بدأت فرنسا اتخاذ خطوات متسارعة، تظهر سعيها لاستغلال التطورات الحاصلة في سوريا من أجل استعادة جزء من نفوذها في الشرق الأوسط. وتجلّى جانب من ذلك في محاولتها لعب دور الوسيط بين تركيا و«قسد» من جهة، وبين الأخيرة و«الإدارة السورية» الجديدة من جهة أخرى، بالإضافة إلى وضع مخطط لمضاعفة عدد جنودها شمال شرق البلاد، وسدّ جزء من «الفراغ» الذي سيتركه تقليص الأميركيين قواتهم هناك، حيث سيتمّ سحب نحو نصف جنودهم خلال شهرين، وفق وزارة الدفاع الأميركية.
وفي موازاة ذلك، يظهر أن الفرنسيين يريدون الحدّ من التأثير التركي الواسع في الإدارة السورية الجديدة في دمشق، ولهذا يسعون إلى نشر قوات في شمال شرق سوريا بما يخلق قدراً من التوازن على الأرض، ويضغط على دمشق لعدم الخضوع الكامل للإرادة التركية. وكان بدأ هذا التوجّه بالظهور منذ اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد، من خلال تكثيف المبعوث الفرنسي إلى سوريا زياراته إلى مناطق «قسد»، وتأكيد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن «بلاده لن تتعامل بسذاجة مع الوضع السوري، ولن تتخلّى عن الأكراد»، في إشارة إلى الدور التركي في وصول حكومة أحمد الشرع إلى الحكم في دمشق، ومحاولة الضغط لإخضاع الأكراد لسلطتها.
وتُوّج الدعم الفرنسي لـ«قسد»، قبل أيام، بلقاء وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، والرئيسة المشتركة لـ«هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية»، إلهام أحمد، في أربيل في إقليم كردستان العراق، في رسالة دعم واضحة للأكراد في سوريا. ووفق وكالة «هاوار» الكردية الناطقة باسم «الذاتية»، فإن «الاجتماع بحث سبل الاستقرار الأمني والسياسي لمناطق شمال شرق سوريا، وسبل تعزيز الحوار بين الأطراف السياسية، ودور فرنسا في دعم جهود التسوية السياسية»، فيما كتب وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، على منصة «إكس»، تغريدة قال فيها: «مع الجنرال مظلوم عبدي، قائد قسد، عشرة أعوام من العمل المشترك ضد تنظيم داعش». وشدّد على أن «كل حقوق ومصالح الأكراد يجب أن تؤخذ في الاعتبار في المرحلة الانتقالية في سوريا».
تسعى فرنسا لضمان نفوذ لها في سوريا، وترى في دعم الأكراد سبيلاً لذلك
وفي سياق متصل، نشرت وسائل إعلام فرنسية تقارير أكّدت فيها أن «الإليزيه يأمل استغلال الوضع الراهن لاستعادة بعض النفوذ الفرنسي السياسي في سوريا». وأشارت هذه التقارير إلى أن «باريس تعمل على توسيع حضورها العسكري ضمن إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش». وكشفت أن «باريس نشرت بالفعل ما بين 100 و200 جندي شمال شرق سوريا، مع احتمال زيادة عديد قواتها في إقليم كردستان العراق أيضاً».
وفي هذا الإطار، أوضحت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، أن «فرنسا تتواجد أساساً بنحو 100 جندي في قواعد شمال شرق سوريا، في الحسكة ودير الزور»، مشيرة إلى أنه «من المحتمل أن تزيد عدد جنودها إلى 200 عنصر كمرحلة أولى، ثم قد تلي ذلك زيادات إضافية». كما رأت المصادر أن «باريس تريد أن تضغط على كل من أنقرة ودمشق لضمان نفوذ لها في سوريا، وتجد في دعم الأكراد ملفاً مهماً لتحقيق ذلك»، مرجّحة أن «تلعب فرنسا دوراً في تطبيق اتفاق العاشر من آذار بين الشرع وعبدي بصورة تمنع الهيمنة التركية الكاملة على سوريا».
وعلى خط موازٍ، أنهت كلّ من أحزاب «الإدارة الذاتية» الكردية، وأحزاب «المجلس الوطني» الكردي، الاستعدادات لعقد أول مؤتمر قومي كردي في تاريخ سوريا في مدينة القامشلي، بهدف توحيد الرؤية السياسية الكردية تجاه سوريا الجديدة، بعد 13 عاماً من الخلافات المتواصلة. ومن المقرّر أن يحضر المؤتمر عدد من ممثّلي الأحزاب الكردية في العراق، من بينهم عبد الحميد الدربندي كممثّل للرئيس مسعود برزاني، الذي لعب دوراً محورياً في تذليل العقبات أمام عقد المؤتمر، على رغم تأجيل هذا الأخير ثلاث مرات متتالية، قبل التوافق على موعد نهائي له اليوم.
ورأى مصدر كردي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المؤتمر القومي الكردي سيكون حدثاً تاريخياً مهماً لأكراد سوريا، وسيضعهم أمام مسؤولياتهم للسعي للاستحصال على الحقوق القومية الكردية»، مرجّحاً أن «ترفع الأحزاب الكردية من سقف مطالبها من خلال الدعوة إلى الفدرالية، في سبيل الحصول على أكبر مكاسب ممكنة، مع عدم الاعتراض على نظام الإدارة الذاتية اللامركزي في حال وافقت دمشق عليه».
وأضاف أن الاجتماع سيمهّد لتشكيل وفد كردي موحّد من الأحزاب والمستقلّين، مع منحه صلاحيات التفاوض مع دمشق بشأن رؤية الأكراد لمستقبل سوريا الجديدة ودورهم فيها. كما أشار إلى أن «من بين المطالب التي سيخرج بها المؤتمر إعادة النظر في الإعلان الدستوري، ومراعاة التنوّع الديني والقومي والعرقي في سوريا»، فضلاً عن «ضرورة وقف عمليات القتل الممنهجة بحق السوريين في الساحل ومحاسبة مرتكبي مجازر الثامن من آذار بحق أبناء الطائفة العلوية، للتخفيف من المخاوف المحقّة من احتمالية تكرارها بحقهم أو بحقّ بقية الأقليات».
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار