آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » فراس السواح: وصفة جاهزة للمثقف الامتثالي

فراس السواح: وصفة جاهزة للمثقف الامتثالي

 

يوسف م. شرقاوي

 

يطل صاحب «مغامرة العقل الأولى»، فراس السواح، مفكّك جلجامش وقارؤه، بعد عقودٍ على «المغامرة»، بمنشورات مقتضبة على حسابه على فايسبوك، المخصص «للأصدقاء فقط»، حيث يكتب ما يرى أنه «ينبغي أن يكون» في السياق السوري. في بعض الأحيان، لا يكلّف المُغامِر نفسه شيئاً، فلا يكتب أي حرف، بل يكتفي بمشاركة تقرير أعدّته قناة «العربية».

 

على خلفية الاتفاقية الموقعة بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي ـــ أي «قسد» والإدارة السياسية السورية الجديدة ـــ كتب المُغامِر أول من أمس، باقتضاب: «أحمد الشرع ومظلوم عبدي يستحقان جائزة نوبل للسلام».

 

ثمة أصدقاء له، ممن تركهم أو سها عنهم، يستنكرون ما يكتبه. سأله أحدهم باستغراب: «عم تمزح مو؟». «مو» هنا تجيء التماساً للتوكيد؛ أرجوك قل لي إنك تمزح. لكنّ السواح ــ ميالاً إلى الاقتضاب والاختزال هذه المرة ــ ردّ بـ«لا»، ووراءها، بعد فراغٍ، نقطة كبيرة، حازمة وحاسمة وقاطعة: لا.

 

ليست إطلالات السواح عبر حسابه المخصص للأصدقاء فقط على فايسبوك هي وحدها التي تستدعي «عم تمزح مو؟»، إذ أطلّ المفكّر السوري الشهر الماضي في حوار جديد له مع مجلة «حرف» كي يتحدث ويستشرف مستقبل سوريا في المرحلة المقبلة. وملخص ما قاله في الحوار: أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني سابقاً، شخصية عظيمة، و«هيئة تحرير الشام» هيئة عظيمة، ولم يكن هناك إسلام سياسي قبل ثورة الخميني، والنبي محمد أول علماني في التاريخ، وأول من فصل الدين عن الدولة.

 

مَن يرجع إلى سنة 2011، وتحديداً في شهرها السادس، أي بعد ثلاثة أشهر من انطلاق التظاهرات في درعا وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، يجد في موقع «الحوار المتمدن» مقالاً بعنوان «نداء إلى المفكر والباحث فراس السواح»، كي يتراجع عن مواقفه المتشنّجة تجاه الثورة السورية. ولم تمر مدة طويلة، ففي الشهر الثالث من 2012، نشرت مجدداً «رسالة إلى فراس السواح» في الموقع ذاته، كي يتراجع عن موقفه عبثاً. وظلّ السواح مصراً على وصف ما حدث في سوريا بـ «الإسلاموي»، حتى في الأيام الأولى التي شابتها تظاهرات سلمية. يعني ذلك أنّ موقفه الحاد إزاء كل ما حدث في سوريا كان مردّه أنّه «إسلاموي» يثير المقت، فحَكَم عليه بالفشل.

 

كتب المُغامِر أول من أمس باقتضاب: أحمد الشرع ومظلوم عبدي يستحقان جائزة نوبل للسلام

 

هكذا إلى أن ظهر صاحب المغامرات الكثيرة على شاشة «الإخبارية السورية» سنة 2021 كي يمجّد انتصار سوريا (ممثلةً بنظامها الأسدي) على الإرهاب، ومجّد النبي محمد وشكّك في الإسراء والمعراج.

 

لا يمكن فهم اللقاء حينها بمعزل عن حوادث سوريّة معينة مثل إقالة المفتي أحمد حسون وإلغاء صلاحياته، والغضب الشعبي من صلاحيات وزارة الأوقاف في سوريا في ذلك الوقت، فتخوّف السوريون من سوريا شديدة الأسلمة، ولذلك انبرى السواح للدفاع عن الصفة العلمانية للدولة.

 

بالتزامن مع لقاء السواح، خرج وزير الأوقاف عبر القنوات السورية نفسها كي يتحدث عن إسلامية الدولة، فيطمئن المحافظين.

 

مهادنة السلطة (أي سلطة) سمة ظاهرة تلخّص تحوّلات السواح كلها، وخطابه الشخصي لم يكن إلا إعادة تدوير لخطاب السلطة (أي سلطة) ولو تعارض ذلك مع خطابٍ قديم أعاد تدويره من قبل لسلطةٍ مختلفة.

 

ليس غريباً عليه إذن أن يخرج من امتثال إلى امتثال، حتى لو لم تطلب السلطة الجديدة منه الدفاع عنها، فإنه يريد البقاء في كنف السلطة (مجدداً: أي سلطة) أياً كانت طبيعة نظامها أو أيديولوجيتها، ولن يتوانى عن اعتناق مبادئها وترداد خطابها.

 

يمثل السواح أفضل تمثيل لنموذج المثقف الامتثالي في سوريا، يسعى دائماً إلى البقاء في المرتبة الأولى داخل هذا النموذج، دونما انزياحات كبيرة في آليات الخطاب وطبيعة الاشتغال. إنّ الوصفة جاهزة لمن يريد، وليس فيها عبء كبير ولا إجهاد، حتى السواح نفسه لم يبذل جهداً في سبيل تحقيقها ربما بسبب طبيعة السلطة نفسها:

 

١- أمامك دولة تدّعي العلمانية ولكنها تتأسلم، اخرج… فيخرج كي يؤكد علمانيتها ويقوّض تحوّلاتها بأدوات أكاديمية بدائية.

 

٢- أمامك دولة شديدة الأسلمة وتريد ادّعاء العلمانية، اخرج… فيخرج كي يؤكد ادّعاءاتها تاريخياً، وينفي تشدّدها، بأدوات أكاديمية بدائية.

 

ليست الوصفة صعبة، تحركات السواح خلال أقل من 15 سنة، بأقل قدر من الجهد والارتياح، تثبت نجاعتها، وتتلخّص بالتالي: كن مع السلطة… أي سلطة، فهي حتماً: عظيمة!

لم يدعوك للظهور على التلفزيون؟ حسناً.

 

اكتب جملة لأصدقائك فقط امنح فيها نوبل للسلام لمن تريد، ربّما تجيئك الدعوة بعدها. «عم تمزح مو؟» قد يسأل المفكّر المُغامِر هذا السؤال. الإجابة: «لا».

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١ الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نجوم سوريا ينعون شهداء اللاذقية

      لم تكن الساحة الفنية السورية في منأى عن تداعيات التطهير الذي يشهده الساحل السوري وراح ضحيته أكثر من ألف شهيد. إذ شاركت ...