفَي الباب وعين العرب، وإنشاء الجانب الروسي نقطة مراقبة جديدة في قرية جاجان، بالقرب من مدينة الباب شمال شرق حلب. أيضاً، غابت أيّ تعزيزات عسكرية للجيش التركي أو الفصائل السورية المتحالفة معه في خطوط التماس مع «قسد»، فيما لم يُسجَّل وصول أيّ تعزيزات عسكرية كردية إلى الشريط الحدودي، على رغم إعلان «الإدارة الذاتية» إيقاف العمليات العسكرية ضّد خلايا «داعش»، وإرسال القوات المكلَّفة بهذه المهمة إلى الحدود لحمايتها.
وفسّرت العديد من تصريحات القادة الكرد، تراجُع وتيرة القصف، بأنه نجاح للضغوط الأميركية على تركيا، مُستدِلّةً على ذلك بانسحاب وسائل الإعلام التركية من العديد من المدن الحدودية، وغياب أيّ تعزيزات عسكرية هناك. وتوحي تلك التصريحات بأن ثمّة قناعة لدى «قسد» بأن تحذيرها من تأثير العملية التركية على مهمّة تأمين الحماية للسجون والمخيّمات التي تحوي عناصر «داعش»، ترَك أثره لدى الأميركيين، وهو ما تجلّى في إعلان وزارة الدفاع الأميركية «تقليص عدد الدوريات مع قسد، بسبب التهديد بالتصعيد في المنطقة، مع مواصلة التركيز على القضاء على تنظيم الدولة»، وتأكيدها أن «الاتصالات مع الأتراك مستمرّة، ووزير الدفاع سيتواصل قريباً مع نظيره التركي». في المقابل، واصل الجانب التركي، من خلال تصريحات إعلامية منقولة عن مصادر رسمية، الحديث عن أن «الجيش يحتاج إلى أيام قليلة لإطلاق العملية البرّية، والأمر يحتاج فقط إلى أمر من الرئيس رجب طيب إردوغان».
«قسد» باتت تدرك أنها تحتاج إلى تقديم تنازلات قاسية، مقابل تأجيل العملية البرّية أو إلغائها
وأكدت هذه المصادر «اتّخاذ كلّ التحضيرات العسكرية واللوجستية اللازمة للعملية العسكرية التي ستُنفَّذ بشكل دقيق، ومن دون أيّ تهديد لسلامة القوّات الروسية والأميركية»، مضيفةً أن «الجانب الأميركي أبدى تفهّماً لمطالبنا، ومعلوماتنا تفيد بانسحابهم من بعض المواقع». كذلك، أشارت إلى أن «الجانب الروسي يقوم بجهود لتلبية مطالبنا شمال سوريا، بدلاً من العملية العسكرية»، مبيّنةً أنه «تمّ اشتراط انسحاب قسد من منبج وعين العرب وتل رفعت، وعودة مؤسّسات النظام السوري إليها، للتراجع عن قرار العملية البرّية». وإذ لفتت إلى أنه «تمّ منْح مهلة للروس لتلبية شروطنا، وإلّا ستُنفَّذ العملية العسكرية»، فقد أوضحت أن «تركيا أبلغت الروس رفْضها انتشاراً شكلياً لقوات الجيش السوري في مناطق قسد، مع التشديد على ضرورة حلّ قسد أو إخراجها من المنطقة». وفي الاتّجاه نفسه، أفادت وسائل الإعلام التركية بصدور أوامر بتخصيص أقسام وطوابق من المستشفيات في المدن الحدودية لصالح الجيش، بما فيها العنايات المركّزة والإسعاف، والتوقّف عن استقبال الحالات الطبّية غير الطارئة، فيما ذكر موقع «المونيتور» الأميركي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أنه «تمّ إجلاء الموظّفين المدنيين الأميركيين، بمن فيهم الدبلوماسيون، من مناطق سيطرة قسد إلى أربيل في كردستان العراق»، لافتاً إلى أن «الضربات الجوّية التركية الأخيرة في سوريا هدّدت بشكل مباشر سلامة الأفراد الأميركيين الذين يعملون هناك».
إزاء كلّ ما تَقدّم، تُعرب مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقادها بأن «قسد باتت تدرك أنها تحتاج إلى تقديم تنازلات قاسية، مقابل الاستحصال على قرار تركي بتأجيل العملية البرّية أو إلغائها، لذلك تمضي نحو قرار المواجهة، لأن خسائره ستكون أقلّ من القبول بالشروط التركية»، مضيفةً أن «الإدارة الذاتية تُعوّل على تكرار ما حصل إبّان عملية نبع السلام، من إمدادٍ من قِبَل الروس والجيش السوري جنّبها خسارة مناطق واسعة، بعد الإعلان الأميركي حينها عن انسحاب كامل من الحدود، والتراجع عن ذلك بقرار الاحتفاظ بمواقع في محيط آبار النفط». وتَكشف المصادر أن «قسد لم تردّ حتى الآن على المبادرة الروسية القاضية بنشْر قوات الفيلق الخامس على الحدود في منبج وتل رفعت وعين العرب كمرحلة أولى، مع انسحابها والأسايش والإدارة الذاتية، لإقناع الأتراك بالعدول عن قرار الحرب، وتسيير دوريات مشتركة معهم، للتأكّد من تطبيق الاتفاق»، معتبرةً أن «قسد لا تزال تحاول كسْب الوقت، وتُراهن على موقف أميركي حازم يمنع الأتراك من شنّ الهجوم، على رغم وجود معلومات مؤكّدة عن سحْب الأميركيين موظّفيهم المدنيين من القواعد الأميركية ونقْلهم إلى شمال العراق». وتُنبّه المصادر إلى أن «استمرار قسد في تعنّتها برفض أيّ مبادرات، واعتبار نفسها أنها غير متواجدة على الحدود أصلاً كما أبلغت الروس، سيؤدّي إلى حفاظ الأتراك على ذريعتهم، وشنّ هجوم عسكري برّي قريب»، لافتةً إلى أن «المؤشّرات تؤكد جدّية الأتراك في شنّ العملية، ولكن من غير المعلوم حتى الآن ما إن كانت ستتّخذ شكل عمل عسكري واسع، أم محدود في مناطق في أرياف حلب».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار