“علينا أن ننطلق دائماً من السياسات وليس من الخطة ولا من الإجراء، السياسات والرؤى.. هي أهم شيء نركز عليه في علاقتنا مع السلطة التنفيذية”، هذه العبارات كانت رسالة من السيد الرئيس بشار الأسد لأعضاء مجلس الشعب في خطابه الأخير، بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الرابع للمجلس، مؤكداً لهم أنه لا يجوز إقرار السياسات التي تقترحها السلطة التنفيذية قبل البحث مع مسؤوليها بتوفر الأدوات الضرورية لتنفيذها لأن ذلك يؤدي لهدر الوقت في انتظار نتائج لن تأتي..
انطلاقاً من هنا يجب على مجلس الشعب أن يبدأ بمراجعة شاملة لكافة السياسات التي تحكم وتضبط عمله.. كيف يجب أن تكون خطة عمل المجلس الجديد.. وما الخطوات، وما خطة العمل المطلوبة منه، فهو يُعدّ من أهم السلطات حسب الدستور، والتي يجب أن تأخذ دورها وفرصتها..
نظام الضوابط والتوازنات
عضو لجنة الحسابات والموازنة في “مجلس الشعب” سابقاً محمد زهير تيناوي، أكد لـ”تشرين” أن الرقابة طبعاً هي إحدى الوظائف الأساسية للسلطة التشريعية، وهدفها يتمثل في مساءلة الحكومة نيابة عن الشعب وهي جزء حيوي من نظام الضوابط والتوازنات الذي يمنع أي أحد في السلطة التنفيذية من ممارسة السلطة المطلقة في ظل النظام العام.
و وفق الدستور والنظام الداخلي للمجلس(حسب تيناوي)، تتمتع السلطة النشريعية بحق ممارسة الرقابة البرلمانية بمختلف الوسائل المحددة قانوناً كما يجب أن يتجلى ذلك طبعاً بالتعاون والتكامل بين الاختصاصات المختلفة للسلطات التنفيذية والتشريعية واختصاصاتها، بحيث تعدّ رقابة مجلس الشعب من أهم المهام وفق ما أقره الدستور الذي أعطاها الأولوية في مساءلة الحكومة ومتابعة أدائها وأعمالها في كافة المجالات.
لذلك قبل أن تبادر الحكومة بوضع سياستها وبرنامج عملها السنوي، يضيف تيناوي، يجب أن يكون مجلس الشعب على اطلاع بالإستراتيجية والخطوط العريضة لسياسة الحكومة، كما يجب أن يكون للمجلس دور فاعل من خلال اللجان المختصة فيه، حتى تكون مطالب الشعب محققة، بحيث يكون المجلس على علم ودراية، بمشاركة فاعلة من قبل أعضائه في رسم الإستراتيجيات والسياسات.
وبيّن تيناوي، أن ما كان يحدث أن الحكومة كانت تقوم بإعداد برنامجها السنوي في بداية الدور التشريعي وعرضه على أعضاء مجلس الشعب، وتتم مناقشته لساعات طويلة علماً أن ذلك غير كاف على الاطلاق، ومن ثم لا يصوت عليه، وإنما يعدّ هذا البرنامج الذي أعدته الحكومة بعيداً عن مجلس الشعب هو البرنامج الذي سيتم تنفيذه على مدار العام، مع الإشارة إلى أن المناقشات تكون محددة بالوقت والدقيقة للأعضاء الراغبين في التعليق والمداخلة على البيان الحكومي، ومن ثم تعود الحكومة وترد على الأعضاء ممثلة برئيسها، وتنتهي الجلسة ومن ثم تخرج الحكومة وتكون قد أقرت برنامجها، من دون مناقشة وأي تعديل، ولا تقدم أي إجابة واضحة وشافية على الكثير من الاستفسارات والتساؤلات المقترحة..
في السابق كان يعدّ البرنامج الذي أعدته الحكومة بعيداً عن مجلس الشعب هو البرنامج الذي سيتم تنفيذه على مدار العام
البرنامج المالي
هذا بخصوص البرنامج السنوي للحكومة أما البرنامج المالي الذي يتعلق بالموازنة، يردف تنياوي، تقوم وزارة المالية من خلال مديرية الموازنة لديها بالتنسيق مع الوزارات الأخرى وهيئة تخطيط الدولة بإعداد مشروع الموازنة السنوية العامة للدولة قبل نهاية العام، حيث يتم إعداد الموازنة من خلال الواردات التي تقدرها للعام القادم وللموازنة شقان: جارٍ، واستثماري، ويتم إقرارها في وزارة المالية ومن ثم ترسل إلى مجلس الشعب لعرضها والتصديق عليها وإقرارها.
ويضيف تيناوي: طبعاً مجلس الشعب يقوم بدراسة بنود الموازنة سواء التي تتعلق بالإنفاق أو الواردات من خلال اللجنة المختصة، وهي لجنة الموازنة والحسابات ويتم استعرضها ومناقشتها (الأرقام)، مع كل وزارة على حدة.
وبالتأكيد هناك فوراق كثيرة بين ما يقدم، وما هو مطلوب وما هو متاح، مشيراً إلى أن هذه الاعتمادات التي ترصد للوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات غير كافية لكن في ظل الأوضاع الحالية، و واردات الدولة المنخفضة يتم إقرار تلك الاعتمادات والرقم النهائي للموازنة من دون أي تعديل، أيضاً بعد مناقشة تستمر لمدة أكثر من ٢٠ يوماً، وبالنتيجة تقر الأرقام كما وردت من وزارة المالية بلا أي تعديل أو تدخل من قبل لجنة الموازنة في مجلس الشعب، ومن ثم ترسل لجنة الموازنة هذه الاعتمادات والأرقام التي تعود للعام المقبل إلى المجلس ويتم عرضها تحت القبة، وتناقش من قبل أعضاء المجلس بجلسة واحدة ويتم إقرارها ومن ثم تصدر بمرسوم ويتم العمل بموجبها..
الاعتمادات التي ترصد للوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات غير كافية لكن في ظل الأوضاع الحالية، وواردات الدولة المنخفضة يتم إقرارها والرقم النهائي للموازنة من دون أي تعديل
قطع الحسابات
وتحدث تيناوي عن موضوع قطع الحسابات، التي تعود لأعوام سابقة، حيث يتم عرضه بعد أن يرد إلى الجهات المركزية للرقابة المالية عبر وزارة المالية، على لجنة الموازنة ومع ذلك تتم الموافقة عليه.. يعني هو عملية تصديق على ما تم إنفاقه وصرفه بالنسبة للجهات الحكومية في الأعوام السابقة، و اعتبره تيناوي “تحصيلَ حاصل”، فحتى لو كانت هناك بعض الثغرات أو بعض الأخطاء أو بعض الملاحظات، فالأمور انتهت والسنوات انتهت وتم التصديق عليها وقطعت هذه الحسابات.
لم يأخذ دوره كاملاً
وأشار تيناوي، إلى أن المجلس لم يأخذ دوره بالكامل سواء في مناقشة مشاريع القوانين الجديدة التي ترسل من الحكومة أو مشاريع التعديل لبعض من القوانين إلّا في حيز ضيق جداً للخطط التي ترسمها الحكومة، سواء خططها السنوية أو برامج عملها أو في ما يتعلق بالسياسات المالية والموازنات وموضوع الحسابات، فهو لم يأخذ دوره كاملاً، وكافة المناقشات التي كانت تتم هي تصديق لما تم إعداده من قبل السلطة التنفيذية..
المجلس لم يأخذ دوره بالكامل سواء في مناقشة مشاريع القوانين الجديدة التي ترسل من الحكومة أو مشاريع التعديل لبعض من القوانين إلّا في حيز ضيق جداً
تيناوي قال: ما كان يحدث غير ذلك … الحكومة تقوم بإعداد برنامجها السنوي في بداية الدور التشريعي وتقوم بعرضه على أعضاء مجلس الشعب وتتم مناقشته لساعات طويلة //علماً أنه غير كافٍ على الإطلاق//
ويعدّ البرنامج الذي أعدته الحكومة بعيداً عن مجلس الشعب هو البرنامج الذي سيتم تنفيذه على مدار العام دون حتى التصويت عليه من قبل أعضاء المجلس ..
مع الإشارة إلى الحكومة تقوم بتحديد المناقشات بدقائق محددة للأعضاء الراغبين بالتعلق والمداخلة على البيان الحكومي ومن ثم تعود الحكومة وترد على الأعضاء ممثلة برئيسها وتنتهي الجلسة ومن ثم تخرج الحكومة وتكون قد أقرت برنامجها من دون مناقشة أو أي تعديل ولا حتى تقدم أي إجابة واضحة وشافية على الكثير من الاستفسارات والتساؤلات المقترحة من قبل الأعضاء.
خلل في العلاقة
تيناوي يرى أن ما جاء به السيد الرئيس، خلال خطابه يجب أن يطبق وما لا شك فيه، أنه أشار إلى هذا الخلل في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مؤكداً أنه على مجلس الشعب أن يأخذ دوره كما ورد في الدستور، ويجب أن يأخذ نواب الشعب، دورهم كاملاً في المناقشة وفي الإعداد وفي الرقابة ومتابعة الأداء، هذه كلها تساعد وتسهل عمل الحكومة الحقيقة في الإضاءة والإشارة للأسلوب الذي سيتم فيه تنفيذ هذه الخطط وأعمال المشاريع التي ترصد الاعتمادات لها.
وأشار تيناوي إلى أن الرقابة البرلمانية يجب أن يقوم بها أعضاء مجلس الشعب، وأن تحتل موقعاً بارزاً وهاماً، وهي بحق الوظيفة الأكثر شهرة في أعضاء البرلمانات في الوقت الراهن، ولا شك في أن الدور الرقابي لمجلس الشعب يكاد يتداخل مع اختصاصاته الأخرى التشريعية والمالية والخدمية والاقتصادية في جوانب كثيرة، من حيث أنّ مداولات أعضاء المجلس في جلساتهم العامة ومناقشاتهم في اجتماعات اللجان العديدة واللجان الاختصاصية، حيث يتم تبادل الرؤى والمحاورات ضمن اجتماع اللجان الاختصاصية أو عند مناقشة مشاريع القوانين، بحضور الأعضاء والوزير المختص والطاقم الفني الذي سيناقش الموضوع المرسل أو مشروع القانون..
دور الإعلام
وركز تيناوي على دور الإعلام في تسليط الضوء على أداء ومناقشات أعضاء مجلس الشعب وعلى المناقشات التي تتم سواء مع الحكومة، أو غيرها، مشيراً إلى أن مطالب الأعضاء هي مطالب عامة تتعلق بموضوع الغلاء و تحسين الوضع المعيشي، إضافة لموضع الطاقة والرواتب والأجور، لذلك طالب تيناوي بأن يتم نقل جلسات المجلس على الهواء مباشرة وأن يأخذ الإعلام دوره كما يجب جنباً إلى جنب مع أعضاء المجلس..
الدور الحقيقي
كذلك أشار تيناوي إلى أنّ لمجلس الشعب دوراً مهماً جداً، وقد حدده الدستور بشكل واضح في باب مستقل، وجاء النظام الداخلي للمجلس ليؤكد على ما ورد في الدستور بأن مجلس الشعب هو السلطة التشريعية ومهمتها سن القوانين وإعداد مشاريع قوانين جديدة، لافتاً إلى أنه حتى الآن ليس هناك أي مبادرة من قبل المجلس للإعداد أو سن مشاريع قوانين جديدة يراها ضرورية خاصة في الظروف الراهنة، موضحاً أن معظم القوانين تأتي من قبل الحكومة و وزاراتها، سواء قوانين جديدة أو تعديل لبعضها، مبيناً أن المجلس يناقشها ويقرها وهنا تنتهي مهمته، لافتاً إلى أنّ هذا الدور من وجهة نظره ثانوي، ويجب على المجلس أن يأخذ دوره الحقيقي من خلال ملامسته للواقع المعيشي والاقتصادي والمالي، بأن يبادر بإعداد مشاريع قوانين وعرضها على اللجان المختصة بالمجلس ومناقشتها تحت القبة ورفعها إلى السلطات العليا لإقرارها.
يجب على المجلس أن يأخذ دوره الحقيقي من خلال ملامسته للواقع المعيشي والاقتصادي والمالي بأن يبادر بإعداد مشاريع قوانين وعرضها على اللجان المختصة بالمجلس ومناقشتها تحت القبة ورفعها إلى السلطات العليا لإقرارها
خطة لمراقبة عمل الحكومة
مؤكداً أنّ هذا دور مهم يجب على مجلس الشعب اتخاذه ضمن خطته القادمة، لأن دوره ليس محاباة الحكومة ولا الإشادة بإنجازاتها وإيجابياتها، لأنه من الطبيعي أن تقوم الحكومة بدورها وتنجز خطتها وأعمالها، وهذه مهمة الإعلام وغيرها من الجهات، وليس مهمة مجلس الشعب، بل يجب على المجلس أن يضع خطة لمراقبة عمل الحكومة بشكل دقيق ومفصل سواء على الصعيد الخدمي أو المالي أو الاقتصادي، وتنفيذ المشاريع سواء الاستثمارية أو غيرها والأهم وضع آليه لمعالجة ومكافحة الفساد الذي بات ينخر في كافة المفاصل.
على مجلس الشعب اتخاذه ضمن خطته القادمة، لأن دوره ليس محاباة الحكومة ولا الإشادة بإنجازاتها وإيجابياتها
والأهم وضع خطة لمعالجة هموم ومطالب المواطن، وبشكل خاص ما يتعلق منها بالوضع المعيشي، إذ يعدّ هذا من أولى أولويات عمل وأداء أعضاء المجلس الذين تم انتخابهم من قبل أفراد الشعب، وكذلك معالجة أوضاع المتقاعدين سواء المدنيين أم العسكريين، الذين لا تكترث الحكومة ولا مجلس الشعب بهم رغم سني الخدمة.. والنتيجة راتب تقاعدي لا يكفي ثمن دواء لأمراضه المزمنة..
تيناوي أكد ضرورة الوقوف عند هذه القضايا لأن المتقاعد يجب أن يحصل على تأمين صحي كامل وراتب مجٍز يكفيه.. كما يجب على المجلس ونوابه الاهتمام بهذه الشريحة ووضع خطة طموحة لمعالجة أوضاعها وغيرها..
سيرياهوم نيوز 2_تشرين