سيطرت فصائل المعارضة الخميس على مدينة حماة، رابع كبرى المدن السورية والواقعة في وسط البلاد، بعد أيام على سيطرتها على حلب في إطار هجوم مباغت، ما يضعف أكثر سلطة الرئيس بشار الأسد.
تعد حماة مدينة استراتيجية في عمق سوريا، وتربط حلب بدمشق.
اقتحمت الفصائل بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة) المدينة بعد معارك ضارية مع الجيش العربي السوري لتعلن إخراج مئات السجناء من سجن حماة المركزي الذي دخلته أيضا.
وأقرّ الجيش السوري بخسارته مدينة حماة الاستراتيجية معلنا في بيان “خلال الساعات الماضية ومع اشتداد المواجهات بين جنودنا والمجموعات الإرهابية (…) تمكنت تلك المجموعات من اختراق محاور عدة في المدينة ودخولها”، مضيفا “قامت الوحدات العسكرية المرابطة فيها بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة”.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن فصائل المعارضة دخلت حماة بعد ليلة من المواجهات العنيفة “من جهات عدة، وتخوض حرب شوارع ضد قوات الجيش السوري في أحياء عدة”.
ومن شأن السيطرة على حماة وفق مدير المرصد رامي عبد الرحمن، أن “تشكل تهديدا للحاضنة الشعبية للنظام”، مع تمركز الأقلية العلوية التي يتحدر منها الرئيس بشار الأسد في ريفها الغربي.
ويأتي سقوط حماة في أيدي المعارضة رغم قصف الطيران الروسي والسوري، بناء على ما أفاد الإعلام الرسمي ليل الأربعاء.
قال زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمّد الجولاني الخميس إن “لا ثأر” بعد دخول الفصائل المعارضة الى مدينة حماة التي شكلت مسرحا لانتفاضة نفذتها جماعة الإخوان المسلمين قبل أربعة عقود وسحقتها دمشق بالقوة.
وفي مقطع فيديو مقتضب نشرته إدارة عمليات الفصائل على تطبيق “تلغرام”، خاطب الجولاني أهالي المدينة “أبشّركم أن إخوانكم المجاهدين الثوار بدأوا بالدخول الى مدينة حماة لتطهير ذاك الجرح الذي استمر في سوريا لمدة 40 عاما”. وأضاف “أسال الله عز وجل أن يكون فتحا لا ثأر فيه بل فتحا كله رحمة ومودة”.
وقالت الطالبة الجامعية مايا (22 سنة)، من دون ذكر شهرتها لأسباب أمنية، لوكالة فرانس برس عبر الهاتف من مدينة حماة إنها وعائلتها تلازم المنزل.
وأوضحت “نسمع أصوات الانفجارات والقصف من دون توقف، منذ ساعات الليل حتى الآن” مشيرة الى أن الشوارع القريبة لمنزلها “خلت من أي حركة” صباح الخميس.
وأضافت “لا نعرف ماذا يجري في الخارج”.
– الجولاني في قلعة حلب –
يفيد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخّذ من بريطانيا مقرا ويعتمد على شبكة من المصادر في سوريا بأن 727 شخصا، معظمهم مقاتلون وبينهم 111 مدنيا، قتلوا في سوريا منذ بدأ هجوم فصائل المعارضة الأسبوع الماضي.
ومنذ بدء هجومها الأسبوع الماضي، تمكنت الفصائل من بلوغ مدينة حلب، وسيطرت على كافة أحيائها باستثناء أحياء في شمالها تحت سيطرة مقاتلين أكراد. وبذلك، باتت المدينة خارج سيطرة القوات الحكومية بالكامل لأول مرة منذ اندلاع النزاع عام 2011.
وزار زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمّد الجولاني قلعة المدينة، وفق ما أظهرت لقطات على تطبيق تلغرام نشرها الأربعاء حساب للفصائل المعارضة.
وبثّ الحساب مجموعة لقطات يظهر فيها الجولاني، المقل في إطلالاته العامة، وهو يقف على درج أمام قلعة المدينة التاريخية، وأخرى يحيّي فيها عددا من مناصريه اجتمعوا حوله. وأكّد مصدر من الهيئة لفرانس برس أن الزيارة جرت الأربعاء.
وبينما تقدّم مقاتلو المعارضة في بداية هجومهم نحو حلب في غياب أي مقاومة تذكر من قوات الجيش السوري، إلا أن المعارك في محيط حماة كانت شرسة إلى حد كبير.
في الأثناء، أمر الرئيس بشار الأسد الأربعاء في مرسوم رئاسي بإضافة نسبة خمسين في المئة الى رواتب العسكريين، في مسعى لتعزيز وضع قواته للتصدي لهجمات المعارضة.
وذكر المرصد في وقت سابق بأن قوات الجيش السوري أرسلت “تعزيزات عسكرية كبيرة إلى حماة” وأطرافها.
– “الأرض المحروقة” –
أطلقت فصائل المعارضة هجومها في شمال سوريا يوم 27 تشرين الثاني/نوفمبر، تزامنا مع دخول وقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان المجاور حيز التطبيق.
دعم كل من حزب الله وروسيا الحكومة السورية على مدى سنوات الحرب في سوريا، لكن الطرفين غرقا مؤخرا في نزاعاتهما.
وأعلنت الأمم المتحدة الأربعاء أن 115 ألف شخص “نزحوا أخيرا في أنحاء إدلب وشمال حلب” جراء القتال.
من جانبها، أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش الأربعاء عن مخاوفها من تعرّض المدنيين في شمال سوريا “لانتهاكات جسيمة على يد الجماعات المسلحة المعارضة والحكومة السورية”.
بقيت الحرب في سوريا خامدة إلى حد كبير على مدى سنوات، لكن محللين حذّروا من أن الوضع قابل للاشتعال في أي لحظة نظرا إلى أن النزاع بقي من دون حل حقيقي.
وتقود هيئة تحرير الشام تحالف الفصائل المعارضة.
وقال المحلل لدى “مركز القرن الدولي” في الولايات المتحدة سام هيلر إنه “كان لدى هيئة تحرير الشام متسع من الوقت والمساحة والموارد لتنظيم نفسها والاستعداد لذلك”.
وأضاف أن سير الأمور الآن “يعتمد على مسألة إن كانت الحكومة السورية ستتمكن من استعادة توازنها”.
وأكد بأن “قوات المعارضة التي تحاول التقدّم جنوبا حاليا ستجد نفسها على الأرجح عالقة في مكان ما في وسط سوريا، عندما تصطدم بمقاومة موالية متحمسة وصعبة”.
وأردف “في تلك المرحلة، سيتوقف الأمر على مسألة إن كانت دمشق تمتلك الوسائل اللازمة لشن هجوم مضاد يقوم على قاعدة الأرض المحروقة الذي أفترض بأنها سترغب في تنفيذه”.
ودعا زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام، رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني الى النأي بالعراق عن الحرب السورية، ومنع إرسال مقاتلين من الحشد الشعبي لمساندة قوات النظام السوري.
وظهر الجولاني في مقطع فيديو، نشره حساب قيادة الفصائل المعارضة على تلغرام، بينما يتابع عبر هاتفه مقتطفات من كلمة للسوداني يتحدث فيها عن “مراقبة” ما يجري في سوريا.
وقال الجولاني “نشد على يده أن ينأى بالعراق من أن يدخل في أتون حرب جديدة مع ما يجري في سوريا”، داعيا إياه الى “منع تدخل الحشد الشعبي العراقي في ما يجري في سوريا”.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم