نديم محمد, واحد من أروع الشعراء العرب, وأكثرهم التصاقا بالألم, والقدرة على جعل الدم حبراً يضوع عطراً, هو صاحب ديوان آلام, وفراشات وعناكب, ورفاق يمضون, وفرعون, و في هذه العجالة لست بصدد الحديث عنه, إنما لأستعير عنوان مجموعته (فراشات وعناكب) لتكون مدخلاً إلى ما نراه اليوم, ليس من فراشات وعناكب, إنما بكل ثقة يمكن القول: من ذئاب متوحشة مفترسة, ترتدي ثوب (الخراف) لتبدو المسالمة الطيبة, وهي التي تذبح بكل ما تحت جلودها من مخالب, تبدو لمن لايعرفها بنفسجاً, وربما نرجسا.
ولكن الأقرب إلى التشبيه الحقيقي( فراشات وعناكب) الفراشات التي يغريها زخرف العنكبوت, والشبك الذي يظهر وكأنه نسج من الحرير, فتكون المصيدة التي تعني الهلاك بإرادتها, اليوم المشهد العالمي هو هكذا لاسيما في شق الإشاعات والأكاذيب, ونشر الأضاليل, أو ما يريد المتابعون تسميته:بالحرب الناعمة, افتراس عن طريق الإغراء, واللافت للانتباه أن الشباك نصب لهذه الشعوب الطيبة التي كانت عبر التاريخ مصدر الخير والمحبة, والألفة, المنطقة الحضارية وقلبها الوطن العربي وفي القلب النبض (سورية).
شباك لم ينج الكثيرون من الوقوع فيها, بل إن بعضهم صار جزءا منها, مروجاً لها, نسي التاريخ والجغرافيا والقيم الروحية, ونسي أن هذا الوطن هو كما قال الشاعر عمر أبو ريشة (يارؤى عيسى على جفن النبي).
كانوا (من وقع) كالقطيع الذي يساق إلى المذبح ويظن أنه ذاهب إلى مرتع العشب والماء, يذبح بسكين مثلومة تطيل بقاءه ليذوق مرارة الذل والهوان والانغماس في ركب الخيانة, مع الإشارة إلى أن النعاج والخراف تقاوم على عتبة المسلخ حين تقاد وتشتم ريحة الدم, بل تطلق ثغاءها ليعرف القطيع أن ثمة مذبحة كبرى تعد له.
أما أولئك المهرولون نحو الجلاد, يسرعون قدر الإمكان, وربما يعملون أكثر من مشغليهم أذى وفتكاً بأبناء الحياة, اللعبة مكشوفة, ولا تحتاج إلى من ينقب في بطونها وخفاياها, ولسنا بخائفين منها لأنها فشلت وأخفقت وباءت بالاندحار, لكننا نشعر بالأسى على الإنسانية التي يدعونها, نشعر بالقرف من أضاليلهم التي تضخ كل ثانية, ومع أنها منتنة تماما, لكن تجد من يستعذب عفنها, ويعيد ضخها ونشرها, المشهد برمته يدل على انحطاط قيمي وانساني, ويعيدنا إلى ما قاله شاعر عربي قديم ذات يوم :
عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى
وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
– يــرى اللهُ إنـّي للأنيسِ لكـــارهٌ
وتبغضهم لي مقلة و ضميـرُ.
وبهذا المعنى كان قول الإمام الشافعي:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب ولو نطق الزمان بنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
(سيرياهوم نيوز-الثورة)