| وليد شرارة
ليس من المبالغة اعتبار رفض الدول الخليجية والعربية تشكيل «ناتو شرق أوسطياً»، يضمّها وإسرائيل، بقيادة أميركية، لمواجهة إيران، فشلاً لمحاولة إدارة جو بايدن إقامة «نظام إقليمي جديد»، بعد سلسلة إخفاقات أميركية لإنشاء مثل هذا النظام منذ نهاية الثنائية القطبية والحرب ضد العراق في1991. يشير مارك لينش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، في مقال نُشر في الـ26 من هذا الشهر على موقع «فورين أفيرز» بعنوان «النظام الشرق أوسطي الجديد القديم»، إلى هذه المحاولات المتتالية، والفاشلة، والمتّصلة برأيه بما يسمّيه «أساطير 1991. الحضّ على إقامة منظومة إقليمية بقيادة أميركية هو جزء من الحمض النووي لواشنطن. وبشكل خاص، هناك جيل من صنّاع السياسة الخارجية الأميركية الذين يرون أن 1991، والنظام الإقليمي الذي تبلوَر في تلك الفترة، هو النموذج الذي ينبغي استنساخه. من السهل فهم أسباب ذلك. فالحقبة التي تلت سقوط الاتحاد السوفياتي هي مرحلة أوج الريادة العالمية للولايات المتحدة… وقد بَذلت إدارتا بوش الأب وكلينتون جهوداً طموحة لربط المنطقة بالقطب الآحادي الأميركي وتحويلها إلى منظومة إقليمية متناسبة مع مصالحه».
يستعرض لينش المحاولات المذكورة، بدءاً بتلك التي باشرها بيل كلينتون عبر رعاية «عملية السلام» التي انطلقت في مدريد، والهادفة إلى الوصول إلى «شرق أوسط جديد» مندمج اقتصادياً واستراتيجياً، وفقاً لرؤى شمعون بيريز، مروراً بمشروع «إعادة صياغة الشرق الأوسط»، تحت غطاء «الحرب على الإرهاب»، استناداً إلى نظريات المحافظين الجدد، مروراً بسياسة «إعادة التوازن» التي زعم باراك أوباما اعتمادها بين الدول الخليجية وإيران، وصولاً إلى استراتيجية «الضغوط القصوى» على طهران التي طبّقها دونالد ترامب، و«اتفاقية أبراهام» التي رعاها. لم تنجح جميع هذه المساعي، على رغم أن السياقات الدولية والإقليمية التي تمّت في ظلّها كانت أكثر ملاءمة للولايات المتحدة من السياقات الراهنة، ما يدفع لينش إلى الاستنتاج بأن جهود إدارة بايدن محكومة بالفشل، لأنه «أصبح من غير الممكن إعادة تنظيم الشرق الأوسط الراهن من قِبل واشنطن. فقادة هذه المنطقة يفضّلون الرهان بالكامل على ما يرونه عالماً متعدّد الأقطاب، وهو ما اتّضح عبر رفضهم الوقوف مع الولايات المتحدة وأوروبا ضدّ روسيا».
السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هو عن الدوافع التي تحدو بالولايات المتحدة إلى طرح مشاريع تزيد من التوتّر الإقليمي، على رغم حرصها المزعوم على «الاستقرار» في منطقة هامّة استراتيجياً «لأمن الطاقة العالمي». في الواقع، فإن التوتّر، أو افتعال التوتّر، هو مصلحة أميركية لتبرير بقاء الهيمنة الأميركية على الخليج، ومحاولة إدامة السيطرة على سوق الطاقة العالمية. استغلال التوتّرات الإقليمية والدولية كان مرتكزاً أساسياً من مرتكزات الاستراتيجية الأميركية حيال الخليج، والرامية إلى إحكام السيطرة على نفطه وغازه. فبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، والغزو السوفياتي لأفغانستان، أعلن الرئيس الأسبق، جيمي كارتر، عن العقيدة التي حملت اسمه، «عقيدة كارتر»، والتي تنص على أن واشنطن لن تتردّد في استخدام القوة العسكرية للدفاع عن «مصالحها» في الخليج، وتمّ إنشاء قوات التدخّل السريع الأميركية لهذه الغاية. استفادت الولايات المتحدة من مخاوف الأنظمة الخليجية من انتصار ثورة شعبية ضدّ النظام الشاهنشاهي، وروّجت لفرضية أن الغزو السوفياتي لأفغانستان غايته الفعلية هي الوصول إلى «المياه الدافئة» في الخليج – وهو ما دحضته جميع دراسات المؤرّخين والباحثين عن الخلفيات الحقيقية للغزو -، وذلك لتثبيت سيطرتها على الخليج. الأمر نفسه ينطبق على كيفية تعاملها مع التدخّل العراقي في الكويت في 1990، عندما أوحت عبر سفيرتها في بغداد، أبريل غلاسبي، لصدام حسين بأنها تعتبر الخلاف بين بلاده والكويت شأناً عربياً، قبل أن تسارع إلى إرسال قواتها لـ«تحرير» هذا البلد، وإحكام قبضتها على الخليج.