وليد شرارة
توماس فريدمان يريد «إنقاذ إسرائيل من نفسها». سبق للكاتب في أحد مقالاته الأسبوعية في «نيويورك تايمز» في 8/11/2022، بعد الانتخابات التي مهّدت لتشكيل حكومة الائتلاف الفاشي القومي-الديني الحاكم حالياً، أن نعى «إسرائيل التي نعرف». فقد كان وصول هذا الائتلاف إلى السلطة، مع أمثال بن غفير وسموتريتش، بمثابة الضربة القاضية بنظره لصورة الكيان كدولة «يهودية وديموقراطية في الآن نفسه». قال آنذاك بأن «سؤالاً جوهرياً سيقضّ مضاجع المعابد اليهودية في أميركا وفي كلّ أرجاء العالم: هل عليَّ أن أدعم إسرائيل هذه؟ أم أحجم عن دعمها؟ سيطارد هذا السؤال الطلاب المؤيّدين لإسرائيل في أحرام الجامعات… وسيمثل ضغوطاً على الدبلوماسيين الأميركيين الذين دافعوا عن إسرائيل بوصفها ديموقراطية يهودية تتقاسم مع أميركا قيماً. وسيجعل أصدقاء إسرائيل في الكونغرس يفرّون من أي مراسل يسألهم عما إذا كان ينبغي لأميركا الاستمرار في إرسال مساعدات بمليارات الدولارات إلى هذه الحكومة اليمينية المتطرفة».
مقالات مرتبطة
النقاش الذي يجب أن تخوضه إسرائيل في هذه الحرب
لكنّ فريدمان، المثقف الصهيوني العضوي، وأحد أقطاب اللوبي في الأوساط الليبرالية الأميركية، يبقى معنياً بمصير إخوانه في «القبيلة» في مقابل المخاطر الوجودية التي يواجهون، خاصة بعد عملية «طوفان الأقصى البطولية». هو يتبنّى في مقاله الأخير «النقاش الذي تحتاج إليه إسرائيل حول الحرب»؛ النصائح التي وجّهها الرئيس الأميركي إلى قادة الكيان خلال زيارته «التضامنية» لهم في الأيام الأولى من حربهم العدوانية على غزة، وأهمها عدم التورّط في احتلال مديد للقطاع يفضي إلى نتائج مشابهة لتلك التي نجمت عن الاحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق. حرب إبادة سريعة لا بأس! لكن إياكم و«الغرق في وحول» هذه البقاع الظلامية والمتعصّبة!
غير أن فريدمان يدرك ربما، أكثر من الرئيس الخرف، عمق القطيعة المتنامية بين قطاعات وازنة ومتّسعة من الرأي العام الأميركي، خاصة بين الأجيال الشابة، والكيان الصهيوني. التظاهرات الحاشدة التي شهدتها ولا تزال تشهدها المدن الأميركية احتجاجاً على حرب الإبادة ضد غزة، وتحوّل قسم من الجامعات إلى معاقل للتضامن مع فلسطين ولحركة مقاطعة إسرائيل، والمواقف الجريئة التي أدلت بها شخصيات عامة سياسية وثقافية وفنية، الحازمة في إدانتها للبربرية الصهيونية، هي جميعها من منظور فريدمان نذر شؤم بالنسبة إلى مستقبل العلاقات الأميركية-الإسرائيلية.
لا يغيب عن باله بالتأكيد أن مفاعيل حرب الإبادة بدأت تتجلّى حتى في داخل مؤسسات الدولة الأميركية، كوزارة الخارجية مثلاً، حيث اعترض عشرات الموظفين على سياسة الدعم غير المشروطة لإسرائيل، وفي داخل الحزب الديموقراطي العزيز على قلبه كـ«يهودي ليبرالي»، حيث عبّر 60% على رفضهم لسياسة الدعم المذكورة.
كلما طال أمد الحرب، وارتُكب المزيد من المجازر، واستمر صمود المقاومة رغماً عن ظروف المجابهة البالغة القسوة، ستكون التداعيات بالنسبة إلى إسرائيل كارثية بالمعنى الفعلي للكلمة. ولا ريب في أن الأصوات الداعية إلى أخذ أكلاف الانحياز المطلق إلى إسرائيل في الاعتبار، بالنسبة إلى مصالح الولايات المتحدة وسمعتها في الفضاء العربي-الإسلامي وفي العالم ستكون أكثر ارتفاعاً في اليوم التالي للحرب. تكفي هذه الأسباب لفهم دعوة فريدمان «إخوانه» للتفكير قبل فوات الأوان.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية