طرح الكاتب الروسي الشّهير إلكسندر نزاروف سُؤالًا على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة في مقاله الأخير الذي نشَره موقع “روسيا اليوم” الأحد يتساءل فيه “متى يحصل العرب على القُنبلة النوويّة في نِهاية المطاف؟”.
الإجابة على هذا السّؤال تحتاج إلى مُجلّدات تتناول العوائق العديدة في هذا الصّدد، وشرحٌ مُطوّل للظّروف الرّاهنة التي تسود العالم العربيّ حاليًّا ابتداءً من عَمالة مُعظم الأنظمة الحاكمة وفسادها، وانتهاءً بالهرولة إلى التّطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ورفع الرّايات البيض لها والمُبالغة في هذا الاستِسلام حتى لم يبقَ أمام بعض الحُكومات، غير اعتِناق ليس الديانة اليهوديّة فقط، وإنّما أيديولوجيّة الحركة الصهيونيّة، وأبرزها احتِقار العرب واستِبعادهم.
القنبلة النوويّة العربيّة كانت ضرورةً لتحقيق توازن رُعب نوويّ مع “إسرائيل” التي تملك أكثر من 200 رأس نووي إن لم يكن أكثر، ولكن في ظِل حالة الانهِيارات السياسيّة والأيديولوجيّة التي تسود المنطقة حاليًّا، ودُخول الملكيّات العربيّة في تحالفٍ استراتيجيّ تحت زعامة دولة الاحتِلال بذريعة مُواجهة الخطر الإيراني، بات حُلم الدّرع النّووي العربي بعيد المنال، إن لم يكن مُستَحيلًا.
إذا نظرنا إلى الدول الإسلاميّة التي تملك أسلحة نوويّة مِثل باكستان، أو المُرشّحة لامتِلاكها في المُستقبل المنظور، مِثل إيران وتركيا نجد أنّ العُلاقات العربيّة معها تبدو في قمّة السّوء، فحتّى باكستان التي لَعِب المال العربيّ الخليجيّ دورًا كبيرًا في تطوير برامجها النوويّة، باتت لا تكن الكثير من الودّ للعرب، وشاهدنا زعميها عمران خان يَرُد قرضًا بثلاثة مِليارات دولار بطريقةٍ نَزِقَة إلى المملكة العربيّة السعوديّة، ويلجأ للاقتِراض من الصين لدفع القِسط الثّالث والأخير الذي يُقدّر بحواليّ مِليار دولار بداية العامِ الجديد.
إيران تملك العديد من المُنشآت النوويّة، وعشَرات الآلاف من أجهزة الطّرد المركزي القادرة على تخصيب اليورانيوم بمُعدّلات مُرتفعة جدًّا، وفي مخازنها كميّات من اليورانيوم المُخصّب (حواليّ 3600 كيلوغرام) يُمكن أن تُشكّل نُواةً لإنتاج قُنبلتين نوويتين، وبنَت مفاعل “فوردو” النّووي في قلب جبل يَصعُب قصفه وتدميره بالقنابل التدميريّة التقليديّة.
أمّا تركيا التي طوّرت ترسانةً من الأسلحة التقليديّة بِما في ذلك طائرات مُسيّرة مُتقدّمة جدًّا، وأوشكت أن تُحقّق الاكتِفاء الذّاتي في الإنتاج العسكريّ، فلا تُخفِي طُموحاتها النوويّة، وتعاقدت مع روسيا، وهي العُضو في حِلف النّاتو، لبِناء أربع مُفاعلات نوويّة، واشترَت منظومات صواريخ “إس 400” الدفاعيّة الروسيّة المُتطوّرة لحِمايَتها.
كانت هُناك عدّة فُرص أمام حُكومات عربيّة عديدة لشِراء قنابل نوويّة صغيرة أثناء تفكيك الاتّحاد السوفييتي الذي كان يملك 2700 رأس نووي، وإغواء العديد من العُلماء النوويين السوفييت الذين هاموا في الشّوارع دُون عمل، وتوظيفهم سِرًّا في برامج نوويّة، أو الاستِعانة بخُبرات العالم الباكستاني الشّهير عبد القدير خان، ولكن لم تجرؤ أيّ من الحُكومات العربيّة على الإقدام على هذه الخطوة، وعندما أقدمت عليها كُل من العِراق وليبيا تآمرت مُعظم الحُكومات العربيّة وجامعتهم لتدمير البلدين، وبقيّة القصّة معروفة.
التّاريخ يُعيد نفسه هذه الأيّام، وها هِي الدّول نفسها التي دمّرت العِراق، وشاركت في الحِصار الخانِق، والمُؤلم، ومن ثمّ الحرب التي خاضتها 36 دولة ضدّه بزعامة أمريكا عام 2003، تتآمر اليوم مُجدَّدًا ضدّ إيران وبزعامةٍ إسرائيليّة، لتدميرها لمنع قيام أيّ قوّة نوويّة إسلاميّة يُمكن أن تُلغِي، أو تُعادل التفرّد النووي الإسرائيلي في المِنطقة.
إجابتنا على سُؤال الكاتب الروسي نزاروف بالسّلب للأسف، والقول بكُل وضوح أنّ امتِلاك العرب لأيّ سِلاح نووي لن يتم في المُستَقبلين: المنظور والمُتوسّط، في ظِل حالة الانهِيار الحاليّة، ووجود أنظمة حُكم باتت قبلة صلواتها تل أبيب، وقمّة مُناها رِضا نِتنياهو وتابِعه ترامب.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 20/12/2020